نذر تصعيد في الشيخ جرّاح وسلوان: هجمة اعتداءات واستفزازات للمستوطنين وشرطة الاحتلال

15 يناير 2022
تشهد بلدة سلوان تصعيداً في عمليات الهدم (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

تنذر التطورات الأخيرة في حي الشيخ جرّاح، شمالي البلدة القديمة من القدس المحتلة، وفي بلدة سلوان إلى الجنوب من المسجد الأقصى، بتصعيد جديد في هاتين المنطقتين اللتين تشهدان منذ مطلع العام الحالي تزايداً لاعتداءات المستوطنين وشرطة الاحتلال الإسرائيلي على المقدسيين فيهما، والتي أصبحت تحصل بوتيرة يومية.

كما تشهد بلدة سلوان وحي الشيخ جرّاح تصعيداً في عمليات الهدم وإخلاء المنازل وتهديد المواطنين بالاستيلاء على مزيد من العقارات، بينما يقف الأهالي هناك وحيدين في مواجهة هذه الهجمة الجديدة ضدهم. وتؤشر الحرب الشاملة على الفلسطينيين، والمقدسيين خصوصاً، من قبل المستوطنين وقياداتهم، والتي تتكثف بشكل غير مسبوق، إلى أن انفجار الوضع في مدينة القدس بات أقرب من أي وقت مضى.

استفزازت المستوطنين في الشيخ جرّاح

وفي هذا السياق، لم تتوقف اقتحامات واعتداءات المستوطنين ومسيراتهم الاستفزازية منذ بداية العام، وكان آخرها ما حدث قبل أيام في حي الشيخ جراح، ومحاولة اقتحام منزل الحاجة فاطمة السالم في القسم الغربي من الحي المقدسي، وهو منزل جمّدت محكمة تابعة للاحتلال قرار إخلائه في أواخر العام الماضي.

تنفذ شرطة الاحتلال حملة دهم يومية لمنازل الشطر الغربي من الشيخ جرّاح المعروف بكبانية أم هارون

ويتحدث المحلل السياسي والإعلامي المقدسي راسم عبيدات، لـ"العربي الجديد"، عن سلسلة طويلة من الاعتداءات التي تعرض لها المقدسيون أخيراً، والتي ارتفعت وتيرتها، ومنها مثلاً إلقاء مستوطن، يوم الأحد الماضي، حجراً على سيارة المواطنة المقدسية عبير أبو جمل، شقيقة الشهيد علاء أبو جمل، أثناء مرور أبو جمل بالقرب من حاجز الجيب العسكري المقام شمال غربي القدس، ما تسبب بإصابتها بكسر في فكّها.

كما تشمل قائمة الاعتداءات عمليات هدم لمنازل المقدسيين، طاولت منذ بداية العام الحالي 11 بناية ومنشأة سكنية مقدسية، بمعدل واحدة في اليوم، ثم الإعلان عن مخطط لمشروع استيطاني كبير على أرض قرية صور باهر. ويتضمن المشروع بناء 1465 وحدة سكنية استيطانية على أراضي القرية الواقعة جنوب القدس. ويرى عبيدات أن كلّ هذا التصعيد يوشك أن يفجّر الأوضاع مجدداً في عموم القدس التي باتت وأهلها على صفيح ساخن.

جرّ أهالي الشيخ جرّاح للمواجهة

منذ بداية 2022، يعيش أهالي حي الشيخ جرّاح بشطريه الشرقي والغربي أوقاتاً عصيبة، تحمل معها كل يوم اعتداءات جديدة للمستوطنين، بمشاركة أحياناً من أعضاء الكنيست الإسرائيلي من اليمين المتطرف ورؤساء جمعيات استيطانية. فيوم الإثنين الماضي اقتحم عضوان من الكنيست، هما إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، برفقة مستوطنين، الحي، وجالوا في الشطر الشرقي منه بطريقة استعراضية، وسط إطلاق تهديدات للأهالي بطردهم من منازلهم بادعاء ملكيتهم لها.

واعتدى المقتحمون على سكّان الحي ونشطاء ومتضامنين معهم، الذين تصدوا لاستفزازات المستوطنين، من دون أن تحرك شرطة الاحتلال ساكناً، بل أمنّت مثل كل مرة الحماية للمستوطنين.

ويشدّد أهالي حي الشيخ جرّاح على أن حياتهم باتت في خطر شديد، بسبب ممارسات المستوطنين وشرطة الاحتلال التي تفي بقسطها من التنكيل بالأهالي واعتقال أبنائهم. ويزداد الخطر بعدما أقام المستوطنون على أسطح المباني التي استولوا عليها سابقاً شبكة مراقبة متطورة لرصد التحركات في ساحات بيوت العائلات المهددة بالإخلاء، وفي الدائرة الواسعة من محيطها.

ويحذّر الناشط المقدسي محمد أبو الحمص، وهو ممن تعرضوا للاعتداء عليهم في الحي، من أن ما يجري من تطورات خطير جداً، وينذر بعودة المواجهات في حي الشيخ جرّاح بعدما فشلت محاكم الاحتلال في إصدار قرار يخلي عائلات الحي. ويعني ذلك، بحسب ما يؤكد أبو الحمص لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال ومستوطنيه يحاولون استدراج أهالي الشيخ جرّاح إلى موجة جديدة من المواجهة.

"كبانية أم هارون"... لا شعور بالأمان

الحال ذاته من انعدام الشعور بالأمان بات يعانيه أيضاً أهالي الشطر الغربي من حي الشيخ جرّاح في المنطقة المعروفة بـ"كبانية أم هارون"، بسبب اعتداءات المستوطنين عليهم وتنكيل شرطة الاحتلال بهم، عبر تنفيذها حملة دهم يومية لمنازلهم واعتقال أبنائهم.

وفي هذا الصدد، تشرح المواطنة المقدسية أم رمضان السعو، في حديث لـ"العربي الجديد"، كيف أن المستوطنين قاموا في الآونة الأخيرة بحرق متعمد لمركباتهم، كان الهدف منه استفزاز أهالي الحي ورمي تهمة الحرق عليهم، وتشير إلى أنهم نجحوا في ذلك، إذ اعتقلت قوات الاحتلال ثلاثة من أبنائها، هم معتز وأحمد ورمضان السعو، بالإضافة إلى الشاب محمد مطور، وهو من أبناء الحي أيضاً، بزعم حرق سيارة للمستوطنين.

كما تروي أم رمضان كيف استفز مستوطنون آخرون الأهالي، عبر تصويرهم وتوجيه الشتائم لهم، وإطلاق الهتافات العنصرية مثل "الموت للعرب"، فيما تتقاعس شرطة الاحتلال عن وقف هذه التعديات.

وكان أرييه كنغ، نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس، والذي يعدّ عرّاب الاستيطان في حي الشيخ جرّاح خصوصاً، قد حضر إلى الحي قبل نحو شهر. وسلّم كنغ يومها الأهالي 10 أوامر إخلاء لمنازل فلسطينية في جورة المقاع بـ"كبانية أم هارون"، تسكنها حوالي 23 عائلة يزيد عدد أفرادها عن 180 شخصاً.

وتخلل الاقتحامَ اشتباك بالأيدي وجدل وتلاسن بين أهالي الحي الفلسطينيين من جهة، والمستوطنين والقوات التي تحرس كنغ وأفراداً من شركة "شاباري" الاستيطانية من جهة أخرى، خصوصاً عندما رفض أهالي الحي تسلم أوامر الإخلاء غير القانونية. وصمّم كنغ ومن معه على تصوير الاقتحام وعملية التسليم وإلقاء أوامر الإخلاء.

وتضمن قرار الإخلاء مجموعة من الأوراق الصادرة عن محاكم الاحتلال المركزية والصلح، وأيضاً أوراق بيع حارس أملاك الغائبين أملاك المواطنين إلى المستوطنين والشركات الاستيطانية.

وتعود ملكية هذه الأراضي إلى وقف ذري لعائلتي معو السعد وحجازي، استولى عليها ما يسمى بحارس أملاك العدو، كباقي الأراضي الفلسطينية، لتحويلها وتسريبها للمستوطنين ضمن خطة تهويد شرقي القدس المحتلة وترسيخ ضمّها إلى "الكيان". ومن بين العائلات التي وجهت إليها أوامر إخلاء من منازلها عائلات بدر أبو الدولة، مصطفى الخطيب، عاصم البشيتي، حسين الكسواني، فاطمة سالم، وجمال محمود محسين.

يمهد الاحتلال لبناء حي استيطاني ضخم في الشيخ جرّاح يضم أكثر من 400 وحدة استيطانية

وتبلغ مساحة هذه المنازل القديمة المهددة بالإخلاء، والتي بنيت في مطلع القرن الماضي، نحو 15 دونماً، من أصل نحو 80 دونماً تنوي الجمعيات الاستيطانية إخلاء أهلها وهدمها تمهيداً لبناء حي استيطاني ضخم يضم أكثر من 400 وحدة استيطانية، وذلك بعد إلحاقها بالأراضي المجاورة في كرم المفتي وفندق "شيبرد" وأرض مشروع وكالة الغوث والحكومة الأردنية والحديقة.

سلوان مستهدفة أيضاً

وارتباطاً بما يجري في حي الشيخ جرّاح، فإن الأوضاع في بلدة سلوان، جنوبي المسجد الأقصى، باتت بدورها مرشحة للتصعيد الخطير. ويتعرض أهالي البلدة يومياً لعمليات هدم لمنازلهم، كما تصلهم باستمرار إخطارات بهدم عشرات المنازل في أحياء البلدة المختلفة، سواء في البستان أو بطن الهوى أو عين اللوزة.

إضافة إلى ذلك، فإن شبح السيطرة على عقار مملوك لعائلة سمرين المقدسية يلقي بثقله على البلدة، بعدما طالب النائب العام الإسرائيلي أفيخاي مندلبليت بإخلاء هذا العقار من أهله الأصليين وتسليمه للمستوطنين.

ويقع العقار المذكور داخل البؤرة الاستيطانية المسماة "مدينة داوود" المقامة عند مدخل وادي حلوة، في الجهة الجنوبية من المسجد الأقصى، ويتكون من أربع شقق ويقطنه 18 شخصاً، معظمهم من الأطفال.

وبدأت قصة عائلة سمرين مع الجمعيات الاستيطانية في عام 1991، بعد رفع قضية إخلاء ضدهم من قبل شركة "هيمونتا" الإسرائيلية، والتي تعتبر إحدى شركات "الصندوق القومي اليهودي"، بادعاء ملكية العقار.

وكانت سلطات الاحتلال قد حولت ملكية المنزل في عام 1983 ونقلتها إلى ما يسمى بحارس أملاك الغائبين، بعد وفاة الجد الأكبر للعائلة موسى عبد الله سمرين، بادعاء أن أبناء الحاج موسى يعيشون في الأردن وليس لديه ورثة داخل الأراضي الفلسطينية، على الرغم من أن محمد سمرين، ابن شقيق الحاج موسى، كان قد عاش معه في المنزل، واشتراه من الأخير قبل وفاته.

المساهمون