استمع إلى الملخص
- تجاهل البرلمان دعوات قضائية ومدنية وسياسية لعدم تعديل القانون، وسط مخاوف من الطعن مجدداً بعد الانتخابات.
- أثار التعديل انتقادات واسعة من المعارضة والمجتمع المدني، معتبرين أنه انتهاك لمؤسسات الدولة ويثير تساؤلات حول نزاهة العملية الانتخابية.
يتجه البرلمان التونسي إلى تعديل القانون الانتخابي قبيل أيام من موعد الانتخابات الرئاسية، المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وذلك بجلسة عامة في دورة استثنائية، غداً الجمعة، للنظر في مقترح قانون التعديل. بحيث تعرض الطعون في الانتخابات أمام القضاء العدلي وليس أمام المحكمة الإدارية التي عارضت قرار هيئة الانتخابات بإقصاء عدد من المترشحين للانتخابات الرئاسية وطالبت بإعادتهم.
وأكّد النائب بالبرلمان، يوسف طرشون، في تصريح إذاعي مساء أمس الأربعاء، أنه تمت المصادقة على التقرير النهائي المتعلق بمقترح تنقيح القانون الانتخابي مع "التوصية بالمصادقة خلال جلسة عامة مقررة مبدئياً يوم الجمعة"، مشدداً على أن العدد الإجمالي للنواب المؤيدين لمقترح التنقيح بلغ 89 نائباً. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تأتي استباقاً لإمكانية الطعن مجدداً أمام المحكمة الإدارية بعد انتهاء الانتخابات ووجود إمكانية كبيرة لإلغاء نتائج الانتخابات بسبب عدم امتثال هيئة الانتخابات لقرارات المحكمة.
وتجاهل البرلمان التونسي كل الدعوات التي أُطلقت من جهات عديدة، قضائية ومدنية وسياسية، وحتى من بعض نوابه لعدم إدخال تعديلات على القانون الانتخابي قبل أيام قليلة من الانتخابات. وقال النائب محمد علي، في بيان نشره على صفحته يوم الثلاثاء الماضي، إن "نواب مجلس الشعب ورغم التخويف والضغط سيحمون المؤسسة التشريعية من مبادرة مرفوضة شكلا ومحتوى". وأضاف أن "هناك اتفاقاً مجتمعياً من أساتذة القانون والمحامين والهيئات المهنية والنقابية والحزبية وتلك المهتمة بالعملية الانتخابية، وأيضاً عدد هام من النواب من مختلف الكتل وغير المنتمين، على أن مجرد طرح المبادرة قبل أيام قليلة من يوم الاقتراع للانتخابات الرئاسية هو أمر غير مقبول قانونياً وأخلاقياً وسياسياً. وإن أي عاقل لا يمكن أن يقبل عملية مرور رئيس المجلس ومكتبه بقوة في الزج بمؤسسة تشريعية لحل إشكال سياسي".
وتعليقاً على تطور الأحداث، قال المتحدث الرسمي باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير لـ"العربي الجديد"، إن "قرار السلطة التنفيذية بإجراء تعديلات على قانون الانتخابات في ربع المتر الأخير من الحملة الانتخابية، يُعتبر انتهاكاً لما تبقى من مؤسسات الدولة وانتهاكاً للنظام الجمهوري، وهو اغتصاب لمفهوم الجمهورية، وهذا الهروب إلى الأمام لن يزيد إلا في تعكير الوضع والمزيد من هدم الدولة وتقويض مؤسساتها".
واعتبر الصغير، الذي يمثل حزبه أحد أطراف الشبكة التونسية للحقوق والحريات، أن خروج المعارضة مجدداً إلى الشارع كان "رد فعل على مشروع القانون المهزلة، وهو جريمة بكل المقاييس، وستكون له تبعات كبيرة، وهناك بالتأكيد تحركات أخرى". وذكّر المتحدث بأن "قيس سعيد كان أكد بنفسه في سنة 2019 في حوار إذاعي، أن كل مس بالقانون الانتخابي من قبل رئيس الجمهورية ومن قبل السلطة التنفيذية هو نسف للديمقراطية ونسف للجمهورية، ونحن نقول لجمهور قيس سعيد والرأي العام، قيس سعيد 2019 قال شيئاً ولكن في 2024 يقول نقيضه، فأي معني للمصداقية بعد هكذا تصريحات متناقضة ومتضاربة؟".
وعن تواتر خروج المعارضة إلى الشارع في الآونة الأخيرة أجاب بأن "هذا أبسط ما يمكن أن يحصل لمجموعات سياسية وقوى حية تعمل على تدارك وإيقاف نزيف الدولة، وهذا موقف وطني لا يعتبر كبيرا في انتظار مزيد من خلق مبادرات أخرى لإيقاف هذا النزيف الذي يهدد الدولة ويهدد أركانها".
من جهتها، دعت الشبكة التونسية للحقوق والحريات إلى تجمّع احتجاجي، صباح غد الجمعة، أمام مجلس نواب الشعب التي وصفته بـ"اللاشرعي الذي يسعى للانقلاب على إرادة الشعب من خلال مناقشة مشروع قانون لتعديل القانون الانتخابي قبل أسبوعين من الانتخابات، ويهدف من خلاله لتهميش دور القضاء الإداري والقضاء المالي، ويلغي به الأمان القانوني ويكرّس من خلاله إنكار العدالة ويمعن في الانتصار للمرشح الأوحد ويزيد في تعميق التشكيك في نزاهة الاستحقاق الانتخابي".
وتوسعت دائرة المعارضين لهذه الخطوة، وشملت تقريباً جميع مكونات المجتمع المدني التونسي، وعلى امتداد هذا الأسبوع شهدت تونس عدة احتجاجات على هذا القانون.
ونظمت الشبكة التونسية للحقوق والحريات (التي تضم عدداً من الأحزاب والجمعيات والمنظمات)، الأحد الماضي، مظاهرة حاشدة وسط العاصمة تونس. كما أصدر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين بياناً، الاثنين الماضي، اعتبر أن مشروع تنقيح القانون الانتخابي هو "محاولة لتوريط مؤسسات القضاء العدلي بتكليفه بمهمات خارج اختصاصه واستهداف واضح ومقصود لكل من المحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات بسحب الاختصاصات الأصلية والتقليدية الموكولة إليهما دون أي موجب رغم ما برهنتا عليه من حياد وكفاءة خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة ومنها الاستحقاق الرئاسي لسنة 2019″.
كذلك، عبّر المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان الأحد الماضي، عن "رفضه لهذا المشروع والحال أن الانتخابات الرئاسية قد انطلقت منذ ما يقارب الأسبوع" مطالباً بـ"العدول عنه"، منبهاً إلى "مخاطر هذا المشروع على الاستقرار" واعتبره عاملاً سلبياً يضاف إلى "العديد من الإخلالات التي شابت هذه المحطة الانتخابية خلقت مناخا مشحونا غير ملائم لانتخابات نزيهة وشفّافة وديمقراطية".
وعبر عدد من الجمعيات المدنية المختصة بمراقبة الانتخابات عن "مخاوفها حيال مشروع التعديل"، معتبرة أن "هذه التغييرات تثير القلق بشأن نزاهة العملية الانتخابية وتزيد من احتمالية عدم ضمان الشفافية والمساءلة"، وقالت في بيان، الثلاثاء، إن "توقيت هذه المبادرة التشريعية يثير تساؤلات حول دوافعها ومدى استجابتها لضرورات موضوعية. وتعديل قانوني في هذه الفترة قد يُعتبر خطوة مشبوهة تهدف إلى التأثير على المسار الانتخابي لمصلحة أطراف معينة. كما أن استعجال النظر في مثل هذه القضايا دون إتاحة الوقت الكافي للنقاش والتشاور يطرح علامات استفهام حول مصداقية الإجراءات التشريعية في هذه المرحلة الحرجة".