في خطوة هي الأولى من نوعها منذ نهاية العام 2017، الذي شهد قبول عناصر جدد في الفصائل العراقية المسلحة المنضوية في إطار "الحشد الشعبي"، مرّر البرلمان العراقي، يوم الأربعاء الماضي، بنداً ضمن موازنة العام 2021، يُلزم الحكومة بقبول 30 ألف عنصر جديد ضمن صفوف "الحشد"، يقول مسؤولون عراقيون لـ"العربي الجديد"، إن معظمهم موزعون على نحو 25 فصيلاً مسلحاً، معظمها حليفة لإيران. وكان تحالف "الفتح" و"دولة القانون" النيابي، قد وضع شرطاً لتمرير الموازنة المالية، وهو قبول التصويت على فقرة ما يعرف بـ"المفسوخة عقودهم"، وهم أفراد الفصائل الذين لا يتلقون رواتب من الدولة مثل باقي أقرانهم. وعلى الرغم من مناشدات سابقة بإعادة الآلاف من عناصر الجيش والشرطة للخدمة، من القوات التي انهارت إبان اجتياح تنظيم "داعش" شمال وغرب البلاد في العام 2014، فضلاً عن توظيف حملة الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه)، وتوسيع برنامج الرعاية الشهرية للأرامل ومعدومي المُعيل، إلا أن البرلمان لم يمرّر الأربعاء أي وظائف أو امتيازات غير تلك المتعلقة بـ"الحشد". ورأى مراقبون أن هذا الإجراء ناجمٌ عن ضغوط ومساومات سياسية، قادتها بعض الكتل البرلمانية.
أصبح عديد عناصر "الحشد الشعبي" يتجاوز اليوم إجمالاً عتبة الـ160 ألف عنصر
وكانت أسئلة كثيرة قد طُرحت حول سبب عدم تسجيل من يعرفون بـ"المفسوخة عقودهم" ضمن صفوف "الحشد"، في أعوام سابقة. ومن بين الشبهات أن هؤلاء قد انضموا أخيراً للفصائل المسلحة، أو أنهم يأتون تعويضاً عن العناصر التي قتلت خلال المعارك، فيما ذهبت تفسيرات أخرى إلى أن قسماً من هؤلاء كانوا في سورية، حيث كانوا يقاتلون إلى جانب قوات نظام بشار الأسد ضمن أجنحة الفصائل العراقية المقاتلة هناك، وباتت تصر الفصائل اليوم إثر عودتهم على اعتبارهم مقاتلين في "الحشد الشعبي". ونظّم هؤلاء خلال الأشهر الماضية تظاهرات عدة في العاصمة العراقية بغداد، بعضها أمام المنطقة الخضراء، مهدّدين بإقامة اعتصامات في حال لم يتم إدراجهم كعناصر أصيلة في "الحشد".
عديد يتخطى الـ160 ألف عنصر
ومع الزيادة الجديدة في منظومة "الحشد الشعبي"، التي تضم 83 فصيلاً مسلحاً، بينها أكثر من 40 فصيلاً "ولائياً"، أي المرتبطين بشكل مباشر بـ"فيلق القدس" الإيراني ("عصائب أهل الحق"، "كتائب حزب الله"، "النجباء"، "سيد الشهداء"، ومليشيات أخرى)، يتجاوز عديد عناصر "الحشد الشعبي" إجمالاً عتبة الـ160 ألف عنصر. هذا الأمر أكدته مصادر حكومية، موضحة أن الحكومة طلبت في وقت سابق من هيئة "الحشد" إجراء تدقيق جديد في الأسماء، والتأكد من وجودها فعلياً، بعدما أثار سياسيون عراقيون شكوكاً في الأعداد المعلنة، متهمين قادة الفصائل بتقاضي رواتب عن عناصر غير موجودين سوى على الورق. وكان العدد السابق لعناصر لـ"الحشد الشعبي"، قد بلغ 130 ألف عنصر، بمن فيهم الإداريون ومن يعرفون بـ"الوحدات الساندة" وغيرها، ليصل المجموع مع الزيادة الجديدة إلى أكثر من 160 ألف مسجل رسمياً، براتب شهري لكل واحد منهم يبلغ مليونا و100 ألف دينار (نحو 800 دولار).
ووفقاً لمسؤول رفيع في حكومة مصطفى الكاظمي، فإن إضافة الـ30 ألف عنصر، جاءت بضغط ومساومة من كتل تحالفي "الفتح" و"دولة القانون"، بمعنى التصويت على الموازنة مقابل تمرير قبول ضمّ هؤلاء لـ"الحشد"، ما يعني "بشكل بديهي، أن هؤلاء تحولوا أيضاً إلى أصوات انتخابية للتحالفين"، على حدّ قوله. وأوضح المصدر أن الزيادة الجديدة "ذهبت إلى فصائل عدة رئيسية، أبرزها كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، والطفوف، والنجباء، والإمام علي، وبدر، وسيد الشهداء، وفصائل أخرى"، مبعداً المسؤولية في ذلك عن حكومة الكاظمي، ومحملاً إياها حصراً "إلى البرلمان الذي مرّرها وألزم الحكومة بها ضمن فقرة مضافة إلى مشروع مسودة الموازنة، والتي أضافت نحو 24 مليون دولار كرواتب جديدة تدفع إلى جانب السابقة لعناصر الحشد".
ويعاني العراق أصلاً من أزمة اقتصادية ضربت البلاد بسبب انخفاض أسعار النفط وتداعيات فيروس "كورونا"، ما دفع السلطات إلى اتباع سلسلة من الإجراءات، من بينها الإقدام على اقتطاعات في رواتب الموظفين وفرض ضرائب دخل على آخرين، وإلغاء امتيازات مختلفة لشرائح عدة في البلاد. كما فرضت رسوم على بعض الخدمات الصحية التي كانت تقدم مجاناً إلى المواطنين. وبلغت قيمة موازنة العام الحالي، 127 ترليون دينار عراقي (نحو 88 مليار دولار)، بعد خلاف سياسي وجدل دام لأكثر من أربعة أشهر، وبعجز يُقدر بـ43 مليار دولار أميركي.
وكان مسؤول الشؤون المالية السابق في "الحشد"، قاسم الزبيدي، قد قتل في العام 2018، على يد مجهولين، بعد بدئه تحقيقاً بأمر من رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في موضوع رواتب مقاتلي "الحشد" الوهمية. وحينها، علّق العبادي على الاغتيال بقوله إن الزبيدي كان قد اتصل به قبل الحادث، ليزوده بمعلومات حول وجود مقاتلين وهميين (في "الحشد")، وأخبره بعمليات فساد في ما خصّ توزيع الأموال واستيلاء بعض القيادات عليها، وأن هذا الملف "يحتاج إلى تدقيق قبل أن يقدم على إقرار أي زيادة في الرواتب".
وتعليقاً على خطوة البرلمان، اعتبر عضو التيار المدني العراقي، أحمد حقي، أن زيادة عديد أفراد "الحشد" بواقع يصل إلى ربع عددهم السابق، تؤكد أن "القرار السياسي والأمني، وحتى المالي، في العراق، ليس في يد الحكومة، بل في يد القوى السياسية التي تقف في مكان قريب من إيران، وتتبنى مصالح طهران داخل البلاد". ورأى حقي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "إضافة هذا العدد في وقت توقف فيه القتال، ولم تعد هناك معارك ولا مدن محتلة ولا مناطق مهددة، لهو أمر يستدعي التساؤل عن الحاجة إلى نصف مليون جندي في الجيش و760 ألف عنصر أمني في وزارة الداخلية وأجهزة الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والاستخبارات والشرطة الاتحادية". وإذ لفت إلى أن "الإضافة هي سياسية"، فقد حذّر من "انعكاساتها الخطيرة على العراق، إذ إن قبولهم يعني أن هناك إمكانية لكي يتحول الأمر إلى زيادة سنوية في عدد عناصر الحشد". كما رأى أن الخطوة كانت "أهون"، لو "كانت هذه الفصائل وعناصرها هم للعراق، لكن المشكلة تكمن في أن كثيرين منهم يعملون لخدمة الجارة"، في إشارة لإيران.
جاءت الزيادة بضغط من تحالفي "الفتح" و"دولة القانون"، لمقايضة تمرير الموازنة بقبول ضمّ العناصر الجدد
من جهته، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، جمال كوجر، إن تمرير قبول العناصر الجدد في "الحشد"، جاء "برغبة من قبل بعض الكتل البرلمانية"، معتبراً أن ذلك "هو من حق أي كتلة أن تقوم به، ما دام لا يتعارض مع الموازنة الرئيسية"، مقراً في الوقت ذاته بأن "موازنة العام 2021 تقشفية، وخلت من التعيينات والمشاريع التنموية". وتحدث كوجر، لـ"العربي الجديد"، عن وجود "عقد كثيرة في موازنة العام الحالي، وبالكاد تمكن البرلمان من تمريرها والتعديل على كثيرٍ من بنودها من أجل ملاءمة الأوضاع الصعبة التي يمر بها العراق من استمرار لتفشي كورونا وتراجع أسعار النفط الذي أحدث مشاكل اقتصادية خطيرة".
أكثرية من "الفضائيين"؟
وأعاد الباحث بالشأن السياسي العراقي، عبد الله الركابي، التذكير بوجود فائض في الأساس داخل منظومة "الحشد الشعبي" ممن يمكن تصنيفهم بالفضائيين، أي الذين لا وجود لهم إلا في مخيلة قادة الفصائل الذين يتسلمون رواتبهم. وأوضح الركابي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كلّ قائد فصيل مسلح يتسلم مستحقات عشرات العناصر الذين لا وجود لهم على أرض الواقع، لافتاً إلى أنه "لهذا السبب، فإن حكومة الكاظمي تضغط اليوم من أجل توطين هذه الرواتب، بحيث تكون عبر المصارف ومن خلال بطاقات مصرفية، باسم كل عنصر من عناصر الحشد، في محاولة لمحاصرة ظاهرة الأسماء الوهمية". لكنه لفت أيضاً إلى وجود قسم آخر، وهم الموجودون فعلاً، ولكن الذين لا يعملون ويتفقون مع قادة فصائلهم بتقاسم الراتب نصفين، بينهم وبين آخرين يقاتلون في سورية. ورأى أن المشكلة كبيرة ومعقدة، لكن باختصار يمكن القول إن عدد العناصر المنضوين في "الحشد" بات 160 ألف أو أكثر على الورق، لكنه فعلياً أقل من ذلك.
وكان النائب العراقي، فائق الشيخ علي، قد أشار في وقت سابق أيضاً إلى مسألة العدد، مهاجماً "الحشد" و"الفساد داخل هيئته"، وموضحاً في بيان أن أعداد مقاتلي "الحشد" الفعليين هم 48 ألف عنصر، لكن قادتهم يتقاضون رواتب 130 ألف مقاتل، أي بفارق 82 ألف "فضائي". وتساءل متوجهاً إلى السلطات: "لماذا لا تشّنون حملة مدوية ضد 82 ألف فضائي؟".