شهدت محافظة شمال سيناء المصرية، خلال الأيام القليلة الماضية، بالتزامن مع انعقاد قمة المناخ في شرم الشيخ، سلسلة من التسهيلات المتعلقة بحياة المواطنين، ومستلزماتهم اليومية، والتي كانت من المطالب الأساسية لسكان شمال سيناء، منذ فرْض حالة الطوارئ في المحافظة عام 2014، بالإضافة إلى إلغاء وجود بعض الكمائن الأمنية والعسكرية.
لكن القلق يبقى قائماً من أن تكون التسهيلات مؤقتة، ومتعلقة بظروف سياسية محيطة بالوضع المصري ككل، وسيناء على وجه الخصوص، أو أن تفتح شهية تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش" لموجة جديدة من الهجمات.
فتح طرق ومحطات وقود في شمال سيناء
وشهدت المحافظة خلال الأيام الماضية، فتح محطات الوقود أمام السيارات بشكل كامل، بعدما كان يُسمح للمواطنين بالتعبئة مرة إلى مرتين أسبوعياً وبكميات محدودة للغاية، وبحضور قوة من الجيش المصري، والجهات الحكومية المختصة. كذلك تم السماح بدخول الزيوت المخصصة للسيارات بشكل دائم، من دون الحاجة إلى تنسيق مسبق كما كان الحال طيلة السنوات الماضية.
وبالتزامن مع ذلك، فتحت الجهات الأمنية عدة طرق ومفترقات هامة في مركز مدينة العريش، بعدما كانت مغلقة منذ ستة أعوام متتالية، ما يخفف من معاناة المواطنين في التنقل بين أحياء المدينة التي تمثل عاصمة لمحافظة شمال سيناء، وتحوي المراكز الحيوية لكافة سكان المحافظة.
فتحت الجهات الأمنية عدة طرق ومفترقات هامة في مركز مدينة العريش، بعدما كانت مغلقة منذ ستة أعوام متتالية
يضاف إلى ما سبق، السماح بإعادة ترميم محطات للوقود في مدينة الشيخ زويد التي يضطر سكانها وسكان قرى رفح إلى تعبئة سياراتهم بالوقود من مدينة العريش، في ظل عدم عمل أي محطة وقود فيها منذ عام 2013، بعدما هدم الجيش المصري جزءاً منها، والجزء الآخر تعرض للتلف نتيجة تركها بلا عمل طيلة الأعوام الماضية. كذلك تم تشغيل أبراج الاتصالات في مدينتي رفح والشيخ زويد، ما أدى إلى وصول شبكات الاتصال والإنترنت إلى كافة مناطق شمال سيناء، للمرة الأولى منذ عام 2013.
كذلك فتحت قوات الجيش عدداً من الطرق في نطاق مدينة بئر العبد، وعدداً من الكباري (الجسور) الفرعية التي كان يستخدمها السكان في التنقل بين القرى والظهير الصحراوي. وتم أيضاً السماح للمواطنين بالدخول إلى بعض القرى والمناطق الزراعية والمبيت فيها، بدلاً من الدخول والعودة في اليوم نفسه، ما يساعد المواطنين على العمل في مزارعهم وقراهم بأريحية، من دون الاضطرار للتنقل في اليوم نفسه. وكل هذه الطرق والكباري والمناطق كانت مغلقة بأمر عسكري منذ عام 2017.
حذر من دوافع الجهات الحكومية
وتعقيباً على ذلك، قال زهدي جواد، أحد النشطاء السياسيين في مدينة العريش، لـ"العربي الجديد"، إن المواطنين سعداء بالقرارات الأخيرة، التي تمس حياتهم بشكل جوهري، وتعد مطالب إنسانية أساسية لا بد من توفيرها من قبل الحكومة لكل مواطن، والسماح لأبناء سيناء بالعيش في ظروف عادية وإنسانية تليق بهم وبتضحياتهم طيلة الأعوام الماضية.
وأضاف أن هناك وعوداً بالمزيد من التسهيلات خلال الأسابيع المقبلة، في ظل المناشدات الهائلة للمواطنين في كافة الملفات الأساسية كالكهرباء والمياه والاتصالات وشبكات النقل والمواصلات، وتنسيق دخول البضائع والمواد الأساسية إلى سيناء، ورفع مستوى الطبابة والتعليم في المراكز الحكومية.
تفاؤل المواطنين بما جرى، لا يزال مشوباً بالحذر من دوافع الجهات الحكومية والأمنية وراء التسهيلات
وأوضح جواد أن فرح المواطنين وتفاؤلهم بما جرى خلال الأيام الماضية، لا يزالان مشوبَين بالحذر من دوافع الجهات الحكومية والأمنية في التراجع عن التضييق على حياة المواطنين، خصوصاً في ظل انعقاد قمة المناخ في المحافظة المجاورة جنوب سيناء، وحضور زعماء ومسؤولين غربيين للمنطقة، لا سيما مع الحديث المتنامي عن ضرورة رفع مستوى الحفاظ على الحريات وحقوق الإنسان، وربط ذلك بالمساعدات الأميركية على سبيل المثال.
وأضاف إلى ذلك عودة الحديث عن الخروج إلى الشوارع رفضاً للوضع القائم في مصر، مشيراً إلى حساسية سيناء وخطورة تحرك الشارع فيها، في ظل الأضواء المسلطة على الواقع الأمني فيها، وإمكانية استغلال ذلك.
وأعرب جواد عن تخوّفه من أن التسهيلات التي يقدّمها الأمن المصري في الوقت الحالي، قد تتيح لتنظيم "داعش" فرصة تنفيذ هجمات جديدة، من خلال تسهيل حركته في المناطق الحيوية بمركز محافظة شمال سيناء، أو أن يكون لدى القيادة العسكرية والأمنية قرار بإعادة التموضع لجميع القوات المنتشرة على الأرض، من خلال إنهاء وجود عدد من الكمائن والارتكازات التي مرّ على وجودها أكثر من ست سنوات على التوالي، وكذلك فتح طرق مغلقة، على أن يتم نشر القوات في مناطق جديدة، بعيداً عن الكتلة السكانية في مدينة العريش، بهدف إحكام السيطرة على محيط المدينة، والحيلولة دون وصول عناصر إرهابية.
وأشار إلى أن الأيام المقبلة كفيلة بالكشف عن النيّة الحقيقية لهذه الإجراءات التي تقوم بها الجهات العسكرية والأمنية في مدن محافظة شمال سيناء.
يشار إلى أن الجيش المصري فرض حصاراً مشدداً على شمال سيناء في فبراير/شباط 2018، بالتزامن مع بدء العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018" لملاحقة تنظيم "ولاية سيناء" في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي وقع في مسجد الروضة بنطاق مدينة بئر العبد، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وأدى لمقتل أكثر من 300 مواطن مصري وإصابة العشرات.
عودة القيود ترتبط بالوضع الأمني
وفي التعقيب على ما سبق، قال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إن هناك قراراً سيادياً بتخفيف الإجراءات المتخذة في محافظة شمال سيناء، منذ بداية نوفمبر الحالي، بما يشمل محطات الوقود والاتصالات وفتح الطرق أمام المواطنين، وكذلك تسهيلات حكومية في كافة المعاملات التي يحتاجها المواطنون في الدوائر الحكومية المختلفة، ودعم المراكز الصحية بما يلزم من أجهزة متخصصة وكوادر بشرية ذات كفاءة عالية.
وأضاف أنه جرى تطبيق القرار من خلال جملة من التسهيلات التي تم تقديمها للمواطنين، والتي هي مرتبطة بتحسّن الوضع الأمني في المحافظة ككل، مشيراً إلى أنه في حال تراجع الوضع الأمني فإن الأوضاع على الأرض ستتغير وتعود كافة القيود من جديد.
مصدر حكومي: في حال تراجع الوضع الأمني، فإن الأوضاع على الأرض ستتغير وتعود كافة القيود
وأوضح المصدر أن حزمة التسهيلات التي جرى تنفيذها في الأيام الماضية، كانت من قبل الجهات الأمنية كالجيش والشرطة، وبالتنسيق مع إدارة محافظة شمال سيناء، بينما من المقرر أن يتم تنفيذ المزيد منها خلال الأيام المقبلة، بما يجعل الوضع المعيشي في المحافظة متساوياً مع بقية المحافظات المصرية، بلا زيادة أو نقصان.
وأشار إلى أن هناك بعض الملفات والطلبات ستبقى عالقة حتى إشعار آخر لارتباطها بقرارات جمهورية وسيادية لا يمكن الحديث عنها في الوقت الحالي على الأقل، كقضية نقل سكان منطقة ميناء العريش، بهدف توسعته. وأوضح أن هذا المشروع تقوم عليه وزارة الدفاع بشكل مباشر، بلا أي تدخّل من الجهات الحكومية الأخرى في المحافظة، وكذلك صرف تعويضات لمئات المواطنين الذي أخلوا بيوتهم بقرار من الجيش المصري، في مدينتي رفح والشيخ زويد على وجه الخصوص.