تصاعد ملاحقة المعارضين في تونس: تخبّط السلطة بمواجهة الرافضين

06 يناير 2023
احتجاج للمحامين دفاعاً عن الحريات وضد الموازنة، أمس (العربي الجديد)
+ الخط -

تزايدت القضايا والدعوات إلى التحقيق بحق معارضي الرئيس التونسي قيس سعيّد مطلع السنة الجديدة، لتتسع دائرة الملاحقين قضائياً، في تطور يضعه المعارضون في سياق تخبّط السلطة لكبح الرفض السياسي والمدني والمجتمعي.

وتختلف مواقف عدد من معارضي الرئيس التونسي وقراءاتهم لتزايد الملاحقات القضائية للنشطاء ورؤساء أحزاب وشخصيات ونواب وسياسيين، عبر المرسوم الرئاسي 54 الخاص بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال أو عبر توجيه تهم عبر قانون مكافحة الإرهاب أو عبر المجلة العسكرية، والصادر في سبتمبر/أيلول الماضي.

تصاعد ملاحقة المعارضين في تونس

ويعتبر البعض أن السلطة رفعت حجم التنكيل والقمع إلى أقصاه عبر ملاحقة المعارضين قضائياً وتهديدهم بالسجن، فيما يرى آخرون في ذلك مؤشراً لضعف النظام وتهاويه عبر فتح القضايا بشكل عشوائي في ملفات فارغة ضد حرية التعبير وباتهامات تخص تصريحات ومواقف سياسية.

وتابع التونسيون مع مطلع العام ملاحقة عدد من زعامات "جبهة الخلاص الوطني"، استناداً للمرسوم 54، بدعوة رئيس الجبهة الوزير السابق أحمد نجيب الشابي للتحقيق، إلى جانب مدير الديوان الرئاسي السابق رضا بلحاج، والمتحدثة باسم الجبهة شيماء العيسى والقيادي في الجبهة جوهر بن مبارك.

كما تمت دعوة وزير حقوق الإنسان السابق، رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية، عياشي الهمامي، للتحقيق وفق المرسوم نفسه، بتهم الإضرار بالأمن العام والتعدي على الغير، على خلفية تصريح إذاعي ناقد للسلطة.

كما تم التحقيق أخيراً مع الوزير السابق لزهر العكرمي بسبب تصريحات انتقد فيها السلطة، بشكوى من وزيرة العدل ليلى جفال إلى النيابة العامة. ويجري التحقيق أيضاً مع الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي، غازي الشواشي بسبب تصريحات مناهضة للسلطة وبدعوى من وزيرة العدل.


شيماء العيسى: تصاعد وتيرة الملاحقات خلال هذه المرحلة منتظر

من جهتها، اعتبرت حركة النهضة، في منشور على صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، أمس الخميس، أنه تم "تلفيق 6 قضايا لرئيس الحركة ورئيس البرلمان السابق راشد الغنوشي بملفات فارغة وتمت دعوته للتحقيق مرتين خلال الأسبوع نفسه، ودام التحقيق معه لأكثر من 16 ساعة في إحدى القضايا".

ووضعت ذلك في خانة "الاغتيال النفسي" لزعيمها. وذكرت أيضاً أنه "مضى 18 يوماً على اعتقال نائب رئيس الحركة رئيس الحكومة الأسبق علي العريض في سجون الانقلاب، وتلفيق قضية إلى وزير العدل الأسبق (نائب رئيس الحركة) نور الدين البحيري من قبل وزير الداخلية (توفيق شرف الدين) في قضية جوازات السفر".

وتتواصل ملاحقة عدد من نواب "ائتلاف الكرامة" في قضايا مختلفة، منها قضايا عسكرية وأخرى مدنية، بالإضافة إلى ملاحقة عدد من الإعلاميين والمدونين بسبب تصريحات وتدوينات، على غرار عامر عياد وصالح عطية وغيرهما. ويتفق المعارضون لسعيّد على أن دائرة الرفض لمساره اتسعت بشكل أصبح يربك السلطة، على الرغم من عدم اتحاد المعارضين ميدانياً.

وأكدت المتحدثة باسم "جبهة الخلاص"، شيماء العيسى، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "تصاعد وتيرة الملاحقات خلال هذه المرحلة منتظرة بالنسبة لقيادة جبهة الخلاص بعد خطابات التهديد والوعيد والشيطنة".

وتابعت: "كنا نتوقع أن تمر السلطة إلى المرحلة القصوى وممارسة شكل آخر، وبالتالي الهرسلة عبر القضايا وتوجيه تهم تصل عقوباتها إلى 10 سنوات سجناً، وكذلك التهم الموجهة إلينا من قبل عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر وفق قانون الإرهاب، وهي تهم خطيرة جداً"، مضيفة: "لا يوجد عقل لسلطة الانقلاب التي أصبح هدفها الزج بالجميع واتهام الجميع وتخوين الجميع بغاية تخويفهم".

وفسرت العيسى أن "دائرة المعارضين اتسعت وبالتالي اتسعت دائرة الملاحقات، ولا يقف الأمر عند المعارضين السياسيين، بل اتسع إلى النشطاء والمدونين والشباب"، مشيرة في المقابل إلى أن "السلطة متمسكة بخريطة طريق الانقلاب بمخالب ستؤذي كل المعارضين وكل نفس حر في هذا البلد".

من جهتها، اعتبرت القيادية في حزب النهضة، فريدة العبيدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما يحدث نتيجة طبيعية لتمركز جميع السلطات في يد شخص واحد، فعندما لا نفرق بين حرية التعبير الذي يعد أكبر مكسب حصل عليه التونسيون بعد الثورة، وأصبح أداة لمطاردة كل المعارضين السياسيين، حينها يتأكد فشل كامل هذه المنظومة".

وتابعت: "لا يمكن أن يقاد مجتمع بشخص واحد، وفلسفة الفصل بين السلطات أساسها تحديد صلاحيات وحدود كل سلطة حتى تراقب السلطة الأخرى، لأن من يملك السلطة يميل للتعسف فيها".


منذر بن عطية: سعيد بشّر بتصاعد الملاحقات والتشديد والهرسلة للمعارضين

وأضافت العبيدي أن "محاكمة الجميع، خصوصاً عبر توسيع تطبيق المرسوم 54 سيئ الذكر الذي يعد قضاءً على كل نفس حر، غايته مطاردة كل نفس معارض بهدف التثبيت والمحافظة على الوضع الراهن الذي ثبت فشله على كل المستويات".

وبيّنت العبيدي "أن الاستبداد لا يفرق بين الأشخاص، وبالتالي الجميع معني بهذا الاستبداد، وحتى من لم يتم ملاحقته الآن سيأتي دوره لأنه لا يؤمن بالحرية والديمقراطية وسيكتوي الجميع بعقلية الإقصاء دون تمييز".

واعتبرت العبيدي أنه "ما زال هناك شرفاء في القضاء صامدون أمام هرسلة كبيرة لم يسبق أن خضع لها القضاء، ولأن ما يقع في حق القضاة جريمة بشعة، ولا سيما القضاة المعزولون وغالبيتهم معروف عنهم الكفاءة والنزاهة والصدق"، مضيفة: "لأول مرة في تاريخ القضاء لم تجر الحركة القضائية (التعيينات القضائية)، وهي شكل من أشكال محاولة إخضاع السلطة القضائية، مع بقاء 8 محاكم من دون وكلاء نيابة عامة، وأهمها محكمة تونس الابتدائية".

سعيّد بشر بتصاعد الملاحقات

وفي السياق، رأى عضو المكتب السياسي لحزب "ائتلاف الكرامة"، منذر بن عطية، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الرئيس سعيد بشّر بتصاعد الملاحقات والتشديد والهرسلة للمعارضين والإعلاميين وحتى النقابيين الأمنيين (غير الموالين)، عندما أعلن أن تونس تحتاج تصفية من نوع خاص. وهذه هي عملية التصفية التي أطلقها وتشرف على تنفيذها أجهزة الدولة المحمولة على الحياد في الصراعات السياسية".

واعتبر بن عطية أن "هذا شيء مخجل ومشين وسيبقى وصمة عار في تاريخ أي مؤسسة من مؤسسات الدولة تحيد عن دورها في خدمة الصالح العام، وتتحول إلى أداة بيد النظام".

ورأى أن "هذا الاستهداف في حقيقته هو ترجمة لما يعيشه نظام 25 يوليو2021 (تاريخ إعلان سعيد الإجراءات الاستثنائية) من فشل في معالجة الملف الاقتصادي والاجتماعي وضيق أفقه، واستنفاد كل حلوله من أجل إنجاز شيء يذكر، ويقينه بأن الشعب على وشك الانفجار في وجهه، فيلجأ إلى ضرب رموز المعارضة في رسالة مبطنة لترهيب الشعب وتخويفه من مغبة النزول للشارع".

وشدّد بن عطية على أن "هذا التصاعد في استهداف المعارضين هو دليل على قرب نهاية هذا المسار الفاشل والكارثي، الذي خرّب مسار الثورة التونسية وأنهك مؤسسات الدولة وهوى بالاقتصاد إلى حافة الهاوية ولا يريد الاعتراف بفشله ولا حتى مجرد التوقف وسماع شركائه في الوطن، وهي انتفاضة الديك المذبوح".

من جهة أخرى، اعتبر القيادي في حزب "قلب تونس"، رفيق عمارة، أن "توجيه التهم للمعارضين بهذا الشكل والعدد المتزايد، دليل على اتساع حجم المعارضين والرافضين وكذلك تزايد مكانة المعارضة وقوتها، حتى أصبحت مربكة للسلطة على الرغم من تركز كل وسائل الدولة في يد شخص واحد".

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هذه القضايا استهدفت رموزاً في النضال وشخصيات اعتبارية ومسّت مدونين وإعلاميين وشباناً ونساء وكهولاً، القاسم المشترك بينهم رفض الانقلاب ورفض المسار الأحادي، وهذا لن يزيد إلا من تعميق الأزمة ومن حدتها، ولن تصل إلى أهداف السلطة الطامحة في إزاحة قيادات المعارضة وتخويف الشارع الغاضب بل ستؤجج الغضب أكثر وستعمق الرفض".

المساهمون