تقاسم نفوذ في المناطق اليمنية المحررة: شبوة نموذجاً

31 ديسمبر 2021
"قوات العمالقة" تسلّمت مواقع عسكرية في شبوة (الأناضول)
+ الخط -

تدل التطورات في المشهد اليمني على الدخول في مرحلة جديدة من تقاسم النفوذ في المناطق المحررة من سيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، والتي تمتد من الحديدة غرباً، مروراً بعدن جنوباً، وصولاً إلى المهرة أقصى الشرق من اليمن.

وكشفت مصادر عسكرية في شبوة، فجر اليوم الجمعة، لـ"العربي الجديد"، أنّ قوات العمالقة التي وصلت إلى شبوة، الثلاثاء الماضي، بدأت المهمة الموكلة لها وفق تفاهمات الرياض باستلام عدد من المواقع في مدينة عتق عاصمة المحافظة، بينها مطار عتق، إضافة إلى بدء عملياتها العسكرية ضد مليشيات الحوثيين لاستعادة مديريات بيحان وعسيلان والعين التي سقطت منذ أشهر، والتي كانت سبباً في الضغط لإطاحة قيادة السلطات في شبوة وتقليص نفوذ "حزب الإصلاح" داخل الشرعية.

وذكرت المصادر أنّ قوات التحالف، لا سيما السعودية والإماراتية، عادت إلى شبوة، بعد أن غادرت بسبب الخلافات بين الإماراتيين وقيادة السلطات في شبوة.

شبوة تدخل مرحلة جديدة

ومع الإطاحة بمحافظ شبوة المتشدد ضد الإمارات و"المجلس الانتقالي الجنوبي" محمد بن صالح عديو، ضمن تفاهمات اتفاق الرياض، وتعيين محافظ جديد هو عوض بن الوزير العولقي، دخلت شبوة مرحلة جديدة، لا سيما أنّ الأخير معروف أنه من قيادات "حزب المؤتمر الشعبي" المعارضة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ومحسوب على جناح الحزب الموالي لعائلة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، والمدعومة من الإمارات، وهو قد يفسر أنّ الرجل قد يقلّص نفوذ الشرعية في شبوة، لا سيما تقليص ما يسميه نفوذ الإخوان "حزب الإصلاح"، ويعزز من نفوذ عائلة صالح ومعه "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي تربطهما مصالح مشاركة في عدد من الملفات.

مصدر سياسي في الحكومة الشرعية قال، لـ"العربي الجديد"، إنه كان واضحاً العمل على إعادة تفعيل "حزب المؤتمر" جناح عائلة صالح، هو ما يجري حالياً، لذا مع تعيين بن الوزير محافظاً لشبوة، فقد جاءت ردة الفعل سريعة من رئيس المكتب السياسي لقوات حراس الجمهورية والمقاومة الوطنية العميد طارق محمد عبدالله صالح، نجل شقيق الرئيس المخلوع الراحل، من خلال التأكيد أنّ ما يجري يأتي ضمن أهداف خطة إعادة التموضع وتصحيح مسار الحرب من الساحل الغربي حتى شبوة.

وأشاد صالح، في تغريدة له على "تويتر"، بـ"قوات العمالقة والمقاومة الجنوبية وكل المقاتلين على الأرض في مأرب وغيرها"، مؤكداً أنهم "شركاء بقيادة التحالف ضد محور الشر الإيراني".

وفي الشأن، أشار المصدر ذاته، الذي تحدّث لـ"العربي الجديد" شريطة عدم ذكر اسمه، إلى أنّ دعم الإمارات جناح "حزب المؤتمر" الموالي لعائلة صالح يأتي ضمن دعمها قوات طارق صالح، التي ترى أنها ستكون رأس حربة في معركتها ضد تيارات الإسلام السياسي في اليمن، وتحديداً "حزب الإصلاح" أو ما يسمونه "الإخوان"، و"ما حدث في شبوة، سواء كان ضد الشرعية أو لصالح طارق صالح على حساب المجلس الانتقالي أو العكس، هو بداية تحول ويعزز ما تسعى له بعض الدول"، وفق المصدر.

مصادر مقربة من المكتب السياسي لـ"المقاومة الوطنية"، وفي تعليقها على تعيين محافظ جديد لشبوة وتصريحات طارق صالح، قالت لـ"العربي الجديد" إنّ العميد طارق صالح حاول التأكيد بطريقة غير مباشرة أنّ المنطقة الممتدة من الحديدة في الساحل الغربي إلى شبوة ستكون منطقة نفوذ سيتقاسمها مع "المجلس الانتقالي الجنوبي"، والتي تضم عدن ولحج وأبين والضالع إلى جانب مناطق الساحل الغربي وشبوة.

وأوضحت "لذلك اعتبر(طارق) ما يجري هو تصحيح مسار الحرب ويعيد توازن القوى في إطار الشرعية والتحالف، بعد أن كان حزب الإصلاح هو صاحب النفوذ الأكبر، وبالتالي، فإنّ قوات من المقاومة الوطنية في الساحل، بما فيها قوات يتم تدريبها لمكافحة الإرهاب، ستنتقل إلى شبوة وتشارك في تأمينها ومواجهة الحوثيين".

ومع أنّ "قوات العمالقة" تمثل قوات توافقية بين الشرعية والتحالف ومن تفاهمات تنفيذ اتفاق الرياض، إلا أنّ النفوذ الذي يعد جوهر اتفاق الرياض سيكون من نصيب قوات النخبة الشبوانية التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، والمدعومة من التحالف ومن الإمارات تحديداً، وهي القوات التي سيعاد نشرها في شبوة كما كانت في السابق إلى جانب قوات الشرعية الموجودة قبل أحداث 2019 بين الطرفين. ويقول "الانتقالي" إنّه وبعد تلك الأحداث، جاءت قيادة شبوة بقوات شمالية للسيطرة على المحافظة على حساب أبناء شبوة، مكان تلك التي كانت تتكون من أبناء المحافظة وبعض مناطق الجنوب، في حين قد يعيد السماح لوجود قوات طارق صالح في شبوة المشهد إلى الوراء.

لذا، فإنّ المخاوف تدبّ في أوساط عدد من قيادات "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وحتى قيادات في الشرعية و"حزب الإصلاح"، من أنّ التغييرات الجديدة قد تعيد تمكين "حزب المؤتمر" جناح عائلة صالح عسكرياً وسياسياً، لا سيما أنّ قيادات في "الانتقالي" ترى أنّ شبوة لا يمكن أن تعود مجدداً لسيطرة ونفوذ أي قوات أو قوى شمالية، ويجب أن تخضع لقوات من أبنائها وقوات النخبة الشبوانية تحديداً، ولا بد أن تكون تحت نفوذ "الانتقالي".

ورغم رضا قيادات "الانتقالي" عن تعيين محافظ جديد والإطاحة بالسابق، إلا أنهم يراقبون بحذر ما ستسفر عنه سياسة المحافظ الجديد، لكنهم يرون أنّ الخطر الأكبر زال مع إطاحة المحافظ السابق الذي يعتبرونه عدواً وأنه مكّن لـ"حزب الإصلاح" وقوى شمالية العودة إلى شبوة، في حين أنّ عودة انتشار قواتهم، ممثلة بقوات النخبة الشبوانية، قد تمنع تكرار نفس سيناريو المحافظ المقال.

هذه التطورات تأتي ضمن تطورات تقاسم النفوذ وتركّز على تقليص دور "حزب الإصلاح"، وبالتزامن مع عمليات عسكرية جديدة ضد الحوثيين لتأمين محافظات "الثروة"، إلى جانب الإشراف على الملف الاقتصادي.

ودفعت تفاهمات شبوة وتغيير قيادتها إلى تشغيل منشأة بلحاف للغاز، باعتبارها أكبر مشروع استثماري واقتصادي يمني تديره شركة "توتال" الفرنسية، ويطل على بحر العرب، لحل المشكلة الاقتصادية، إلى جانب دعم منتظر لتعزيز العملة الوطنية، ومشروط بتنفيذ جميع الأطراف في الرياض الملفات المقدمة من دول الرباعية.

وتعد تفاهمات شبوة في الرياض مفتاحاً أجبر الجميع على تقديم تنازلات، وتمثل مرحلة تحوّل لكل المحافظات المحررة، فضلاً عن حلحلة الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن، بما يخص عمل الحكومة وتحركها وتمكينها من القيام بعملها، مع التأكيد على ضرورة تصحيح مسار المواجهة العسكرية مع وكلاء إيران، من خلال توحيد قدرات كل الأطراف المنطوية تحت الشرعية والتحالف في مواجهة الحوثيين.

المساهمون