كذلك فإن مشاكل سياسية أخرى أوجدتها سلطات بغداد قد تؤدي إلى تأزم في العلاقة مع أنقرة وأربيل، ما قد يتسبب بتأجيل الهجوم، أبرزها تسريبات حصلت عليها "العربي الجديد" تؤكد أن سلطات بغداد وافقت على إشراك حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة بالهجوم على الموصل وبواقع ألف مقاتل، وهو ما يُعتبر نسفاً لاتفاق سياسي سابق حدد القوات التي ستشارك في المعركة. يضاف إلى ذلك بيان لمليشيات "الحشد الشعبي" صدر أمس الأول الأحد أكدت فيه أنها ستدخل الموصل ولن تقبل بأية صفقة سياسية على حسابها.
مقابل ذلك، فإن تنظيم "داعش" خسر ورقة هامة كانت بيده ومن المتوقع أن يستخدمها في محاولة لصد أي هجوم على الموصل، وهي الأسلحة الكيماوية، مع توفر معلومات لـ"العربي الجديد" أن التنظيم فَقَد القسم الأكبر من ترسانته الكيماوية.
"داعش" يستبق الهجوم
ووفقاً لمسؤولين عراقيين في الجيش، فإن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) نفذ خلال يومي السبت والأحد 11 هجوماً مباغتاً على قطعات وتجمّعات الجيش والشرطة الاتحادية والمليشيات في مناطق البعاج والخانوكة ومحوري مخمور ومكحول. كما قام بإحراق 4 آبار نفط في حقل القيارة وتدمير مخزن أسلحة وذخيرة للواء الرابع في الجيش العراقي. وأكد ضابط في الجيش العراقي أن 32 جندياً وعنصراً في "الحشد" قُتلوا فضلاً عن 13 من أفراد البشمركة في الهجمات التي استخدم فيها "داعش" أعداداً كبيرة من الانتحاريين وصلت إلى 20 انتحارياً جميعهم بسيارات مفخخة.
من جهته، قال العقيد كمال العبادي من قوات الفرقة 15 في الجيش العراقي لـ"العربي الجديد"، إن "المعلومات الأولية تؤكد أن داعش استقدم العشرات من مقاتليه من دير الزور والرقة إلى الموصل وباشروا عمليات استباقية تهدف إلى إجبار قواتنا على التراجع بمسافة تمنحه عمراً أطول في المدينة"، مشيراً إلى أن "الحديث عن مهمة سريعة أو سهلة في الموصل غير واقعي، وننتظر معركة صعبة وتضحيات كبيرة".
واعتبر العبادي أن "التعويل على الصدمة الأولى في الساعات الأولى من المعركة من خلال الطيران الأميركي غير ممكن، فالتنظيم ينتشر بشكل يتطلب أن يُخصَص لكل مقاتل منه صاروخاً لوحده لإنجاح هذا الأسلوب"، في إشارة إلى الخنادق والملاجئ المتباعدة وحقول الألغام حول المدينة.
بغداد تشرك "العمال"
وفي سياق التصعيد السياسي الذي ينعكس على معركة الموصل، كشف القيادي في التحالف الكردستاني العراقي حمة أمين لـ"العربي الجديد"، أن "بغداد أبلغت حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا بعدولها عن قرار عدم مشاركة الحزب في معركة الموصل، وطالبته بالتحضر والنزول من جبار سنجار والانضمام مع حشود مليشيات الحشد الشعبي".
واعتبر أمين أن "هذه الخطوة تصعيدية ومتعمدة من بغداد ضد أنقرة"، متوقعاً "أن تكون هناك ردة فعل تركية حيال إشراك حزب إرهابي مثل العمال الكردستاني قد يشكل تهديداً على أبناء القومية التركمانية في الموصل وتلعفر"، مشيراً إلى أن "قائمة تشكيلات القوات المشاركة في الهجوم يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول الحالي كانت خالية من هذا الحزب وتم استبعاده تماماً، لكن اليوم أدرج كما علمنا من أوساط مقربة من هذا الحزب".
ولفت إلى أن "أي اختلال في موازنة معركة الموصل بمعنى أن تدخل المليشيات وحزب العمال الكردستاني إلى المدينة وتسيطر عليها بسبب ضعف الجيش العراقي، يعني عودة الطريق البري بين إيران وسورية لدعم نظام بشار الأسد، وفي الوقت نفسه وصول مليشيات الحشد إلى مقربة من الحدود مع تركيا وتهديد بجرائم عرقية ضد التركمان العراقيين السنّة، وهذه كلها مخاوف مبررة"، واصفاً معركة الموصل بـ"المعركة الإقليمية أكثر من كونها معركة محلية كالفلوجة وتكريت والرمادي سابقاً".
مصير المدنيين مهدد
وسط هذه الأجواء، أعلن ائتلاف منظمات محلية إنسانية عراقية في أربيل، أن الأمم المتحدة والتحالف الدولي والحكومة العراقية لم يصلوا حتى الآن إلى مستوى يمكن القول فيه إنه سيتم إنقاذ 10 في المائة من سكان الموصل البالغ عددهم نحو مليون وربع المليون. وقال المتحدث باسم "منظمات من أجل نينوى" التي تضم 6 جمعيات ومنظمات إنسانية وإغاثية، أحمد العمر لـ"العربي الجديد"، إنه رغم كل التحضيرات والجلبة التي أُحدثت فلم تتوفر حتى الآن اكثر من 12 الف خيمة ما يعني أنها تكفي لمائة ألف نسمة فقط من أصل مجموع سكان الموصل.
وتساءل: "أين سيذهب الآخرون، وقبل ذلك يجب أن نسأل كيف سيخرجون أصلاً من المدينة فيما الخطة لم تتضمن أي ممرات آمنة، وما مصيرهم خلال القصف مع تأكيد تقارير أن هناك ضحايا يسقطون يومياً جراء الغارات؟"، معتبراً أن "الجميع يتنافس على الهجوم والمشاركة في المعركة وهذا بحد ذاته يجعلنا نشعر أنهم يتسابقون على قتل المزيد من السكان"، مطالباً بضمانات لحماية المدنيين.
في غضون ذلك، طالب ائتلاف العربية بزعامة صالح المطلك، في بيان له، الحكومة العراقية بالتعامل مع قضية حزب العمال الكردستاني مثل تعاملها مع منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة. ونبّه الائتلاف الحكومة "بعدم إقحام العراق في سياسة المحاور الإقليمية، لأن الميل إلى محور دون آخر سينعكس سلباً على الواقع العراقي". واعتبر أن "على الحكومة أن تتعامل مع الملفات المتشابهة بالنهج نفسه، وعلى هذا الأساس كان يتوجب ان نتعاطى مع ملف حزب العمال الكردستاني بالمعيار ذاته الذي تعاملت به حكومتنا مع ملف منظمة مجاهدي خلق، لتصل الرسالة واضحة إلى الجانب التركي".
ورقة الكيماوي تسقط
شهدت الفترة الأخيرة مع اقتراب الحديث عن إطلاق معركة تحرير الموصل، تحذيرات من لجوء تنظيم "داعش" لاستخدام أسلحة كيماوية ضد القوات المشاركة في العملية. إلا أن مصدراً عراقياً كشف لـ"العربي الجديد" أن التنظيم فَقَد حوالى 95 في المائة من مخزونه من المواد الكيماوية المخصصة للاستخدام في الهجمات.
الشيخ حسن العكيلي، وهو زعيم قبلي من شيوخ قبائل الموصل على اتصال بأشخاص في الموصل من عشيرته يقول إنهم ينشطون في قتال "داعش" ضمن مجموعة مقاومة نجحت في التوغل بين أعضاء التنظيم، كشف أن "داعش فَقَد مخزونه من المواد الكيماوية، وما بقي لديه لا يكفي لتنفيذ هجوم لإيقاف تقدّم القوات العراقية نحو المدينة". وقال العكيلي لـ"العربي الجديد" إن "الضربات الجوية المكثفة منذ أكثر من أربعة أشهر نجحت في تدمير مستودعات للمواد الكيماوية"، مشيراً إلى أن تلك المستودعات متمثلة بمنازل ومخازن ومصانع وأغلبها تقع في قرى أو بين الحقول الزراعية.
وأضاف أن "ما بقي من المواد الكيماوية حوالي خمسة في المائة، وهذه الكمية لن تنفع في إيقاف أي تقدّم للقوات العراقية المشتركة التي تستعد للدخول من عدة جهات"، مشيراً أيضاً إلى أن "ما بقي من تلك المواد لدى داعش غير فعال بنسبة عالية، قد يؤدي إلى حالات مرضية بسيطة تنتهي بالعلاج، ليس أكثر من ذلك". وأوضح أن "المواد الموجودة تم تصنيعها من قبل مقاتلين تعلموا بعض الدروس الأولية في صناعة الأسلحة الكيماوية، فيما خسر داعش أهم وأخطر خبراء صناعة الأسلحة الكيماوية، بعد استهدافهم عبر قصف جوي، بعضهم أثناء اجتماعات خاصة، وآخرون أثناء تنقلهم مع أرتال التنظيم".
وكان كبار المسؤولين الأميركيين قد تحدثوا عن خطورة استخدام "داعش" للأسلحة الكيماوية، وهو ما تطرق إليه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جيف ديفيز، في سبتمبر/أيلول الماضي، قائلاً إن "مسلحي داعش مصممون على استخدام الأسلحة الكيماوية وسيجربونها على الأرجح مع تقدّم القوات العراقية نحو الموصل". وأضاف: "ندرك تماماً أن هذا شيء سبق لداعش فعله عدة مرات".
وسبق المسؤول الأميركي في التحذير من استخدام التنظيم للسلاح الكيمياوي، القائد العسكري في قوات التحالف، الأسترالي روجر نوبل، الذي نقلت عنه صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية في وقت سابق توقعه لجوء التنظيم إلى الأسلحة الكيماوية إذا تقدّمت القوات العراقية نحو مدينة الموصل لأجل استعادتها من قبضته. وأضاف أن دفاعات الموصل تعززت بخنادق وآلاف الألغام، متوقعاً أن تواجه القوات العراقية انتحاريين، وأن يلجأ عناصر التنظيم إلى الهجمات الكيماوية مثلما فعلوا ضد قوات البشمركة، مشيراً إلى أن الأسلحة الكيماوية طرف في المعادلة والجيش العراقي يستعد لذلك.
في السياق، طلبت حكومة إقليم كردستان من بريطانيا تزويد قوات البشمركة بمعدات للحماية من الأسلحة الكيمياوية التي يستخدمها "داعش"، بحسب ما كشفت عنه صحيفة "الغارديان" البريطانية، مشيرة إلى أن ممثل حكومة إقليم كردستان في بريطانيا كاروان جمال أرسل خطاباً إلى وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون طالبه فيه بأن تقوم الحكومة البريطانية بإرسال تجهيزات خاصة للحماية من الأسلحة الكيمياوية لقوات البشمركة قبل انطلاق عملية تحرير الموصل.
في المقابل، قال ضباط عراقيون لـ"العربي الجديد" إن القوات العراقية استعدت لمعركة الموصل بالشكل الذي يجنّبها نزف الكثير من الخسائر، مشيرين إلى أن حصار المدينة منذ أشهر طويلة، بمساعدة غطاء جوي من قبل التحالف الدولي والطيران العسكري العراقي، نجح في رصد التحركات وقطع الطرق من خلال استهداف أرتال التنظيم. وكان لتلك الخطة الأثر الأكبر الذي سيتضح في المعركة المرتقبة، بحسب الخبير العسكري العميد المتقاعد علي الحمداوي، الذي أشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن محاصرة المدينة لفترة طويلة وتحرير مناطق في أطرافها بشكل تدريجي، ساهم في استنزاف التنظيم، الذي فَقَد الكثير من قدراته.
وأوضح الحمداوي أنه "من خلال المعارك التي خاضتها القوات العراقية في مدن مهمة تم تحريرها في وقت سابق، منها الرمادي والفلوجة، لم نشهد المقاومة التي كنا نتوقعها من قِبل داعش، مع العلم أن الفلوجة على سبيل المثال كانت تُعتبر أحد أهم معاقل التنظيم بالإضافة إلى الرمادي التي كانت تخضع لسيطرته".
وتوقّع الخبير العسكري "بألا تشهد معركة الموصل ما كان متوقعاً من عمليات مقاومة قوية، كما أن المواد الكيماوية لو كانت متوفرة بشكل كبير لدى التنظيم لما خسر الفلوجة والرمادي ومناطق أخرى كثيرة". واعتبر أن "القوات العراقية درست كافة تفاصيل ومعطيات المعركة وظروفها وتوقيتها وحددت مناطق تحركها، ونسقت هذه التحركات، وبحسب ما علمت تملك القوات العراقية قوة استخبارية جيدة، مكّنتها من الحصول على تفاصيل دقيقة عن تحركات العدو وخططه وهذا مهم جداً في إدارة المعركة".