خلافاً لمواقفه المعادية للولايات المتحدة، قرر الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي، الحفاظ على معاهدة للدفاع المشترك مع واشنطن، وذلك بعد أن هدد مراراً بإنهاء العمل بها وطرد القوات الأميركية من بلاده. وجاء الإعلان يوم الجمعة الماضي على لسان وزير الدفاع الفيليبيني دلفين لورينزانا، الذي شدّد خلال مؤتمر صحافي في مانيلا جمعه بنظيره الأميركي لويد أوستن، على أن الاتفاق مع واشنطن نافذ بالكامل مجدداً، وأن رئيس البلاد قرر سحب رسالة الخروج من المعاهدة. ورحّب أوستن، الذي كان قد وصل إلى الفيليبين في إطار جولة في جنوب شرقي آسيا، بقرار دوتيرتي، معتبراً أنه يوفر ضمانة للاستقرار والمضي قدماً. وأكد أن التحالف بين البلدين، أمر حيوي لأمن منطقة المحيطين، الهادئ والهندي، واستقرارها وازدهارها.
استمرار العمل بالاتفاقية يسمح للأميركيين بتعزيز وجودهم حول بؤر توتر بالمنطقة
وكانت مانيلا قد أرسلت إخطاراً إلى واشنطن في شباط/فبراير 2020 لإنهاء معاهدة الدفاع المشترك، وذلك بناءً على أوامر من دوتيرتي. ومنذ ذلك الحين مُددت المعاهدة ثلاث مرات، آخرها في يونيو/حزيران الماضي، بعد مفاوضات ثنائية استمرت أشهراً عدة. وعشية زيارته الفيليبين، اعتبر وزير الدفاع الأميركي أن مطالب الصين المتزايدة في المنطقة لا أساس لها وتمس سيادة الدول الأخرى. وناقش ذلك خلال محادثات أجراها مع دوتيرتي، مشدّداً على أن بلاده ستواصل دعم دول المنطقة من أجل الحفاظ على حقوقها بموجب القانون الدولي.
وتُظهر زيارة المسؤول الأميركي الكبير، وما تخللها من تصريحات، رغبة الولايات المتحدة في إعادة بناء الثقة مع الفيليبين بعد تأزم العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وذلك لبسط استراتيجيتها الساعية إلى احتواء نفوذ الصين في منطقة المحيطين. وتوفّر المعاهدة التي دخلت حيّز التنفيذ في عام 1999، إطاراً قانونياً يسمح بوجود قوات أميركية في الفيليبين لإجراء تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة، بالإضافة إلى تبادل الدعم في حالة التعرض لهجوم خارجي.
ويرجّح محللون أن تقدّم واشنطن خلال الفترة المقبلة مزيداً من المساعدات العسكرية لمانيلا، الأمر الذي من شأنه أن يثير قلق بكين، فضلاً عن أن استمرار معاهدة التعاون الدفاعي المشترك سيتيح للقوات الأميركية التمدد وإعادة الانتشار في المنطقة، انطلاقاً من القواعد العسكرية في الأراضي الفيليبينية. وهو ما قد يعرقل اعتزام الصين استعادة السيادة على تايوان بالقوة، أو ممارسة نفوذها العسكري للتأثير على الأطراف المطالبة بالسيادة على المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. وعلى الرغم من هدوء الصين في تعليقها على قرار الرئيس الفيليبيني، غير أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان، اعتبر في إفادة صحافية أن التبادلات والتعاون بين الدول لا ينبغي أن تفيد فقط الدول المعنية، ولكن أيضاً السلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
وإزاء هذه المعطيات، يشير الباحث في الشؤون الآسيوية لي بو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن بكين تابعت بقلق وحذر شديدين زيارة وزير الدفاع الأميركي إلى المنطقة. ويضع قرار دوتيرتي، في سياق الثمار المرّة للزيارة بالنسبة للصين، التي سبق أن راهنت على موقف الفيليبين الرافض للسياسة الخارجية الأميركية.
ويرى لي بو أن استمرار العمل باتفاقية الدفاع المشترك، يعني إتاحة الفرصة أمام القوات الأميركية لتعزيز تمركزها حول بؤر توتر رئيسية في المنطقة، فضلاً عن الوصول إلى سلسلة من الجزر المتنازع عليها قرب الفيليبين. ومن المفترض أن تؤدي هذه التحركات الميدانية إلى قطع الطريق أمام البحرية الصينية في التوسع نحو غرب المحيط الهادئ، كما أن قرب تلك الجزر من تايوان، سيحسّن من موقف القوات الأميركية الدفاعي في حال قررت بكين استعادة الجزيرة بالقوة.
ويلفت لي إلى أنه بموجب معاهدة الدفاع المشترك، ستكون هناك خمس قواعد عسكرية في الفيليبين تحت تصرف القوات الأميركية قابلة للتمدد والتوسع، معتبراً أن ذلك يشكل أحد أهم عوامل نجاح استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لاحتواء نفوذ الصين وتشكيل جبهة ردع. ويشدّد على أنه من دون تلك القواعد، ستكون الاستراتيجية الأميركية مجرد حبر على ورق.
في المقابل، يعتبر أستاذ الدراسات السياسية في جامعة "صن يات سن"، وانغ جو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الوجود الأميركي في المنطقة ليس وليد اللحظة، كما أن المعاهدة بين الولايات المتحدة والفيليبين وُقعت قبل وصول دوتيرتي إلى السلطة عام 2016. ويشير إلى أن ذلك لم يشكّل ردعاً للصين، بل على العكس تمكنت بكين من تحديث أساطيلها البحرية والجوية، وتكثيف وجودها وأنشطتها العسكرية في المنطقة.
دوتيرتي لا يرغب في أن يعرّض علاقته المتينة بالرئيس الصيني للخطر من أجل إرضاء واشنطن
ويتطرّق وانغ إلى احتمال أن يكون قرار الرئيس الفيليبيني بمثابة مناورة سياسية لكسب أصوات المعارضين في الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2022، المفترض أن تخوضها ابنته سارة، التي تعتمد مساراً تصالحياً مع الصين. ويرى وانغ أن دوتيرتي لا يرغب في أن يعرّض علاقته المتينة بالرئيس الصيني شي جين بينغ للخطر من أجل إرضاء الولايات المتحدة، التي تسعى لتحقيق مكاسب سياسية خاصة لا علاقة لها بحقوق الدول الأخرى. ويعتبر أن هذه التطورات قد تخضع للنقاش المباشر بين مانيلا وبكين. ولا يستبعد وانغ أن يكون دوتيرتي قد أعلم القيادة الصينية مسبقاً بقرار العدول عن إنهاء العمل بمعاهدة الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة، على اعتبار أن ترتيبات تفعيل العمل ببنود المعاهدة ستستغرق زمناً يتجاوز فترة الانتخابات الرئاسية، قبل العودة مجدداً إلى التصريحات المعادية وسياسة التلويح بتقليص التعاون العسكري وطرد القوات الأميركية من المنطقة.
يُشار إلى أن العلاقات الدفاعية بين مانيلا وواشنطن، ترجع إلى خمسينيات القرن الماضي، وقد وقّع البلدان على اتفاق لتعزيز التعاون الدفاعي بينهما في عام 1998. ومنح الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في العام التالي، وضعاً قانونياً يتيح للقوات الأميركية بناء الثكنات ومخازن الأسلحة والمعدات الدفاعية داخل خمسة معسكرات عسكرية محددة في الفيليبين.