تفجير قسنطينة الجزائرية: "الذئاب المنفردة" تتحرك قبل الانتخابات

28 فبراير 2017
مخاوف أمنية من عمليات جديدة لـ"الذئاب المنفردة"(فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -



عاد هاجس التفجيرات الانتحارية إلى الجزائر بعد نحو عشر سنوات من آخر تفجيرات انتحارية استهدفت مقرات أمنية وعسكرية وسياسية وحكومية، في عدد من المدن الجزائرية بين أبريل/نيسان 2007 ويوليو/تموز 2008، وجاء التهديد هذه المرة عبر محاولة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تفجير مقر للأمن وسط مدينة قسنطينة شرقي الجزائر، قبل أسابيع قليلة من بدء الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية المقررة في الرابع من مايو/أيار المقبل.
وزارة الداخلية الجزائرية وضعت الحادث في خانة الإنجاز الأمني، وتحدثت في بيان، صدر أمس الإثنين، عن "إحباط محاولة تفجير مركز للأمن شرقي البلاد"، بعدما أحبط شرطي جزائري محاولة انتحاري اقتحام مركز للأمن ليلة الأحد وسط مدينة قسنطينة. وأفاد بيان الداخلية بأن "شرطياً جنّب الليلة الماضية وقوع كارثة بتفطنه لمحاولة إرهابي تفجير مقر الأمن الحضري الـ13 بقسنطينة، وأطلق النار على الإرهابي الذي كان يحمل حزاماً ناسفاً، مما أدى إلى انفجاره بعيداً عن المقر الذي يقع أسفل عمارة سكنية تعيش فيها عشرات العائلات، وإصابة ثلاثة من عناصر من الشرطة بجروح خفيفة".
وأعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن هذه العملية، وهو أمر كان متوقعاً، إذ كانت أصابع الاتهام تشير إلى تنظيم مسلح يدعى "جند الخلافة" كان قد انشق في سبتمبر/أيلول 2014، وأعلن ولاءه لتنظيم "داعش"، وهو من أدخل أسلوب "الذئاب المفردة" إلى الجزائر. لكن تحليلات مرافقة لتفجير قسنطينة، وإن كانت تشيد بتفادي الأسوأ في هذا التفجير، تعتبر أن وجود خلية إرهابية في مدينة بحجم مدينة قسنطينة التي تعد أبرز مدن الجزائر، قادرة على صنع أحزمة ناسفة والتخطيط لعمليات انتحارية استعراضية، يمكن أن يُصنف في خانة إخفاق جمع المعلومات الذي يفترض منه استباق عمليات كهذه. وكانت مدينة قسنطينة قد شهدت في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اغتيال ضابط شرطة داخل مطعم من قِبل إرهابيَين، قُتل أحدهما خلال ملاحقته من قبل قوات الأمن، وتبنّى تنظيم "جند الخلافة" هذه العملية في حينها.
وفي الربط بين محاولة التفجير الأحد وعملية اغتيال ضابط الأمن، يقول المحلل الجزائري، نصر الدين بن حديد، إنه "من الضروري تسجيل أن مدينة قسنطينة تتعرض للمرة الثانية في ظرف أشهر لعمل إرهابي منفرد، ثم إن صناعة حزام ناسف ليس بعمل فرد، الأمر يحتاج إلى عمل مجموعة، وهذا يعني بالتأكيد وجود خلية مسلحة ما زالت تنشط في المدينة". ويضيف: "الأكيد أن انتباه عناصر الأمن في موقع العملية خفّف من نتائج الهجوم، فأي هجوم انتحاري من المفروض أن تكون نتائجه عدداً أكبر من الضحايا"، متابعاً: "لا أحد في أي بلد في العالم قادر على ضمان الأمن بصفة مطلقة، إنما الحد من الحوادث، وأساساً التقليل من التأثيرات، ولكن هناك عملاً استباقياً، يُفترض أن يكون جهاز الاستخبارات معنياً به، ومجهوداً أمنياً مطلوباً وحتمياً، ليس فقط لمعرفة خيوط هذه الخلية، بل ارتباطاتها الاقليمية والدولية حتى".


منذ العام 2014 بات أسلوب "الذئاب المنفردة"، الذي ينتهجه تنظيم "جند الخلافة"، جزءاً من الهاجس الأمني للأجهزة الجزائرية، فقبل اعتداء أكتوبر/تشرين الأول 2016 واعتداء الأحد في قسنطينة، كانت أجهزة الأمن قد أحبطت محاولة اعتداء على كنيسة سان أوغستين في مدينة عنابة، واعتقلت قبل أشهر عناصر مسلحة وسط مدينة باتنة شرقي الجزائر، كانت تخطط لعمل إرهابي. ويضع المحلل، مروان لوناس، تفجير قسنطينة في سياق التطورات العامة ذات الصلة بالظاهرة الإرهابية، معتبراً أن هذا العملية "رسالة على أن استئصال الإرهاب نهائياً أمر مستحيل، لا سيما أنه أصبح ظاهرة عالمية وغيّر من تقنياته". ويشير إلى أن "التفجير الانتحاري يعني وجود خطر جديد اسمه الذئاب المنفردة، والقبض على هؤلاء قبل تنفيذ عملياتهم شبه مستحيل ويتطلب جهداً استخباراتياً كبيراً، على الرغم من أن السلطات الأمنية في الجزائر تمرست في تفكيك الشبكات الإرهابية واكتسبت خبرة كبيرة على هذا الصعيد".
خارج السياق الأمني، تُطرح تساؤلات من زاوية القراءة السياسية لهذه العملية، مكاناً وتوقيتاً، عما إذا كانت قسنطينة مسرحاً لعمل استعراضي تحاول من خلاله ذراع تنظيم "داعش" في الجزائر تحقيق اختراق أمني لصالحه، رداً على نجاح قوات الأمن والجيش في تفكيك جسمه الرئيسي، الذي تم القضاء عليه في منطقة البويرة في عمليات عسكرية متتالية منذ مارس/آذار 2015، وفي سياق الرد على تصريحات متتالية لقائد أركان الجيش، الذي تعهد بالقضاء على المجموعات الارهابية بشكل كامل وفق خطة "اجتثاث الإرهاب" المعلنة من قِبله منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015.
كما تُطرح تساؤلات عما إذا كان تنظيم "جند الخلافة" يستهدف التشويش الأمني على الاستحقاق الانتخابي المقرر في الرابع من مايو/أيار المقبل. لكن التجارب الانتخابية السابقة في الجزائر، والتي كانت تجري في أكثر الظروف الأمنية اضطراباً، خصوصاً الانتخابات الرئاسية عام 1995 والانتخابات البرلمانية عام 1997، واللتين جرتا وسط حمام دم، إضافة إلى الانتخابات البرلمانية لعام 2007 التي جرت وسط موجة من التفجيرات الانتحارية، أثبتت أن هذه الأعمال لم تكن لتؤثر على سيرورة هذه الاستحقاقات، ولم تعطل مسارها، بقدر ما شكّلت رافداً للدعاية السياسية التي تستغلها السلطة لحث الشعب على التوجّه إلى صناديق الاقتراع كنوع من الرد على هذه المحاولات الإرهابية.
هذا الأمر ذهب إليه وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، الذي اعتبر الاعتداء الإرهابي محاولة فاشلة من الجماعات الإرهابية لإرجاع الجزائر إلى الوراء لزعزعة استقرار البلاد، والتأكيد على أن الجماعات الإرهابية ما زالت مستمرة في التربص بالجزائر. ودعا إلى "المزيد من الحذر لصد هذه المحاولات خصوصاً قبيل الانتخابات البرلمانية"، معتبراً أن التوجّه بكثرة إلى صناديق الاقتراع في مايو/أيار المقبل هو أكبر رد شعبي على المحاولات الإرهابية وتأكيد على التلاحم الداخلي.