تزداد مؤشرات الوصول إلى طريق مسدود بين النظام السوري والقوى السياسية الكردية السورية الأساسية، على الرغم من الجهود الروسية التي بذلت أخيراً للتقريب بين الطرفين، وهو ما انعكس في التصريحات الروسية حيال هذه المسألة، والتي باتت أقرب إلى لهجة التهديد.
ضغط روسي على أكراد سورية
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم الأربعاء الماضي، إنه يتعين على الأكراد أنفسهم، لا سيما ذراعهم السياسية المتمثلة بحزب "الاتحاد الديمقراطي" و"مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، أن يقرروا نهجهم.
وذكّر لافروف بأن الأكراد، عندما أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أنه ينوي سحب القوات الأميركية بالكامل من سورية، توجهوا فوراً بمطالب إلى روسيا، خصوصاً لمساعدتهم في إطلاق حوار مع حكومة النظام في دمشق، لكن اهتمامهم بهذا الحوار اختفى بعد أيام قليلة، عندما صرّح البنتاغون بأن عسكرييه باقون في سورية.
إلهام أحمد: الحوار لا يعني شرعنة حكومة دمشق
وأضاف لافروف: "في هذه المسألة، يجب الإدراك بأن الأميركيين في نهاية المطاف سينسحبون، وهم يواجهون هناك حالياً مشاكل أكثر (من الفوائد)"، مبدياً قناعته بضرورة أن "يتخذ الأكراد موقفاً مبدئياً".
وأعرب الوزير الروسي عن استعداد بلاده لمساعدة أكراد سورية في ذلك، خصوصاً أن مسؤولين أكراداً يزورون موسكو من حين إلى آخر، بما في ذلك الزيارة الأخيرة للرئيسة المشتركة لـ"مجلس سورية الديمقراطية" إلهام أحمد (نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي).
وكانت إلهام أحمد قد استبقت تصريحات لافروف بتصريحات تنم عن عدم إيمان الأكراد بتحقيق الحوار مع نظام دمشق نتائج جدية، إذ قالت إن هذا الحوار لا يعني شرعنة الحكومة (النظام).
وأشارت أحمد، في اجتماع تقييمي (لمؤتمر أبناء الجزيرة والفرات) عقد يوم الأحد الماضي في مدينة الرقة، شرقي سورية، إلى عدم تحقيق أي تقدم في الحوار. وعلى الرغم من إشارتها إلى المحاولات الروسية للوساطة، إلا أنها اعتبرت أن مسألة نجاح الحوار "لا تزال غير واضحة، ويكتنفها الكثير من الغموض بسبب تعنت الحكومة السورية"، لافتة إلى أن النظام يعتبر نفسه منتصراً وينظر إلى نفسه من منطلق قوة.
هذا الطرح أكده، الأربعاء الماضي، المتحدث باسم "مسد" أمجد عثمان، الذي قال إن "أي حوار أو تفاوض، إذا لم يأت بالتغيير الديمقراطي المنشود، لن نكون جزءاً منه".
وأضاف عثمان: "نحن مع قضية الشعب السوري وتحقيق تطلعاته"، مشدداً على أن المسؤول الأول عمّا آلت إليه الأمور في البلاد "هو الاستبداد والنظام المركزي وعدم قبول أي حلولٍ أو خيارات سوى الخيار العسكري الذي أثبت فشله".
ومنذ أن أعادت أنقرة تهديداتها ببدء عملية عسكرية في منطقة شمالي سورية ضد الأكراد قبل شهرين، سارعت روسيا إلى بذل جهود حثيثة لخلق تقارب حقيقي بين الأكراد والنظام، قبل أن تلجأ مع فشلها في تحقيق هذا الهدف إلى تصعيد النبرة باتجاه "الإدارة الذاتية" الكردية، مدفوعة بمحاولة إنجاز صفقة تكون نتائجها إيجابية لصالح النظام أكثر مما هي لصالح الطرف الآخر.
كما جاء تصعيد النبرة نظراً إلى عدم الثقة بين موسكو والسلطات الكردية في شمال وشرق سورية، لا سيما بسبب التقارب العسكري والسياسي الكبير بين الأكراد والولايات المتحدة، التي تعتبر الداعم الرئيسي لـ"الإدارة الذاتية" والجناح العسكري للأكراد هناك "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
مناورة كردية في وجه الضغوط الروسية
لكن في مقابل هذا التوجه الروسي، تصر "الإدارة الذاتية" على المناورة في مواجهة الضغوط الروسية التي كانت ولا تزال تحاول إعادة النظام إلى المنطقة من جهة، وإبعاد التهديدات التركية من جهة ثانية.
رياض درار: لن تكون هناك نتائج لأي حوار دون موافقة أميركية
ووصف الرئيس المشترك لـ"مسد" رياض درار تصريحات لافروف بأنها مكررة، وأن الأخير دائماً ما يستخدم هذه الحجة (دعم أميركي لمحاولات انفصالية)، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى موافقة أميركية على أن تتولى روسيا إجراء الحوار بين "مسد" والنظام. وقال درار: "لن تكون هناك نتائج لأي حوار دون موافقة أميركية، وادعاءات لافروف بدعم أميركي لمحاولات الانفصال غير صحيحة".
وأكد درار على "الاستمرار بقبول التفاوض على أسس تغيير نهج النظام، والبدء بالاعتراف بحقوق الشعب السوري والمكونات، وإجراء تغيير دستوري حقيقي، ينزع من الرئيس صلاحياته الديكتاتورية، وأن يكون هناك تغيير في السلطة نحو التوجه الديمقراطي الحقيقي، وقطع تغول الدولة على المجتمع والتحكم به عبر الوسائل العسكرية والأمنية".
ولفت الرئيس المشترك لـ"مسد" إلى أن "هذه النقاط لا تنازل عنها، لأننا جزء من الشعب السوري وفصيل من فصائل المعارضة السورية، ونعمل من أجل التغيير منذ اندلاع الحراك".
أما في ما يخص إيقاع الحوار، فأشار درار إلى أن "النظام يريد إخضاع الجميع لشروطه بقوة داعميه، الروسي سياسياً والإيراني عسكرياً، لكن هذا الأمر غير مقبول بالنسبة لنا، إلا أننا منفتحون على التفاوض، أي التفاوض الحقيقي الذي يحقق نتائج حقيقية دون تعنت".
من جهتها، أوضحت سما بكداش، المتحدثة باسم "الاتحاد الديمقراطي"، وهو الحزب الذي يقود "الإدارة الذاتية"، والمتهم بكونه الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، موقف حزبها من الحوار بين "الإدارة" والنظام، من دون الإشارة إلى نقاط تقارب أو اختلاف، مشددة على الحوار لإنهاء الحرب في سورية.
وقالت بكداش، في حديث لـ"العربي الجديد": "نقول دائماً إنه لا بد أن تنتهي الحروب بعد عشر سنوات من الصراع في سورية. لا بد أن نجلس على طاولة الحوار ونبحث عن الحل، ولأجل ذلك منذ البداية نقول نحن مع الحوار".
وأضافت بكداش أنه "على مدار سنوات الحرب العشر، حارب شمال وشرق سورية إرهاب داعش، وتشكلت إدارة ذاتية من جميع المكونات، وبنوا مشروعاً، ولم نصرح أبداً بأننا سننفصل عن سورية. نحن جزء من سورية، ولكن شمال وشرق سورية لهما خصوصية، وهناك مساعٍ لبدء حوار حقيقي بين الإدارة والنظام، وفي النهاية نحن مع أي حوار سوري سوري".
فريد السعدون: خيارات الأكراد بمواجهة التهديد التركي محصورة جداً بالروس والنظام
ورأت بكداش ضرورة "أن تجتمع جميع القوى الموجودة في سورية، والتي تطالب بنظام ديمقراطي لامركزي، لا بد أن تتناقش في ما بينها، وأن تصل إلى حلّ هو نظام لامركزي تصان فيه حقوق جميع المكونات، وتكفي عشر سنوات من الصراع والقتل والتهجير".
حوار فقط لبحث تهديدات تركيا
وتعليقاً على إمكانية انسداد الحوار بين الأكراد والنظام، أعرب الأكاديمي الكردي فريد السعدون عن اعتقاده بصعوبة الجمع بين الطرفين، مبيناً أن الحديث عن مفاوضات بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق لا يزال مبكراً، أما اللقاءات التي جرت بين الطرفين فلم تفضِ إلى نتيجة، بل حصلت لمعالجة مشكلة آنية (التهديد التركي)، بحسب رأيه.
وأضاف السعدون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في الآونة الأخيرة، وكلمّا ازدادت المخاطر الخارجية على منطقة شرقي الفرات، خصوصاً التهديدات التركية، وعندما يكون هناك إحساس ما بأنّ الأميركيين سينسحبون من المنطقة، تستشعر الإدارة الذاتية خطورة هذه التهديدات وتبحث عن مخارج وخيارات أخرى، وهذه الخيارات محصورة جداً بالروس والحكومة السورية".
ورأى السعدون أنه "يمكننا القول إن كلا الطرفين لا يتنازل عن مواقفه السابقة، فالحكومة (نظام دمشق) ترفض وجود جيش آخر على الأراضي السورية غير الجيش السوري الرسمي، ولا تقبل بوجود مناطق ذات حكم ذاتي وإنما تصّر على أن يتم تطبيق الدستور، بينما تطالب قسد بخصوصية عسكرية معينة في شرقي الفرات، وبأن يكون هناك اعتراف بالإدارة الذاتية من قبل الدولة".