لم تتراجع وتيرة التصعيد التركي على الشمال الشرقي من سورية، والذي بدأ بالتزامن مع تصعيد مماثل من قبل قوات النظام السوري على الشمال الغربي، تشير المعطيات الميدانية إلى أنه ينحسر بعد مقتل وإصابة العشرات من المدنيين وتدمير منشآت ومرافق حيوية.
ليلة دامية لـ"الأسايش" الكردية
وقصف الطيران التركي، أمس الاثنين، قرية تابعة لبلدة الدرباسية في ريف القامشلي أقصى الشمال الشرقي من سورية، ما أدى إلى إصابة عدد من الفلاحين كانوا يعملون في أراضيهم، وفق مصادر محلية. وجاء القصف بعد ليلة دامية، حيث قتل وأصيب العشرات من عناصر قوى الأمن الداخلي "الأسايش" التابعة لـ"الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية، الذراع الإدارية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) منتصف ليل الأحد – الاثنين، جراء قصف جوي تركي طاول مركز تدريب لهذه القوى.
وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان، إنه تم "تدمير ستة مواقع للإرهابيين في عملية جوية شنتها على شمال سورية مساء الأحد"، مشيرة إلى أن من بين المواقع المستهدفة "منشأة نفطية ومخابئ، يعتقد أنها كانت تحتضن إرهابيين يحملون صفات قيادية". كما أشارت إلى "أنه تمّ تحييد العديد من الإرهابيين باستخدام ذخيرة محلية ووطنية إلى حد كبير في العمليات التي تم تنفيذها"، معتبرة هذه العمليات تتماشى "مع حق تركيا المشروع بالدفاع عن النفس المنبثق من المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، من أجل القضاء على الهجمات الإرهابية الصادرة من شمالي سورية ضد الشعب وقوات الأمن، وضمان أمن الحدود".
تعرض أكثر من 146 موقعاً في مناطق ومدن شمالي وشرقي سورية لقصف تركي عنيف بالطائرات والمسيّرات، منذ الخميس وحتى الأحد
من جهتها، أكدت "الأسايش" في بيان أن طائرة حربية تركية استهدفت مساء الأحد مركزاً لهذه القوى في ناحية كوجرات بريف الحسكة، مشيرة إلى مقتل وإصابة عدد من عناصرها. وفي الشأن ذاته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 20 على الأقل من العسكريين قتلوا في هذا الاستهداف، فضلاً عن وجود عشرات الجرحى بعضهم في حالة حرجة، موضحاً أن المكان المستهدف مركز للتدريب.
ووفق مصادر إعلامية مقربة من "قسد"، تعرض أكثر من 146 موقعاً في مناطق ومدن شمالي وشرقي سورية لقصف تركي عنيف بالطائرات والمسيّرات، منذ الخميس وحتى أول من أمس الأحد، طاول بنى تحتية ومنشآت حيوية وآبار نفط وغاز، ومحطات مياه ومحطات كهرباء، وفق المصادر.
وكان الجيش التركي بدأ حملة قصف بالطيران المسيّر على أهداف ومواقع تتبع لـ"قسد" عقب هجوم على وزارة الداخلية التركية في أنقرة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أُتهمت أنقرة هذه القوات بأن لها صلة به (تبنى التفجير حزب العمال الكردستاني). ولكن "قسد" التي تعتبرها أنقرة جناحاً سورياً لـ"العمال الكردستاني" نفت أي علاقة لها بالهجوم، متهمة الجانب التركي بالبحث عن ذرائع لاستهداف الشمال الشرقي من سورية بشكل دائم.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أكدت الخميس الماضي أن مقاتلة أميركية من طراز "أف 16" أسقطت طائرة تركية مسيّرة كانت تعمل بالقرب من القوات الأميركية في سورية، مشيرة إلى أن إسقاط المسيّرة جاء "كإجراء مناسب لحماية القوات الأميركية" التي تنتشر في شمال شرقي سورية. ويُعتقد أن إسقاط المسيّرة كان رسالة أميركية للجانب التركي بمعارضة أي عملية عسكرية برّية تلوّح بها أنقرة منذ سنوات لتقويض "قسد" أو إبعادها عن الحدود.
وكان عضو الهيئة التنفيذية لحزب الاتحاد الديمقراطي، سيهانوك ديبو، نفى في حديث مع "العربي الجديد" أن يكون لـ"الإدارة الذاتية" أي علاقة بالهجوم الذي حصل على مبنى وزارة الداخلية التركية في أنقرة، وقال إن هذه الاتهامات في غير محلها و"تفتقد المصداقية"، مؤكداً أن "الإدارة الذاتية" ليست خطراً على أمن أي بلد.
هدوء حذر في إدلب
وفي الشمال الغربي من سورية، ساد هدوء حذر في محافظة إدلب ومحيطها، أمس، بعد أيام من تصعيد عسكري من قبل قوات النظام أدى إلى مقتل وإصابة العشرات وتدمير مرافق ومنشآت حيوية تخدم نحو 4 ملايين مواطن يقطنون المحافظة جلّهم نازحون.
واعتبرت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام هذا التصعيد "ثأراً" لمقتل عدد من العسكريين والمدنيين في هجوم استهدف الخميس الماضي حفل تخريج طلاب ضباط الكلية الحربية التابعة للنظام في حمص، تؤكد الدلائل أن لا علاقة لأي فصيل في شمال غربي سورية به. وردت فصائل المعارضة السورية في شمال غرب سورية على تصعيد النظام باستهداف مناطق ومواقع تابعة للنظام السوري في أرياف حلب واللاذقية وحماة وإدلب.
وأعرب العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "الرد الموجع على مواقع قوات النظام سبب رئيسي للتهدئة". وتناقل ناشطون على مواقع التواصل أنباء عن أن النظام السوري عرض إيقاف التصعيد مقابل عدم استهداف قواته والمناطق التي تقع تحت سيطرته، إلا أن المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" (أكبر تجمع لفصائل المعارضة في شمال غرب سورية) النقيب ناجي المصطفى، أكد لـ"العربي الجديد" أنه "لم يردنا حتى اللحظة ما يفيد بذلك"، وأن يوم أمس، شهد تهدئة من قبل النظام.
مصطفى البكور: الرد الموجع على النظام سبب رئيسي للتهدئة
ووثق "منسقو استجابة سورية"، وهو فريق يرصد أحوال الشمال السوري، مقتل وإصابة العشرات من المدنيين منذ بدء التصعيد العسكري في 5 أكتوبر وحتى 8 منه، فضلاً عن الدمار الكبير الذي طاول منشآت. وسجل استهداف شمال غربي سورية أكثر من 198 مرة، مشيراً إلى أن الطيران الحربي شنّ أكثر من 35 غارة جوية خلال فترة التصعيد الحالية، مؤكداً أنه اُستخدمت الأسلحة المحرمة دولياً من أنواع مختلفة أكثر من 6 مرات في أرياف إدلب وحلب من قبل النظام وحلفائه. ووثق الفريق، مقتل أكثر من 42 مدنياً بينهم 9 نساء و12 طفلاً، وأصيب أكثر من 214 مدنياً بينهم 66 طفلاً و37 امرأة. كما وثق، استهداف أكثر من 51 منشأة بشكل مباشر أو ضمن محيط المنشأة، من بينها أكثر من 11 مدرسة و7 مخيمات و15 منشأة طبية، إضافة إلى مراكز خدمية أخرى، وفق الفريق، فضلاً عن نزوح كبير شهدته الكثير من المناطق نتيجة القصف.