تعديلات الإجراءات الجنائية والحبس الاحتياطي تثير انتقادات حقوقية في مصر

31 اغسطس 2024
مدبولي خلال جلسة حول مشروعات القوانين، أغسطس 2024 (رئاسة الوزراء/فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **اعتراضات على تعديلات قانون الإجراءات الجنائية**: نقابتا المحامين والصحافيين تعترضان على تعديلات تمنح القضاة حق معاقبة الصحافيين والمحامين وتقييد حقوق الدفاع وإخفاء هوية الشهود، مما يثير مخاوف من تأثيرات سلبية على العدالة.

- **توجيهات الرئيس السيسي وتوصيات الحوار الوطني**: الرئيس السيسي يوجه الحكومة لتنفيذ توصيات الحوار الوطني، بما في ذلك تقليل مدد الحبس الاحتياطي وتعويض المتضررين، بهدف تخفيف الاحتقان السياسي وتحقيق السلم الوطني.

- **مطالبات بإصلاحات شاملة في المنظومة التشريعية**: سياسيون يطالبون بمراجعة شاملة للمنظومة التشريعية المرتبطة بالحقوق السياسية، مشيرين إلى قوانين قديمة وشكوك حول جدوى التعديلات دون إرادة سياسية حقيقية.

اعتراضات بالجملة أثارها النقاش الحالي في البرلمان المصري لمشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية، وسط انتظار ترجمة توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتخفيض مدد الحبس الاحتياطي. فقد اعترضت كل من نقابتي المحامين والصحافيين على مسار الحكومة في إقرار تعديلات قانون الإجراءات الجنائية دون الأخذ بملاحظاتهما على مشروع القانون، تحديداً على ضوء إعلان رئاسة الوزراء المصرية موافقتها على المشروع قبل التصويت عليه في البرلمان أو طرحه للنقاش.

وكان رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قد قال خلال اجتماع لمجلس الوزراء، في 22 أغسطس/ آب الماضي، إنه تم "التوافق على سرعة إنهاء تعديلات قانون الإجراءات الجنائية"، والتأكيد "على سرعة إرسال هذه التعديلات لمجلس النواب". وأضاف: "نضع في أولوياتنا توجيهات فخامة الرئيس بشأن جميع التوصيات التي وردت من مجلس أمناء الحوار الوطني في ما يتعلق بموضوع الحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية". وفي 21 أغسطس الماضي، وجّه السيسي برفع توصيات الحوار الوطني للحكومة و"سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل التوصيات المتوافق عليها"، داعياً إلى تقليل مدد الحبس الاحتياطي و"الحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي في إجراء وقائي دون التحول إلى عقوبة، مع أهمية التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر لمن تعرض للحبس الاحتياطي الخاطئ"، بناء على التوصيات.

وصوّب نقيب الصحافيين، خالد البلشي، الأسبوع الماضي، على أحد بنود مشروع القانون، الذي بدأ البرلمان مناقشته السبت الماضي، والذي يمنح القضاة حق معاقبة الصحافيين أو المواطنين أو المحامين إذا قاموا بالنشر عن القضايا دون تصريح مسبق من قاضي النشر. كذلك لا يلزم مشروع القانون جهات التحقيق بتسليم أوراق وملف القضية لمحامي المتهم. أكثر من ذلك، يصعّب القانون الجديد وجود المحامي خلال التحقيقات في بعض الحالات، كما أنه يسمح بإخفاء شخصية الشاهد وبياناته عن المتهم والمحامي.

وخشية القانونيين كبيرة من تفسيرات فضفاضة لأحد بنود مشروع القانون (المادة 267) والذي ينص على أنه "لا يجوز نشر أخبار، أو معلومات، أو إدارة حوارات، أو مناقشات عن وقائع الجلسات، أو ما دار بها على نحو غير أمين، أو على نحو من شأنه التأثير على حُسن سير العدالة". كما أثارت التعديلات المرتقبة للحد الأدنى للحبس الاحتياطي وقانون الإجراءات الجنائية انقساماً بين مؤيدين رأوا في التعديل نهاية لفترة مظلمة في تاريخ العدالة في مصر وخطوة جيدة وإن تأخرت، وبين محذرين من استخدام التعديل أداة للتحايل على التخفيض (للحبس الاحتياطي) واستمراره وسيلة لمواصلة مأساة المحبوسين احتياطياً.

ضمانات في قانون الإجراءات الجنائية

المحذرون شدّدوا على أهمية تضمين تعديل قانون الإجراءات الجنائية بما يكفل عدم استخدام التعديلات مدخلا خلفيا لاستمرار مدد الحبس الاحتياطي دون نهاية. ووصف السياسي المصري ونائب رئيس حزب المحافظين، مجدي حمدان، في حديث لـ"العربي الجديد"، توجيه الرئاسة للحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لخفض الحبس الاحتياطي بـ"الخطوة الجيدة وإن كانت متأخرة كثيراً". فهذه الخطوة وفق حمدان "ستخفف من حالة الاحتقان السياسي في مصر وتكرس حالة من السلم الوطني، وتقلل من غضب أحزاب المعارضة تجاه ممارسات النظام في هذا الصعيد القانوني".

مجدي حمدان: التعديلات ستخفف من حالة الاحتقان السياسي في مصر

وطالب في هذا السياق "مؤسسة الرئاسة بالدخول على خط الأزمة وتحديد مدة الخفض بشكل واضح، وإغلاق جميع الأبواب الخلفية التي تسمح للنيابة العامة بتمديد مدة الحبس الاحتياطي بلا حد أقصى". كما شدّد على "ضرورة المساواة بين السياسيين والجنائيين، رغم اختلاف أسباب الحبس الاحتياطي بين الطرفين، وانطلاقاً من ،ن السجناء السياسيين هم المتضررون الرئيسيون من القانون الحالي والمستهدفون من هذا التعديل المرتقب".

ملف حقوق الإنسان في مصر

من جهة أخرى شدّد سياسيون على أن المنظومة التشريعية المرتبطة بالحقوق السياسية للمواطنين تحتاج إلى مراجعة شاملة. وقال أمين عام الحزب المصري الاشتراكي، أحمد بهاء الدين شعبان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك قضايا كثيرة وقوانين نُحكم بها حالياً ونعاقب بمحتواها، صدرت منذ عصر الاحتلال البريطاني لمصر، حينما كان يجري التنكيل بالمعارضة الوطنية، لأن الاحتلال كان هو الحاكم الفعلي للبلاد". وأوضح أن هذه القوانين ما زالت قائمة "مثل قوانين التجمهر والاعتصام والإضراب السلمي وقوانين تشكيل الأحزاب وغيرها، وكلها قضايا تحتاج إلى مناقشة حقيقية". وأضاف أن "هناك أيضاً قوانين الانتخابات بالقائمة المطلقة، وهي استبداد مطلق، لأنها تمنح أحزاب الموالاة فرصا حقيقية، وتسخر لها إمكانيات الدولة، ويتم بمقتضاها السيطرة الكاملة على صناديق الانتخابات وتوجيهها حسب رغبات الإدارة والأمن".

ورأى شعبان أن "تقنين مدد الحبس الاحتياطي سيسهم بالفعل في تنقية ملف حقوق الإنسان من بعض عيوبه الكثيرة، لأنه ليس معنى تحسين شروط الحبس الاحتياطي وتحديد مدته بشكل منطقي ومعقول، أن ملف حقوق الإنسان في مصر قد تم حذف كل السيئات منه". وأشار إلى أن "هذا ملف حافل بالنواقص ويحتاج بالفعل إلى دراسة حقيقية وقرارات جريئة لكي تخرج به من المتاهة الموجود فيها". وتابع: "بالتالي نحن ننظر إلى موضوع الحبس الاحتياطي باعتباره ثقبا في الجدار الصلب الذي يمنع تمتع المواطنين المصريين بالهواء النقي، وثقبا في حائط الصد الذي يمنعنا من أن نرى ضوء النهار أمام أعيننا، ولكن ما لم يتم احترام الإنسان المصري، فلا يمكن أن يكون هناك قيمة لأي شيء أو محاولة للتقدم".

هشام قاسم: تكمن الأزمة في غياب الإرادة السياسية لإجراء أي إصلاحات جادة

بالمقابل شكك السياسي والناشر المصري هشام قاسم، في جدوى أي تعديلات قانونية على قانون الإجراءات الجنائية أو غيره من القوانين عبر هذه السلطة أو عبر ما يسمى بالحوار الوطني، الذي "أوجد فقط لتجنب أزمات ومشكلات عديدة واجهتها على الصعيد الدولي، فلجأت إلى هذا الحوار لتبييض وجهها فقط". ولفت قاسم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأزمة لا يمكن حصرها في إدخال تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية بل في غياب الإرادة السياسية لإجراء أي إصلاحات جادة". وأوضح أن "طبيعة النظام المصري لا تسمح بأي فرص للتفاؤل، حتى لو تعلق الأمر بمأساة اسمها الحبس الاحتياطي غير المحدد المدة، والذي سمح بمعاناة عشرات الآلاف من المصريين من هذه المأساة دون وجه قانوني".