استمع إلى الملخص
- التوترات السياسية والمواقف المختلفة: قوى سياسية عراقية ترى أن الانسحاب الأميركي يعزز قوة الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، مع اختلاف في التصريحات بين العراق وأميركا حول طبيعة الانسحاب.
- استمرار الوجود الأميركي بأشكال مختلفة: الخبراء يؤكدون أن الانسحاب لن يكون كاملاً، مع استمرار وجود الشركات الأمنية والطيران وفيلق حماية السفارة، مشيرين إلى أهمية الوجود الأميركي لمواجهة تهديدات داعش.
كرر مسؤولون عراقيون مرات عدة تأكيدهم قرب إعلان موعد الانسحاب الأميركي من العراق وإنهاء دور التحالف الدولي للحرب على الإرهاب. وبدا هذا واضحاً من تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أخيراً لوكالة بلومبيرغ الأميركية، الأسبوع الماضي، ومع ذلك فإن الانطباع العام في العراق هو أن الإعلان عن الانسحاب الأميركي من العراق سيكون بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وضمن جدول زمني يصل إلى عام 2026. في غضون ذلك، اعتبرت قوى سياسية عراقية أن أي انكماش أميركي في العراق يعني انتصاراً إيرانياً، بفعل ضغط طهران في هذا الاتجاه منذ سنوات، إلى جانب تمكين أعلى للفصائل المسلحة الحليفة لإيران. ومن المرجح أن تكون قاعدة الحرير في إقليم كردستان، شمالي البلاد، آخر موقع ينسحب منه الأميركيون لصلته بعمليات واشنطن في الشرق السوري ضمن محافظة الحسكة مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وأيضاً كونها منطقة سيطرة جغرافية مهمة لا يمكن لواشنطن التخلي عنها بسهولة.
موعد الانسحاب الأميركي من العراق
وكان السوداني قد أكد، خلال مقابلته مع "بلومبيرغ"، أن "بلاده تتهيأ لإعلان موعد انتهاء مهمة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق"، مبيناً أن "مبررات وجود التحالف الدولي انتهت، وعراق 2024 ليس عراق 2014، وأن العراق قد تحوّل من مرحلة الحروب إلى مرحلة الاستقرار، وأن داعش لم يعد يمثل تهديداً للدولة". وأضاف: "بدأنا بحوار صريح مع التحالف الدولي، وشكلنا لجنة ثنائية من أجل ترتيب انسحاب قوات التحالف وإعلان انتهاء مهمتها قريباً". ووفقاً للسوداني، فإن "انتهاء مهمة التحالف الدولي لا يعني انتهاء العلاقة بين البلدين، بل العكس، نحن نخوض محادثات لبناء علاقات أمنية مستدامة وروابط اقتصادية وثقافية واجتماعية وعلمية"، كاشفاً عن مشاركة العراق في المؤتمر الدولي للتحالف ضد تنظيم "داعش".
وسبق ذلك تقرير لوكالة رويترز، نقلت فيه عن مصادر قولها إن "الخطة تتضمن خروج مئات من قوات التحالف الدولي الذي تقوده أميركا بحلول سبتمبر/أيلول 2025، والبقية بحلول نهاية 2026، وأنه اتُّفق بشكل كبير على الخطة، ويتبقى الحصول على موافقة نهائية من البلدين وتحديد موعد رسمي للإعلان عنها". وكان مقرراً أن يصدر قبل أسابيع، لكنه أُجِّل بسبب التصعيد الإقليمي المرتبط بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وبحث السوداني مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في نيويورك الإثنين الماضي، ملف التحالف الدولي. وبحسب بيان للمكتب الإعلامي للسوداني، ناقش اللقاء "ملف التحالف الدولي وتواصل الحوارات لإنهاء تواجده في العراق والانتقال إلى بناء علاقات تعاون ثنائية مع دول التحالف في مختلف المجالات والقطاعات".
ظافر العاني: إيران والمليشيات الولائية لا تحبذ خروجاً أميركياً نهائياً من العراق
في السياق، قال النائب السابق ظافر العاني: "في العلاقة مع الأميركيين، كان هناك التفاف على اللغة ومراعاة للوضع الداخلي وتجنباً لإحراج الحكومة أمام تحالف الإطار التنسيقي، والتصريحات العراقية تختلف عن التصريحات الأميركية"، مبيناً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "الأميركيين يتحدثون عن انسحاب جزئي بطيء المدى زمنياً، والموقف العراقي تمحور على أن العراق لم يعد بحاجة لقوات التحالف الدولي وأنه يفضل علاقة أمنية ثنائية مع واشنطن". وتوقع العاني أن تكون "الترتيبات الأمنية المقبلة مع واشنطن حصراً، بعيداً عن إطار التحالف الدولي، وهو ما يعكس من الناحية الواقعية ما هو حاصل أصلاً"، باعتبار أن التحالف الدولي يعني الولايات المتحدة. وأشار إلى أن "إيران والمليشيات الولائية لا تحبذ خروجاً أميركياً نهائياً من العراق، لأنه يحرمها ورقة ضاغطة تتعلق بالملف النووي والعقوبات الاقتصادية على طهران. وليس لدينا قلق من انسحاب الأميركيين، لأن بوجودهم نمت المليشيات تحت أعينها، وأن خروجهم سيحجب التعاطف الشعبي مع المليشيات لأنه لا مبرر لبقائهم هم أيضاً".
من جهته، أوضح المستشار السابق لرئيس حكومة إقليم كردستان كفاح محمود أن "انسحاب أو إنهاء دور التحالف الدولي لا يعني الانسحاب الكلي للأميركيين، أو، بصيغة أدق، لا يعني انسحاب المشروع الأميركي في العراق". وأكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "هناك توافقاً على انسحاب قوات التحالف الدولي حتى نهاية عام 2026، لكن الوجود الأميركي سيستمر لأسباب أمنية كثيرة، وأن القلق السني والكردي، وحتى الشيعي، من الانسحاب سببه المليشيات المسلحة التي تسببت بانفلات الأمن في كل مناطق العراق". وأضاف محمود أن "الأميركيين لن ينسحبوا بالكامل من العراق، لأنهم أصحاب مشروع تحرير العراق، وهناك اتفاق إطاري استراتيجي بين بغداد وواشنطن، وليس من المنطقي أن تنسحب واشنطن بهذه السهولة وقد خسرت آلاف الملايين كما أنها تخشى تغول الفصائل المسلحة، في حين أن الحكومات العراقية تدرك أن الأسلحة التي بحوزة العراق وما سيجرى استيراده في حاجة إلى خبراء وفنيين أميركيين، لكن الحكومة العراقية وللأسف تخضع لرأي المليشيات، وللأسف أيضاً، ترتدي عباءة الحشد الشعبي، مع العلم أن الحشد براء منهم".
مهند سلوم: أميركا لن تخرج من العراق في المستقبل المنظور
بدوره، أشار أستاذ الدراسات الأمنية في معهد الدوحة للدراسات العليا مهند سلوم إلى أن "أميركا لن تخرج من العراق في المستقبل المنظور، وأن الانسحاب الذي يجرى الحديث عنه هو فني، بمعنى أن هناك قوات قتالية ستنسحب أو تنتقل الى إقليم كردستان"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "وجود الولايات المتحدة العسكري باق على شكل طيران وطائرات وفيلق حماية السفارة وأمور أخرى".
أميركا باقية في العراق
وحول الانسحاب الأميركي من العراق لفت سلوم إلى أن "الوجود الأميركي باق في العراق تحت مسميات مختلفة من بينها الشركات الأمنية الخاصة، وذلك على الرغم من أن إيران فاعل قوي ومؤثر في العراق، لكنها فاعل مختلف عن الولايات المتحدة، ولديها أوراق مهمة تستخدمها في العراق تتعلق بالأمن الاقتصادي والشرعية الدولية ومكافحة الإرهاب وغيرها". ورأى أن "الفصائل المسلحة تبحث عن نصر شكلي، لهذا تضغط على الحكومة التي هي جزء منها للاستحصال على انسحاب أميركي، وفي الواقع، هذه الفصائل تعرف جيداً أن الانسحاب الأميركي من العراق ليس في مصلحتها، وسيؤثر سلباً على قدرة العراق على مواجهة داعش".
واتفقت بغداد وواشنطن في جولة الحوار الثانية التي جرت في واشنطن نهاية يوليو/ تموز الماضي على التزام الولايات المتحدة بتطوير قدرات العراق الأمنية والدفاعية وتعميق التعاون الأمني الثنائي في جميع المجالات، فيما أكدت حكومة بغداد التزامها المطلق بحماية الأفراد والمستشارين والقوافل والمرافق الدبلوماسية للولايات المتحدة ودول التحالف الدولي في العراق. ويستند حوار التعاون الأمني المشترك بين بغداد وواشنطن إلى إنشاء لجنة ثنائية عسكرية تقوم على تقييم الأوضاع في العراق، لتقرير انتهاء مهمة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في العراق منذ عام 2014، وهو مطلب رئيس للقوى السياسية الحليفة لإيران في العراق. وتنتشر قوات التحالف في ثلاثة مواقع رئيسية بالعراق، هي قاعدة عين الأسد الواقعة على بعد 130 كيلومتراً من مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، غربي البلاد، وقاعدة حرير، شمالي أربيل، ضمن إقليم كردستان العراق، إلى جانب معسكر فيكتوريا الملاصق لمطار بغداد، الذي توجد فيه وحدة مهام وتحليل معلومات استخبارية، فضلاً عن السفارة الأميركية وسط بغداد.