كشفت مصادر حكومية عراقية لـ"العربي الجديد" تفاصيل الاتفاق الأمني الذي أعلنت إيران والعراق التوصل إليه، ويقضي بتفكيك معسكرات "المعارضة الكردية الإيرانية" الموجودة في إقليم كردستان على الحدود مع إيران شمالي العراق.
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، في تصريح نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، إنّ "العراق وقع اتفاقاً مع إيران ينص على منع تسلل المسلحين وتسليم المطلوبين ونزع السلاح وإزالة المعسكرات وقد نفذ التزامه".
وأضاف أن "أهم مبادئ السياسة الخارجية ألا يكون العراق طرفاً في الإضرار بجيرانه، كما أن السيادة العراقية تقتضي تفاهمات أمنية لحماية حدود العراق من أي اعتداء".
وتزامنت تصريحات العوادي مع تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أن "إيران والعراق توصلا إلى اتفاق يلتزم بموجبه العراق بنزع سلاح المسلحين الانفصاليين والجماعات الإرهابية الموجودة على أراضيه، وإغلاق قواعدها، ونقلها إلى أماكن أخرى قبل 19 سبتمبر/أيلول المقبل".
وقال مصدر حكومي عراقي، لـ"العربي الجديد"، إنّه " بموجب هذا الاتفاق، أوقفت إيران القصف على الأراضي العراقية ضمن إقليم كردستان، ومجرد بدء العراق تنفيذ بنود الاتفاق، ستنسحب القوات الإيرانية من الشريط الحدودي الواقع داخل الأراضي العراقية".
وبين المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "زعيم فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني، خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، شدّد على ضرورة تطبيق الاتفاق الأمني، ولهذا كان هناك إعلان إيراني عن هذا الاتفاق والتوجه بشكل رسمي من أجل إحراج بغداد بهذا الإعلان".
وأوضح أن "الجنرال إسماعيل قاآني أبلغ السوداني وقادة التحالف الحاكم (الإطار التنسيقي) بأن عدم تنفيذ هذا الاتفاق الإيراني سيدفع إيران إلى الدفاع عن أمنها القومي، متهماً الجماعات الكردية الإيرانية داخل العراق بالتواصل مع واشنطن وإسرائيل".
وأضاف أن "الحكومة العراقية بدأت التحرك بشكل حقيقي نحو تنفيذ الاتفاق الأمني مع إيران، وعملت على إرسال قوات إضافية من حرس الحدود بهدف تقييد أي نشاط عسكري للأحزاب الإيرانية المعارضة، خصوصاً في مناطق بنجوين وكويسنجق ضمن السليمانية، بإقليم كردستان".
وكشف المصدر الحكومي العراقي أن "الاتفاق الأمني مع إيران ركز على منع تسلل المسلحين بعد نشر قوات حرس الحدود وتسليم المطلوبين بعد صدور أوامر القبض وفقاً للقانون، ونزع السلاح لا سيما الثقيل والمتوسط منه، وإزالة معسكرات التدريب والإيواء الخاصة بها، وهناك تنسيق مع السلطات المسؤولة في إقليم كردستان لتنفيذ هذا الاتفاق".
وحول مصير الجماعات الكردية المعارضة الذين يتجاوز عددهم نحو 20 ألف شخص، إلى جانب أسرهم، قال المسؤول ذاته: "هناك مقترحات عدة، لكن جميعها تشمل إجلاءهم إلى مسافات بعيدة عن الحدود ويكونون تحت سلطة الدولة"، معتبراً أن "تنفيذ الاتفاق ليس سهلاً ولا ممكناً بالكامل، لكن بغداد وأربيل عازمتان على حسم الملف بسبب ضغوط إيرانية كبيرة".
في المقابل، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذا الاتفاق جرى التمهيد له بزيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى إيران، بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية، فالسوداني حاول تطويق تداعيات هذه الهجمات على إقليم كردستان، ثم التعهد بالتوصل إلى صيغة اتفاق يمكن من خلاله تجنب مزيد من الهجمات أو خرق السيادة العراقية".
وأضاف أن "إخراج الأحزاب الإيرانية المعارضة من العراق يؤثر على سمعة العراق الخارجية، على اعتبار أن هؤلاء لاجئين، وهناك صعوبة بإخراجهم، لكن يمكن للحكومة العراقية تقييد حركتهم، لكن إخراجهم يتنافى مع القوانين الدولية وحتى مبادئ حقوق الإنسان، والعراق جزء من هذه القوانين الدولية، والعمل على إخراجهم سوف يظهر العراق على أنه ملتزم فقط بإخراج أعداء إيران".
وتابع رئيس مركز التفكير السياسي: "الحل الأمثل يكون من خلال نقل هذه الأحزاب إلى مقرات جديدة، وأيضاً إخراجهم قد يؤدي إلى ضغط تركي جديد على العراق، كون تركيا سوف تطالب بالإجراء ذاته ضد الأحزاب المعارضة لها".
وتستهدف الهجمات الإيرانية المتكررة بلدات ومناطق حدودية عراقية في إقليم كردستان، تقول طهران إنها تؤوي مجموعات كردية تصنفها "إرهابية"، من أبرزها الحزب "الديمقراطي الكردستاني الإيراني" (حدكا)، وحزب "كوملة" الكردي اليساري، وحزب "الحياة الحرة" (بيجاك)، إضافة إلى منظمة "خبات" القومية الكردية.
وتنشط هذه القوى والأحزاب في مناطق وبلدات الشريط العراقي الإيراني الحدودي، وهي مناطق ذات تضاريس صعبة، أبرزها مناطق جبال وقرى جومان، وسيدكان، وسوران، وسيد صادق، وخليفان، وبالكايتي وقنديل وكويسنجق وحلبجة ورانيا ضمن إقليم كردستان العراق، شمالي أربيل وشرقي السليمانية. وتوجه اتهامات إيرانية لأطراف داخل إقليم كردستان بأنها توفر دعماً غير مباشر للأحزاب والجماعات الكردية المعارضة من باب التعاطف القومي الكردي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول الماضيين، نفذ الحرس الثوري الإيراني هجمات جوية وصاروخية ومدفعية واسعة، استهدفت مقرات ومواقع مختلفة لجماعات إيرانية كردية معارضة، شرقي السليمانية وشمال غربي أربيل، أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من أعضاء تلك الجماعات، بالإضافة إلى مواطنين عراقيين، عدا عن وقوع خسائر مادية بممتلكات عامة وخاصة في تلك المناطق.