يتسع نطاق التصعيد العسكري من قبل النظام السوري والجانب الروسي في الشمال الغربي من سورية، بعد نحو عام من الهدوء النسبي، مع اقتراب موعد العديد من الاستحقاقات السياسية الخاصة بالملف السوري خلال الصيف الحالي. وكان لافتاً أن قوات النظام السوري قصفت أمس السبت بالمدفعية الثقيلة بشكل مباشر إحدى النقاط التركية المتمركزة في قرية معرزاف في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، وفق ناشطين محليين، أكدوا أنّ قذيفتين سقطتا على ساتر النقطة التركية، ما أدى لوقوع أضرار مادية من دون تسجيل إصابات.
كما واصلت قوات النظام القصف المدفعي على العديد من القرى والبلدات في ريف إدلب أمس السبت، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخرين بجروح في قرية كفرلاته في منطقة جبل الأربعين بريف إدلب الجنوبي. وطاول القصف أيضاً بلدة كفرعويد في جبل الزاوية جنوبي إدلب، بأكثر من 15 قذيفة مدفعية، ما تسبب بأضرار مادية. كذلك استهدفت قوات النظام بالرشاشات المتوسطة والثقيلة حرش بينين جنوبي إدلب. وكانت قوات النظام قد ارتكبت مجزرة الخميس الماضي في قرية إبلين في منطقة جبل الزاوية بالتزامن مع ذكرى انشقاق المقدم حسين الهرموش عن قوات النظام والمنتمي لهذه القرية. ويعد الهرموش أول ضابط برتبة رفيعة ينشق عن هذه القوات، ولا يزال مصيره مجهولاً منذ اختطافه من تركيا في عام 2011 من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري.
مقتل شخص وإصابة آخرين بجروح في قرية كفرلاته
وجرت العادة أن يلجأ النظام والجانب الروسي إلى التصعيد العسكري قبيل الاستحقاقات السياسية المهمة في الملف السوري للحصول على مكاسب. وأبرز الاستحقاقات المقبلة، اللقاء الذي سيجمع الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في جنيف، في 16 يونيو/ حزيران الحالي، ومن المقرر أن يكون الملف السوري حاضراً على طاولة التباحث. وخلال الشهر المقبل، ينظر مجلس الأمن الدولي في تجديد آلية إدخال المساعدات الدولية إلى الشمال الغربي من سورية، وهو ما يرفضه الروس الساعون إلى إدخال هذه المساعدات من معابر حدودية تقع تحت سيطرة النظام خصوصاً مع لبنان والأردن في محاولة لإعادة تأهيل هذا النظام إقليمياً ودولياً، وهو ما يلقى رفضاً غربياً حتى اللحظة. كما من المقرر عقد الجولة 16 من محادثات مسار أستانة خلال الصيف الحالي في العاصمة الكازاخية.
وطفت على السطح أخيراً مخاوف جدية في الشمال الغربي من سورية، من تقدّم قوات النظام بدعم جوي روسي برياً في عمق محافظة إدلب، في حال عدم حصول الطرفين على مكاسب سياسية، لا سيما لجهة موضوع المعابر الداخلية التي تربط بين مناطق النظام ومناطق المعارضة في عموم الشمال السوري. ولطالما كان الوصول إلى الطريق الدولي "أم 4" الواصل بين مدينة اللاذقية في غربي البلاد، ومدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري، أولوية لدى النظام وداعميه الروس والإيرانيين.
وفشلت كل الجهود الروسية في العامين الأخيرين في استعادة الحركة التجارية على هذا الطريق الحيوي، على الرغم من الاتفاقات المتكررة مع الجانب التركي، آخرها اتفاق موسكو الذي أبرم في مارس/ آذار من العام الماضي، وثبّت وقف إطلاق للنار في محافظة إدلب، وتشير المعطيات إلى أنه ربما ينهار خلال هذا الصيف في حال عدم توصل الروس والأتراك والأميركيين لتفاهمات جديدة حيال العديد من الملفات السياسية والإنسانية. وسيّر الجانبان الروسي والتركي دوريات مشتركة على هذا الطريق بعد اتفاق موسكو، تمهيداً لاستعادة الحركة عليه، إلا أنّ هذه الدوريات توقفت أواخر العام الماضي، بسبب رفض شعبي لأي دور روسي في الشمال الغربي من سورية.
الطريق "أم 4" هو الهدف الرئيسي لقوات النظام
ويكاد يُجمع المحللون العسكريون وقياديون في فصائل المعارضة على أن الطريق "أم 4" هو الهدف الرئيسي لقوات النظام والمليشيات الإيرانية والمحلية المساندة لها، والجانب الروسي، وهو ما يتطلب من هذه القوات انتزاع السيطرة على مناطق ومدن مهمة لا يمكن لفصائل المعارضة السورية التخلي عنها بأي حال من الأحوال، لأن خسارتها تعني نهاية دور هذه الفصائل في محافظة إدلب والشمال الغربي من البلاد برمته.
وفي هذا الصدد، قال المحلل العسكري، العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد": "من ناحية التقدم البري، فإنه يكون باتجاه المحور الذي مُهّد عليه نارياً بالقصف المدفعي والصاروخي واستطلاعه عبر الطيران أخيراً"، مضيفاً: "هدف النظام فتح الطريق الدولي أم 4". وأوضح أن النظام "لا يمكنه فتح هذا الطريق من دون السيطرة على منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، كونها الحاكمة لهذا الطريق"، مضيفاً: "لا تتم السيطرة على هذا الطريق إلا بالسيطرة على مدينتي جسر الشغور في ريف إدلب الغربي وأريحا في ريف إدلب الجنوبي والمنطقة الواصلة بينهما". كما أشار إلى أنه "في حال تقدم قوات النظام برياً، لا بد من محاولة استعادة منطقة الكبينة في ريف اللاذقية الشمالي كونها خاصرة مدينة جسر الشغور"، متوقعاً أن "تهاجم قوات النظام على أكثر من محور قتال في الشمال الغربي من سورية لتحقيق تقدم، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، فهو معقد جداً وله أبعاد سياسية".
وفي السياق نفسه، رجّح النقيب عبد السلام عبد الرزاق، وهو قيادي في فصائل المعارضة السورية في الشمال الغربي من سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تحاول قوات النظام والمليشيات التابعة لها التقدّم برياً في ريف اللاذقية الشمالي، ولكن المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام في هذا الريف محصنة بشكل جيّد". وأشار عبد الرزاق إلى أنّ منطقة جبل الزاوية "هدف لقوات النظام والجانب الروسي"، موضحاً أنّ "اهتمام هذه القوات منصبّ على الطريق الدولي أم 4 ومدينتي أريحا وجسر الشغور، ولكن الجيش التركي قادر على منع هذه القوات من التقدم في حال أراد ذلك".
وكانت مصادر في فصائل المعارضة قد ذكرت أنّ الجيش التركي الذي نشر آلاف الجنود في عموم محافظة إدلب خلال العام الماضي، سحب خلال الأيام الماضية جميع الآليات العسكرية والجنود من داخل نقطته العسكرية المتمركزة في بلدة رام حمدان إلى نقطتين في بلدتي البارة وكنصفرة ضمن منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، وذلك لتدعيم نقاط القوات التركية الموجودة في المنطقة، والقريبة من خطوط التماس مع قوات النظام.