يمنيون متفائلون بحذر بـ"مجلس القيادة": المطلوب أمنياً واقتصادياً وسياسياً

20 مايو 2022
ينتظر سكّان عدن تحسن الخدمات والاقتصاد (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

منذ أدّى مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، برئاسة رشاد العليمي، القسم الدستوري أمام البرلمان المنعقد للمرة الأولى في العاصمة المؤقتة عدن، في 19 إبريل/نيسان الماضي، ارتفع منسوب تفاؤل اليمنيين الذي ظهر منذ لحظة الإعلان عن ولادة المجلس المكون من ثمانية أعضاء، يمثلون كافة القوى السياسية المناوئة لجماعة الحوثيين.

وعزّز من حالة التفاؤل تلك، ترحيب الأطراف اليمنية المختلفة (عدا الحوثيين) بالمجلس، والترحيب الإقليمي والدولي الواسع به. يضاف إلى ذلك الحراك الذي أعقب تشكيل المجلس، وخطوات إذابة الجليد وإنهاء حالة القطيعة التي برزت على شكل لقاءات واجتماعات بين مختلف الأطراف، محاولةً ترميم العلاقة التي تصدعت طيلة السنوات الماضية.

عدن الأكثر تفاؤلاً بالمجلس الرئاسي

وعادت قيادة الدولة إلى عدن التي غدت الأكثر تفاؤلاً بين المدن اليمنية، ودخلت عهداً جديداً يمكنها أن تؤدي فيه دورها كعاصمة مؤقتة للبلاد، لتحقق ما لم يتسن لها منذ مُنحت هذه الصفة عقب مغادرة قيادة الدولة العاصمة صنعاء في مطلع عام 2015. وفي عدن، عُقد البرلمان للمرة الأولى، واستقبل اليمين الدستورية من مجلس الرئاسة، كما أقر الموازنة العامة للدولة ومنح الحكومة الثقة.

وشهدت عدن أيضاً اجتماعات مكثفة للحكومة بكامل قوامها للمرة الأولى، بحضور وزير الدفاع محمد علي المقدشي، الذي أجرى زيارات لمؤسسات عسكرية في عدن، بعدما كان يشارك الحكومة اجتماعاتها عبر تقنية الفيديو من مأرب، لتعذّر وجوده في العاصمة التي يسيطر المجلس الانتقالي على الشأن الأمني والعسكري فيها.

صالح المحوري: المعيار الحقيقي للتحسن يتبين من معدل عودة الكهرباء

إضافة إلى ذلك، أولى مجلس القيادة الرئاسي عدن أولوية، وشكّل لجنة أمنية رئاسية عليا مكونة من ثلاثة من أعضائه، إضافة إلى وزير الداخلية إبراهيم حيدان العائد أخيراً من سيئون في حضرموت، لترتيب الأوضاع والإشراف على الجاهزية الأمنية فيها، كما عيّن محافظها أحمد حامد لملمس وزيراً للدولة، في أول قرار للمجلس عقب أدائه اليمين.

وضمنت عدن صيفاً بارداً نسبياً لهذا العام خلافاً للجحيم الذي كانت تصطلي به المحافظة الساحلية خلال السنوات الماضية، حيث كانت تعاني من انقطاعات الكهرباء المتكررة التي تعادل 15 ساعة يومياً صيفاً. ويقول المواطن عبد الرحمن البتول، وهو أحد ساكني المدينة: "تشعر هذا العام أن الكهرباء في وضع أفضل خصوصاً بعد دخول أحد توربينات محطة الرئيس في العمل"، معرباً عن أمله في أن يستمر هذا التحسن.

ويرى الصحافي في عدن صالح المحوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المعيار الحقيقي لذلك التحسن هو معدل وجود الكهرباء خلال الأشهر من يوليو/ تموز إلى نهاية أغسطس/ آب، حيث كانت تحضر خلال هذه الأشهر لـ7 ساعات متفرقة فقط في اليوم، مع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الأحمال.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويصف المحوري تفاؤل العدنيين بـ"التفاؤل الحذر"، مضيفاً أن "المواطن العادي لا يهتم كثيراً لأخبار القرارات نتيجة فشل تجارب سابقة خصوصاً في ما يتعلق بالخدمات، لكن النخبة متفائلة أكثر بهذه التغييرات".

كما شهدت المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الحكومة تحسناً كبيراً وانسياباً في الحركة على الطرقات الواصلة بينها، لا سيما تلك التي تربط الجنوب بالشرق، بين مناطق "الانتقالي الجنوبي" والحكومة المعترف بها.

ويؤكد مسافرون على هذه الطرقات لـ"العربي الجديد"، أنهم لمسوا تحسناً في التنقل خلال سفرهم في إجازة عيد الفطر (2 مايو/ أيار الحالي). ويقول أمين علي، الذي توجه مع أسرته من مأرب إلى كل من سيئون والمكلا في حضرموت، ومن ثم إلى عدن، إنه لمس معاملة جيدة في جميع النقاط على الطرقات الرئيسية "على الرغم من أن نقاطاً لا تزال ترفع علم الانفصال، لكن قابَلَنا الجنود بطريقة طبيعية كمواطنين يمنيين".

بدوره، يوضح إبراهيم الروني، وهو القادم من صنعاء إلى المكلا عبر عدن: "عانينا كثيراً في الطريق من صنعاء إلى أطراف لحج. أجبنا عن عشرات الأسئلة، وفي كل نقطة كان ينتظرنا تحقيق، وفي النقطة الرئيسية على مداخل عدن واجهنا أسئلة أيضاً، لكن في بقية الطريق مشت الأمور بشكل طبيعي، إلا من أسئلة عادية في بعض النقاط بمحافظة أبين".

مأرب لا تزال تنتظر الحسم العسكري

المزيد من التفاؤل بالمجلس الرئاسي يسود في مأرب، ملجأ النازحين الأهم، والمحافظة التي تتصدى ببسالة لهجمات الحوثيين منذ أكثر من عامين، حيث عبّر مواطنون عن تفاؤلهم بإرادة المجلس وقدرته على حسم الحرب. ويقول العليي صالح وهبان: "إحنا مؤملين خير كثير في مجلس القيادة، وإن شاء الله يكونوا عند حسن الظن، وتنتظم رواتب الجيش، ويحصل على أسلحة ومعدات مثل اللي مع الحوثي وتتحرر البلاد، أما لو يركنوا على وهْم السلام، فالفائدة مع الحوثي".

وعقب تأسيسه، أعلن المجلس الرئاسي استعداده لحوار مع الحوثيين بناء على المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216 الخاص باليمن)، وأكد أعضاؤه في أكثر من مناسبة على مساعي المجلس لإنهاء الحرب التي تطحن البلاد منذ عام 2014، سواء بالسلام أو بالحرب، إذا رفضت جماعة الحوثي الخيار الأول.

العوبلي: الأحرى بالسعودية والمجتمع الدولي أن يُمكّنوا اليمن من الحصول على إيراداته من النفط والغاز

لكن الحل العسكري هو الأرجح، وفقاً لوهبان، الذي يقول إن "الحوثي يستغل الهدنة ويحشد إلى أطراف مأرب، لكن لا خوف. واجهنا الحوثي ونحن وحدنا، أما اليوم فالرجال سيلبون من كل اليمن لنجدة مأرب ونصرتها، وتلقين الحوثي دروساً لن ينساها، واستعادة صنعاء بإذن الله".

الوديعة السعودية - الإماراتية وتأجيل الانهيار

اقتصادياً، تزامن إعلان تشكيل المجلس الرئاسي مع الإفصاح عن دعم اقتصادي سعودي - إماراتي عاجل لليمن بمبلغ 3 مليارات دولار، انعكس بشكل إيجابي على أسعار صرف الريال أمام الدولار. ووقّعت وزارة المالية السعودية يوم الاثنين الماضي، اتفاقاً جديداً مع نظيرتها اليمنية وقيادة المصرف المركزي اليمني، يقضي بتمديد وديعة السعودية لدى اليمن.

وكان صرف الدولار الأميركي قد تجاوز حاجز الـ1250 ريالاً ليعود إلى حدود 900 ريال، قبل أن يستقر في حدود ألف ريال لكل دولار. ويرى خبراء اقتصاديون أن هذا التراجع نتيجة طبيعية للحدث السياسي. ويقول الخبير الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، لـ"العربي الجديد"، إن "الريال الآن هو في سعره الحقيقي أو المقارب له"، مؤكداً أنه "حتى المضاربات التي يمارسها بعض الصرافين لتحقيق أرباح ليست مؤثرة إلا بنسبة بسيطة".

تحسن سعر العملة والتفاؤل بتعافي الاقتصاد ساهما على ما يبدو في إطفاء احتجاجات على تردي الوضع الاقتصادي كانت قد اشتعلت في حضرموت، كبرى المحافظات، شرقي البلاد، والتي مُثّلت أيضاً في مجلس الرئاسة بمحافظها فرج البحسني.

وكانت حضرموت قد شهدت خلال الأشهر الماضية موجة احتجاجات على انهيار سعر العملة المحلية، ولمطالبة الحكومة بالتدخل للتخفيف من معاناة المواطنين، وصلت في أحيان كثيرة إلى حد التوتر بين المتظاهرين وقوات الأمن، واستُغلت من قبل أطراف للاعتداء على مؤسسات الدولة، كإيقاف إنتاج النفط من حقل العقلة في مديرية الوادي.

لكن التعافي الاقتصادي لن تكفي الوديعة لتحقيقه، وفق الخبير العوبلي، الذي يرى أن هذه الوديعة "إذا وصلت، فإنها لن تحل المشكلة، بل ستؤجل فقط الانهيار"، مشيراً إلى أنه لا جدوى من "وديعة جديدة في ظل فساد وفشل المصرف المركزي اليمني والحكومة بشكل عام".

ووفقاً للعوبلي، فإن "الأحرى بالسعودية والمجتمع الدولي أن يُمكّنوا اليمن من الحصول على إيراداته من النفط والغاز، وتوفير الغطاء لتمكين مؤسسات الدولة الإيرادية من توريد كل المبالغ إلى المصرف المركزي، والحد من السفه الحاصل في النفقات واستنزاف العملة الصعبة في استيراد المشتقات النفطية، عبر تشغيل مصافي عدن".

ويوضح الخبير الاقتصادي أنه "على المجتمع الدولي والتحالف فرض توريد مبالغ المساعدات الإنسانية إلى المصرف المركزي، لتتم المصارفة عبره ومن ثم الإنفاق على المشاريع والأنشطة بالريال اليمني، بدلاً من الاحتفاظ بهذه المبالغ خارج اليمن أو تسليمها لمليشيا الحوثي".

ويختم العوبلي حديثه بالقول: "يجب على المصرف المركزي منع التعامل داخل اليمن بغير الريال اليمني وإعادة تفعيل القطاع المصرفي الذي تمّ تغييبه لسنوات لصالح السوق السوداء الممثلة بالصرافين، وجعل مصير سعر الصرف في أيديهم".

الحفاظ على التوافق بين مكونات المجلس مهمة صعبة، لكن ضرورية

ويرجح مصدر حكومي خاص، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تشهد الأوضاع الاقتصادية تحسناً خلال الأيام المقبلة، ويوضح أن المجلس الرئاسي تلقى خلال زيارته الأولى للسعودية والإمارات، والتي أجراها بكامل أعضائه في أواخر شهر إبريل/ نيسان الماضي، "تعهدات بأن الجانب الاقتصادي لن يكون مشكلة، وسيكون هناك دعم مستمر" من الدولتين.

تحديات الأمن والإرهاب

وعلى الرغم من أن التحدي الاقتصادي يعد أحد أبرز المخاطر التي تتهدد المجلس الفتي، غير أنه ليس الخطر الوحيد، فهناك تحديات أخرى، بدءاً من تشكيلة المجلس التي تضم الأطراف المختلفة بل والمتصارعة، إضافة إلى التكوينات العسكرية لتلك الأطراف، ما يجعل الحفاظ على التوافق بين مكوناته مهمة صعبة، لكنها ضرورية لتقوية جبهة الحكومة في مواجهة الحوثيين.

ويعبر المواطنون عن أمنياتهم باستمرار حالة الانسجام والتوافق، وألا يطرأ خلاف بين أعضاء المجلس قد يودي بالتفاؤل والآمال العريضة.

لكن أبرز التهديدات للمجلس الوليد تتمثل في الملف الأمني، الذي لا يزال هو الأكثر تعقيداً نتيجة انقسام قوات الأمن، وعودة نشاط تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في بعض مناطق البلاد.

وهاجم تنظيما "القاعدة" و"داعش" المجلس الرئاسي عقب الإفصاح عن إنشائه. وقال تنظيم "القاعدة" في بيان، إن المجلس يتشكل من "النخب القديمة الفاسدة نفسها"، وإنه جاء "ليس مبادرة يمنية وإنما من قبل التحالف العربي"، كجزء من خطة السعودية لإبقاء اليمن ضعيفاً، وإنه سيخدم المصالح الأميركية ويصب في صالح الحوثيين.

وكانت أولى خطوات عودة التنظيمات المتطرفة قد لاحت في منتصف فبراير/ شباط الماضي حين اختطف عناصر مسلحون يعتقد أنهم ينتمون لأحد التنظيمين خمسة موظفين أمميين واقتادوهم إلى جبال محافظة أبين، فيما فشلت كل الجهود الساعية للإفراج عنهم حتى اللحظة.

عقب ذلك، وفي الخامس من مارس/ آذار الماضي، اختطف مسلحون مجهولون أيضاً موظفين أجنبيين يعملان في منظمة "أطباء بلا حدود" الهولندية، أثناء عبورهما من مطار سيئون إلى مأرب، واقتادوهما إلى مكان مجهول، حيث لا يزالان محتجزين.

ومنتصف إبريل، شهدت سيئون فرار سجناء متهمين بالتطرف من السجن المركزي القديم الواقع في قيادة المنطقة العسكرية الأولى تحت إشراف قوات من التحالف، وفقاً لتصريحات مدير أمن سيئون حسن العيدروس، ليصل بعدها عضو المجلس الرئاسي محافظ حضرموت فرج البحسني إلى المدينة، قادماً من الرياض، ويشدَّد على التعجيل في الوصول إلى أسباب ما جرى.

وفي السابع من الشهر الحالي، قتل ضابطان رفيعان في القوات التابعة للمجلس الانتقالي بمحافظة الضالع، وسط البلاد، هما نائب قائد قوات الحزام الأمني بمحافظة الضالع وليد الضامئ، وقائد قوات مكافحة الإرهاب في المحافظة، قائد اللواء السادس مقاومة محمد الشوبجي، ومعهما عدد من الجنود، كما أصيب آخرون، إثر هجوم نفذه مسلحون قال "الانتقالي" في وقت لاحق إنهم متطرفون من تنظيم "القاعدة". وقال مصدر أمني لـ"العربي الجديد"، إن ستة من المهاجمين قتلوا وتمكن اثنان من الفرار.

في الأثناء، شهدت محافظة شبوة تفجيرين نفذهما مجهولون، استهدف أحدهما مساء 13 مايو الحالي، أنبوب نقل النفط في مديرية ميفعة، وجاء بعد ساعات من إحباط الأجهزة الأمنية محاولة تفجير الأنبوب ذاته في مديرية الصعيد، فيما استهدف التفجير الثاني أنبوب نقل الغاز المسال في مديرية رضوم في 26 إبريل الماضي، بعد أيام من تأدية مجلس القيادة الرئاسي القسم الدستوري أمام البرلمان. وقال مصدر أمني لـ"العربي الجديد"، إن تلك الهجمات تحمل بصمات التنظيمات المتطرفة.

 


 

المساهمون