تصريحات قائد الجيش الجزائري حول الجاهزية القتالية.. مخاوف جدية أم رسالة دعم لخيار "استعراض العضلات"؟
- المحلل عمار سيغة يشير إلى تصاعد التحديات مثل الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، مما يدفع الجيش الجزائري لتكثيف التدريبات القتالية استعدادًا لأي طارئ.
- بعض المراقبين يرون في تصريحات شنقريحة بعدًا سياسيًا يعكس "استعراض العضلات" في السياسة الخارجية، مع إشارة إلى احتمالية إجراء المزيد من المناورات القتالية لتأكيد القوة العسكرية الجزائرية.
تثير التصريحات الأخيرة لقائد أركان الجيش الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة، بشأن وجود تهديدات وتحديات أمنية تمس البلاد، وتفرض إبقاء الجيش في وضع استعداد قتالي دائم، تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت هذه التهديدات جدية على أرض الواقع وفقا لتطور الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل خاصة، أم أنها جزء من تحفز سياسي تبديه الجزائر في المرحلة الأخيرة، ضمن ما تصفه السلطات بالتحول إلى "استعراض العضلات".
في آخر لقاء له مع قيادات القوات البرية، قال شنقريحة، أمس الخميس، إن "تنوع التهديدات والتحديات التي يجب علينا مواجهتها، تفرض علينا في الجيش، المحافظة على أعلى مستوى للجاهزية العملياتية لقوام المعركة لدينا، والمتابعة المستمرة لتطور الأوضاع الأمنية في المنطقة، وتحضير القوات بكل الصرامة الواجبة". مشددا على ضرورة أن تضاعف القوات المسلحة من تنفيذ المناورات والتدريبات القتالية، استعدادا لأي طارئ".
لا يشير قائد الجيش الجزائري على وجه التحديد إلى تهديدات بعينها قد تكون الجزائر معنية بها، لكن تزامن مثل هذه التصريحات مع جملة التطورات والتوترات التي تحدث في عدد من بلدان الجوار الجنوبي، في شمالي مالي والنيجر، ومتغيرات حادة تخص دخول فواعل جديدة في المنطقة، كمرتزقة فاغنر وغيرها، والتخوف من إمكانية أن تتطور الأوضاع إلى انزلاق أمني يتيح إعادة تمركز التنظيمات المسلحة قريبا من الحدود الجزائرية، يمكن أن يفسر المخاوف الجزائرية، خاصة وأنها قريبة من مناطق تمركز المنشآت الحيوية ومنشآت النفط والغاز التي كانت قد تعرضت إحداها، وهي منشأة الغاز عين تيقنتورين في يناير/كانون الثاني 2013 إلى هجوم إرهابي دامٍ.
بالنسبة للكاتب والمحلل المختص في شؤون الأمن والساحل، عمار سيغة، والذي كان أصدر بحثا أكاديميا حول المسألة الأمنية وتحديات الجزائر في منطقة الساحل، فإنه اعتبر أن تصريحات قائد الجيش الجزائري، لها مبرراتها في واقع الرمال المتحركة في الساحل، وقال سيغة في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "تصاعد وتيرة التحديات التي يشهدها الفضاء الجيوستراتيجي، خاصة ما يتعلق بالتهديدات اللا تماثلية كالجريمة المنظمة، والتهريب، والهجرة غير الشرعية، وتحدي تجارة المخدرات، ودخول الجيل الثالث من المخدرات، ناهيك عن المخاوف من عودة النشاط الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي بعد إعلان المجلس العسكري في مالي تعليق العمل باتفاق الجزائر للسلم والمصالحة في مالي مع حركات الأزواد، كلها تهديدات يأخذها الجيش الجزائري بالحسبان".
ويلفت سيغة كما عدد من المتابعين إلى مسألة أخرى على قدر من الأهمية، تتعلق باستشعار المؤسسة العسكرية بتزايد المسؤوليات الأمنية على كاهلها، في ظل التوجه الجديد اقتصاديا مع دول الجوار (تونس وليبيا وموريتانيا)، ورغبة من الجزائر في خلق مناطق تبادل حر وما يتطلبه ذلك من التزامات تأمين الحركة التجارية للقوافل البرية وكذا تأمين الأشخاص والممتلكات في تلك المناطق، وسط بيئة اللا أمن واللا استقرار في دول الجوار الجنوبي على وجه الخصوص الساحل الأفريقي، وكل تلك التحديات التي تواجهها الجزائر تفرض على المؤسسة العسكرية رفع مستويات الجهوزية والتحضير القتالي المستمر، وضبط عقارب الساعة على كل تهديد محتمل، وتبقى الدروس في هذا السياق تستوحى دوما من تجربة أحداث قاعدة الغاز في تيغنتورين، أحد أهم الأحداث التي تجعل مستوى التحضير في الجيش الجزائري في أعلى مستوياتها على الدوام".
لكن بعض المراقبين يعتقدون أن تصريحات قائد الجيش، إذا جاز تفسيرها سياسيا يمكن أن "تمثل الشق العسكري من توجه سياسي و"استعراضا للقوة" تعلن عنه الجزائر بوضوح في الفترة الأخيرة"، وكانت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية قد فسرت أبعاده في تقرير مثير، تحدثت فيه عن تحولات جذرية في المواقف والخيارات الدبلوماسية للجزائر، والتوجه نحو دبلوماسية المواجهة واستعراض العضلات، وقال التقرير إن "الدبلوماسية الجزائرية، أصبحت استباقية دون الاكتراث في وقت تأكيد القوة، حيث أصبح استعراض العضلات ضرورة وليس موقفا فحسب"، وقال محلل الشؤون السياسية لخضر غباط، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "تصريحات قائد الجيش الجزائري حول الجاهزية القتالية للجيش، وبغض النظر عن حجم التهديدات التي لا تنتهي بحكم طبيعة المنطقة، فإنها تمثل رسالة سياسية إلى أكثر من طرف إقليمي ودولي، بأن الجزائر وفقا للخيارات الجديدة، لن تبقى على الحياد إزاء هندسة الوضع في المنطقة، ولن تكتفي مثلما عبر تقرير الوكالة الأخير بدور هامشي، بل ستتوجه نحو الدفع إلى حدود الممكن، كما أنها بمثابة البصم من قبل القيادة العسكرية على الخيارات الجديدة للدبلوماسية والمواقف الجزائرية حيال بعض أزمات المنطقة وأطرافها الفاعلة، وهي خيارات تتسم ببعض الحدية والمواجهة".
وتعطي التصريحات الجديدة لقائد الجيش مؤشرات على إمكانية أن يقوم الجيش في الفترة المقبلة، بتنفيذ مزيد من المناورات القتالية الميدانية، خاصة في المناطق الجنوبية، حيث كان الجيش قد أجرى أول مناورة عسكرية بالذخيرة الحية في 27 فبراير/شباط الماضي، في منطقة برج باجي مختار غير بعيد عن الحدود الجزائرية الجنوبية مع مالي، تحت اسم "زوبعة الهقار 2024"، شملت عملية تدخل لوحدة من القوات الخاصة باستعمال المروحيات تحت حماية المروحيات المقاتلة، إضافة إلى عملية إنزال مظلي في عمق العدو، والقيام بمهمة تدمير قوات عدو غير تقليدي، وتزويد الطائرات المقاتلة بالوقود جوا، وقالت قيادة الجيش إن المناورة تستهدف "اختبار جاهزية القوات المسلحة للرد على أية تهديدات محتملة".