تفاقمت الخلافات داخل البرلمان التونسي بعد تعليق رئيس المجلس، إبراهيم بودربالة، جلسة المصادقة على قانون تجريم التطبيع، صباح اليوم الجمعة، وإرجائها إلى أجل غير معلوم في وقت تمسك غالبية البرلمانيين بتمرير القانون ورفض عقد أي نشاطات أخرى.
واحتج البرلمانيون المتمسكون بتمرير القانون بطرق مختلفة، حيث هدد بعضهم بالاعتصام وآخرون بسحب الثقة عن بودربالة، بينما وقّعت الغالبية عريضة تطالب باستئناف الجلسة التي بقيت مفتوحة منذ أمس الخميس ورفض المشاركة في أي أنشطة برلمانية قبل إتمام المصادقة على القانون.
وأثار ما نقله بودربالة عن الرئيس التونسي قيس سعيّد بشأن موقفه من قانون تجريم التطبيع، حالة من التصدع بداخل البرلمان، حيث تمسك العديد من النواب بعدم صحة وسلامة ما نقله. وتحولت المشاحنات بين مساندي القانون والمطالبين بتأجيله إلى حد تخوين رافضيه، والوصم بالتمرد على الدولة وعلى الرئيس.
وكان بودربالة قال، أمس الخميس، إن سعيّد "أكد له بالحرف الواحد أن مقترح القانون هذا سوف يضر بالمصالح الخارجية لتونس، وأن الأمر يتعلق بخانة الاعتداء على أمن الدولة الخارجي وأن المسألة اتخذت طابعاً انتخابياً لا أكثر ولا أقل" وأضاف بودربالة: "هذا الموقف صرح به الرئيس بحضور نائبي رئيس البرلمان".
وأكد رئيس كتلة الخط الوطني السيادي، يوسف طرشون، لـ"العربي الجديد" أن "النواب حضروا صباح اليوم الجمعة، التزاماً بما أعلنه رئيس البرلمان أمس في ختام الجلسة على أنها ستستأنف اليوم لاستكمال المصادقة على الفصول''، مبيناً "أن الجلسة لم تنعقد ولم يتم تحديد أي موعد لاستئنافها، كما لم يستقبل رئيس البرلمان المكتب ولا رؤساء الكتل حول الموضوع، ونحن ننتظر تحديد موعد اجتماع مكتب البرلمان".
وحول ما نقله رئيس البرلمان عن الرئيس سعيّد، قال طرشون: "هذا يُسأل عنه رئيس المجلس ويتحمل مسؤوليته، ما نعلمه عن موقف رئيس الجمهورية هو ما صرح به من اعتبار أن التطبيع جريمة وخيانة عظمى، ونحن ضمنا ذلك في القانون في باب العقوبات وأكدنا على عقوبة السجن مدى الحياة المؤبد في جرائم حمل السلاح والتخابر مع الكيان الصهيوني".
وقال مقرر لجنة الحقوق والحريات، محمد علي، لـ"العربي الجديد" إن "العديد من النواب متمسكون باستكمال المصادقة على فصول مقترح قانون تجريم التطبيع"، معتبرين أن "رئيس البرلمان بصدد تعطيل استكمال النظر فيه".
واستغرب علي أن "يكون رئيس الجمهورية صرح بخطورة قانون تجريم التطبيع"، أو أن "يكون رئيس الجمهورية يعتبر تجريم التطبيع اعتداء على أمن الدولة"، وأفاد بأن "النواب حضروا في الموعد المعلن من رئيس البرلمان وهم مصرون على استكمال أعمال الجلسة العامة المخصصة للمصادقة على باقي فصول قانون تجريم التطبيع في أي وقت يتم تحديده".
وقال النائب أحمد السعيداني في تصريح صحافي إن "مشروع قانون تجريم التطبيع سيمر أحب من أحب وكره من كره"، مضيفاً أن "النواب يشككون في مصداقية ما نقله رئيس البرلمان عن رئيس الدولة بخصوص إضرار القانون بالأمن الخارجي للبلاد"، وأضاف السعيداني أنه "لا يوجد أي حل؛ إما أن يمر القانون أو يُحل مجلس نواب الشعب".
قيس سعيّد يوضح موقفه
ومساء الجمعة، وضح الرئيس التونسي، قيس سعيّد، في كلمة موقفه من الجدل الدائر حول موقفه من مشروع قانون تجريم التطبيع، وما نُقل عنه بأنه يشكل ضررا بمصالح الدولة الخارجية.
وقال سعيّد: "من يتعامل مع العدوّ الصهيوني لا يمكن أن يكون إلّا خائنا وخيانته عظمى"، مضيفا: "أؤكّد أن ما يسمى بالتطبيع هو مصطلح لا وجود له عندي على الإطلاق لأنه يعكس فكرا مهزوما والفكر المهزوم لا يمكن أن يكون هو الفكر المقاوم والفدائي في ساحات الوغى والقتال".
وتابع: "تونس لا تملك صواريخ عابرة للقارات لكن لديها مواقف عابرة للقارات"، مضيفا: "لن نقبل المساومة ولا المزايدة ولا الضغط ولا الابتزاز من أي جهة كانت من الداخل أومن الخارج'' حسب تعبيره.
وأشار إلى أنه "لمجلس نواب الشعب وظائفه ولرئيس الجمهورية وظائفه وفق مقتضيات الدستور، والسيادة في كل الحالات للشعب التونسي، والشعب يريد تحرير كل الوطن المحتلّ".
وينص مشروع القانون على اتهام كل من "يتخابر مع إسرائيل" بالخيانة العظمى ويُعاقب مرتكب جريمة التطبيع بالسجن مدى الحياة أو لمدة تتراوح بين 6 و12 عاماً، وبغرامة مالية تصل إلى 100 ألف دينار (حوالي 30 ألف يورو).
إلى ذلك انتظمت أمام مقر البرلمان وقفة احتجاجية، من تنظيم الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، منذ صباح اليوم، ورُفعت شعارات مطالبة باستكمال المصادقة على القانون أو سحب الثقة من رئيس البرلمان وحجب الوكالة عن النواب الرافضين للتصويت عليه.