أقال رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، اليوم الإثنين، 5 وزراء كان يريد استبدالهم منذ 26 يناير/كانون الثاني الماضي في التعديل الوزاري، لكنه لم يتمكن من ذلك.
وكان المشيشي قدّم لائحة لتعديل وزاري تضم 11 حقيبة إلى البرلمان، لكن على الرغم من تمرير البرلمان التعديل الوزاري، إلا أن رفض الرئيس التونسي قيس سعيد أداء الوزراء الجدد اليمين أمامه بسبب ما وصفها بشبهات فساد وتضارب مصالح بشأن عدد منهم، على الرغم من عدم وجود أي دليل قضائي، أو اتهامات رسمية، على ذلك، عطّل التعديل الوزاري.
وضمّت لائحة الوزراء، الذين أقالهم المشيشي من مهامهم، اليوم، بحسب البيان الحكومي، كلاً من وزير العدل محمّد بوستّة، ووزيرة الصناعة والطاقة والمناجم سلوى الصغيّر، ووزير الشباب والرياضة والإدماج المهني كمال دقيش، ووزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية ليلى جفال، ووزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عاقصة البحري. وتم تكليف وزراء من الحكومة الحالية بالإشراف على الوزارات المذكورة بالنيابة، بالإضافة إلى مهامهم الأصلية.
وأكدت رئاسة الحكومة التونسية أنّها "تبقى منفتحة على كلّ الحلول الكفيلة باستكمال إجراءات التحوير الوزاري، ليتمكّن الوزراء من مباشرة مهامهم، في إطار الدستور".
وللتذكير، فإن المشيشي كان قد أقال قبل التعديل الحكومي كلاً من وزير الداخلية توفيق شرف الدين ووزير البيئة مصطفى العروي (الذي يتم التحقيق معه حالياً)، ووزير الثقافة وليد الزيدي، وقام بتقسيم وزارة الصناعة والطاقة إلى وزارتين.
ولم يبعد المشيشي وزير الصحة فوزي المهدي، على الرغم من أنه قام بتغييره في التعديل المقترح، وذلك حتى لا يُتّهم بتعطيل مرفق الصحة في قلب أزمة كورونا.
ويعترض سعيد على التعديل الحكومي عموماً واستبعاد وزراء قريبين منه، ولكنه يعترض في الظاهر على تعيين أربعة وزراء جدد بسبب ما وصفها بشبهات فساد، وهم وزراء الصناعة والطاقة والصحة والتشغيل، من دون أن يعلن عن ذلك صراحة.
وتمثل هذه الإقالات خطوة تصعيدية من طرف المشيشي، تؤكد موقفه القاضي باستبعاد الوزراء المذكورين والمحسوبين بغالبيتهم على الرئيس سعيد، وتحرج سعيد نسبياً أمام الرأي العام بتعطيله الوزارات المذكورة، التي تبقى محدودة الحركة والفاعلية بحكم أنها تدار من وزير مؤقت غير متفرغ لها تماماً.
ويوجه المشيشي رسالة جديدة لسعيد، مفادها أنه لا فائدة من تعطيل التعديل الحكومي، وأن الوزراء المعنيين تم استبعادهم في نهاية الأمر.
وكان المشيشي طلب، أخيراً، رسمياً من الرئيس سعيد إعلامه بأسماء الوزراء المتحفظ عليهم، والذين يرى أنه تحوم حولهم شبهات، وعطّل التعديل بسببهم، ولكن الردّ يبقى مستبعداً جداً لأن ذلك سيحمل اتهامات رسمية لهذه الشخصيات، ما يحمل تبعات قانونية على سعيد، بتوجيه اتهامات لا إثبات قانونياً لها.
وينتقد مراقبون في تونس موقف الرئيس سعيد، بسبب تأويله الخاص للدستور وامتناعه عن تنفيذ خطوة دستورية أقرها البرلمان بمنح الثقة للوزراء، بالإضافة إلى تنصيب نفسه سلطة قضائية وتوجيه اتهامات لشخصيات من دون إثبات قانوني.
ويلقى المشيشي دعماً متواصلاً من حلفائه في البرلمان، "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة"، الذين جدّدوا في بيانات لهم دعمهم حكومته، بينما تتواصل الأزمة على مستويات عدة، برلمانياً وشعبياً، حيث أثيرت أخيراً تهديدات بالنزول إلى الشارع، في حين رفع معارضو الائتلاف الحاكم ورقة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي مجدداً.
وتعليقا على هذا القرار، اعتبر بيان لحزب "الأمل" الذي تقوده مديرة ديوان الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، سلمى اللومي، أن هذا القرار "خطوة أولية إيجابية لتجنب، ولو جزئياً، التعطيل والشلل الذي أصاب دواليب تسيير الدولة إثر حالة الانسداد الناتجة عن الاختلاف العميق، خصوصاً بين رئاستي الجمهورية والحكومة حول إجراء التحوير الوزاري".
ودعا الحزب إلى الإسراع فعلياً في استكمال المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية كأولوية مطلقة مع دعوة كل الأطراف المعنية بها إلى الابتعاد عن منطق المحاصصة وسياسة السعي إلى الهيمنة وبسط اليد عليها، كما دعا "كل الأطراف الوطنية إلى إطلاق حوار وطني سياسي واقتصادي واجتماعي في أقرب الآجال للخروج من وضع الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد منذ فترة طويلة".
واعتبر رئيس البرلمان ورئيس "حركة النهضة"، راشد الغنوشي، أنّ إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي 5 وزراء يُعتبر "خطوة مؤقتة وليس حلاً دائما” داعياً إلى استكمال "بناء المحكمة الدستورية لأنّها هي المخول لها الحسم في الخلاف". وأشار إلى أن "المشيشي يتّجه لحلّ جزئي يتمثل في التوفيق بين الجانب الدستوري ورعاية المصلحة… هو لا يتجه لفرض إرادته أو للمرور بقوّة وإنّما يتحرك في إطار الدستور".
وقال الغنوشي، في تصريح للصحافيين: "نحن عاملون على تسريح هذه العطالة وهناك مساعٍ لإرساء المحكمة الدستورية"، مضيفاً: "إلى أن يتم إرساء المحكمة الدستورية، يجب أن تتعامل الأطراف المعنية بمرونة حتى لا تتعطل مصالح الدولة والمجتمع".
في السياق، وصف رئيس كتلة "قلب تونس" بالبرلمان، أسامة الخليفي، قرار رئيس الحكومة بإعفاء عدد من الوزراء وتكليف وزراء آخرين الإشراف على وزاراتهم بالنيابة بـ "القرار في الاتجاه الصحيح، هدفه تحسين أداء الحكومة عقب تعطيل التحوير الوزاري الأخير بما يضمن استمرارية الدولة"، وفق تعبيره.
ودعا الخليفي، البرلمان، في تصريحات صحافية نقلتها إذاعة "موزاييك"، إلى جعل مسألة إرساء المحكمة الدستورية أولوية مطلقة لعمله في المرحلة المقبلة.
وفي المقابل، انتقد النائب عن "الكتلة الديمقراطية" المعارضة، زهير المغزاوي، خطوة المشيشي، واصفاً إياها بـ "الهروب إلى الأمام". واعتبر المغزاوي أنّ قرار المشيشي "لن يحلّ الأزمة، وذهب من خلاله إلى التصعيد ومزيد من تأزيم الوضع وتعفينه، واليوم نعيش أزمة كبيرة وأخلاقية".
وفي منشور، على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، اعتبر وزير الصحة السابق، عبد اللطيف المكي (حركة النهضة) أن "الأزمة الحكومية ستزيد الطين بلة، وهي تتوجه الآن لخلق أزمة دبلوماسية مع دول هامة لطالما ساعدت تونس، وإلى مزيد من تدهور تصنيف البلاد ماليا وإلى تهديد آليات تمويل البلاد خارجيا".
واتهم المكي جهات سياسية لم يسمها بـ"تعطيل الإنتاج والتشجيع على ذلك، ضمن استراتيجيتها لإسقاط السقف على الجميع لتثبت فشل الثورة والديمقراطية وتتصور أنها ستكون بديلاً عندما يحل الخراب”. ودعا المكي الفرقاء إلى شيء من المسؤولية، معتبراً أن “الحل الوسط موجود وموضوع على الطاولة".
وقال المحلل السياسي، عبد اللطيف الحناشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن إعفاء 5 وزراء وتكليف آخرين بمهامهم بالنيابة "يعتبر خطوة إيجابية خاصة أمام الأزمة الدستورية والسياسية والصعوبات الاقتصادية، وهي محاولة لترطيب الأجواء والحد من الاحتقان الموجود".
وأوضح الحناشي أنها "خطوة عقلانية وتعبر عن الوطنية سواء من قبل رئيس الحكومة أو الوزراء المكلفين بالنيابة لأن قبولهم تحمّل المسؤولية في هذا الوضع عمل وطني، ويبدو أنها جاءت بعد اجتماعات رئيس الحكومة بالخبراء والمختصين والأحزاب نهاية الأسبوع الماضي، وهي التي قد تكون نصحت المشيشي بهذه الخطوة".
وأضاف الحناشي أنه "خلافاً لمن يرى في ذلك إثقالاً لكاهل الوزراء (بتكفلهم بوزارتين في نفس الوقت)، فإن منصب الوزير سياسي بالأساس وإن الإجراءات تتم بالتنسيق مع رئيس الديوان والأعضاء المساعدين له، كما أنه إجراء وقتي في انتظار الوصول إلى حل جذري وتوضح الرؤية، وبالتالي فمهمة الوزراء بالنيابة لن تكون صعبة وهناك عدة تجارب لوزراء بالنيابة في الماضي".
وبيّن أن الإدارة التونسية إدارة متمرسة ولن تتعطل، مشيراً إلى أنه "ليس من السهل أن يقبل الوزراء بهذه المسؤوليات المزدوجة وقبولهم دليل على عقلانيتهم ووطنيتهم"، مؤكداً أن رئيس الجمهورية لم يقدم أسماء الوزراء الذين يتحفظ عليهم، لأن ذلك يتطلب إدانة قضائية وهذا لم يحصل.