أعلنت ألمانيا أنها مستعدة من حيث المبدأ للعمل كضامن أمني لأوكرانيا في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا، بعد تلميح كييف بإمكانية التفاوض على "وضع محايد" كما تطالب روسيا، في وقت أظهرت فيه واشنطن وباريس حالة من ضبط النفس، فلفت الإليزيه إلى أنه يريد أن يفهم بالضبط ما تبحث عنه أوكرانيا بخصوص الضمانات الأمنية، فيما يرى البيت الأبيض أنه من المبكر تحديدها. الموقف الألماني أثار لغطا سياسيا في البلاد، سيما وأنه من غير المستبعد أن يضطر البوندسفير (الجيش الألماني) بالشراكة مع الآخرين إلى فرض الضمانات الأمنية عسكرياً.
وشككت ردود الفعل الأولية بالإعلان الألماني، حيث أمل رئيس مؤتمر ميونخ للأمن، فولفغانغ إيشينغر، أن يتم الاتفاق على هذا الأمر جانباً. وتساءل، بحسب شبكة "إيه آر دي" الإخبارية، عما إذا كان هناك قرار "من مجلس الأمن الاتحادي أو مجلس الوزراء بهذا الشأن، أم أننا نفعل ذلك من فراغ؟".
أما نائب رئيس كتلة "المسيحي الديمقراطي"، يوهان فاديفول، فلم يستسغ الأمر، وأفاد بحسب الشبكة المذكورة، بأنه بدون تعريف دقيق فإنّ الضمانات الأمنية مشكوك فيها وتتسبب بإرباك، لافتاً إلى "خيبة أمل جديدة".
وفي السياق، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الحزب، رودريش كيزهفتر، في تصريحه لصحيفة "فرانكفورتر إلغماينه تسايتونغ"، أنّ أفضل ضمان أمني لأوكرانيا "هو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في أسرع وقت ممكن، أو على الأقل الحصول على وضع مؤقت للعضوية، والذي قد يكون مرتبطاً بتطبيق المادة 42 من معاهدة الاتحاد الأوروبي".
ومن المعلوم، أنّ هذه المادة تضمن لأعضاء التكتل الأوروبي واجب المساعدة المتبادلة، والضمانات الأمنية الأخرى غير عملية وبالكاد تكون ذات مصداقية.
أما السياسي عن "الحزب الليبرالي الحر" ألكسندرغراف لامبسدورف، فرأى أنّ المطالبة بالضمانات الأمنية تتبع الاعتبارات التي كانت حاسمة منذ ما يقرب من 30 عاماً، عندما تم إبرام ما تسمى بمذكرة بودابست. في ذلك الوقت، سلّمت أوكرانيا وكازاخستان وبيلاروسيا الأسلحة النووية السوفيتية المتمركزة على أراضيها لروسيا مقابل ضمانات السيادة. ومع ذلك، فإنّ هذه المذكرة التي ظهرت فيها روسيا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى كقوى ضامنة لم تثبت فعاليتها.
ورغم أنه من الواضح أنّ روسيا وأوكرانيا ما تزالان بعيدتين عن وقف إطلاق النار، وعن تصور لما تبدو عليه معاهدة السلام المحتملة، لم يوضح المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن هيبيشترايت، ما إذا كانت الضمانات ستشمل في النهاية ضمانات عسكرية، مبرزاً أنّ الحكومة الألمانية "ستبقى وفية لموقفها بأنها لن تصبح لاعباً عسكرياً في هذه الحرب، والهدف أن تشعر أوكرانيا بالأمان حتى لا تتعرض للهجوم مرة أخرى من قبل روسيا". وأشار أيضاً إلى أنه "ما زال من المبكر الحديث عن التزامات ملموسة"، مع أنّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سأل، وفي عدة مكالمات هاتفية مع المستشار أولاف شولتز، ما إذا كانت ألمانيا مستعدة لضمان الأمن في بلاده.
أما المفاوض الأوكراني، ديفيد أراخيميا، فأشار في محادثات إسطنبول إلى ضرورة توضيح الشروط بعد أن طلبت أوكرانيا في مفاوضاتها ضمان أمنها عبر الممثلين الخمسة في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا، وذلك حين قارن الضمانات الأمنية المطلوبة بتلك المشابهة لالتزامات معاهدة "الناتو"، وأن تتصرف الدول الضامنة بما يتفق مع المادة 5 من نظام الحلف، فروسيا تريد دراسة المقترح الأوكراني، ولن تكون هناك مفاوضات أخرى قريبة.
وتحرص دول الأطلسي حتى الآن على ألا تصبح طرفاً في الحرب، ولم توافق على طلب بولندا تسليم طائرات مقاتلة من طراز "ميغ-29" لأوكرانيا، خشية أن يتسبب ذلك في تصعيد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين القوات الروسية وحلف الأطلسي تصل إلى حرب نووية.
واشتكى وزير الخارجية الأوكراني ديميترو كوليبا، في مقابلة مع مجلة "شترن"، الأربعاء، من قلة دعم الغرب لبلاده، وفي مقدمتهم ألمانيا، موضحاً أنّ بعض الدول الغربية "بارعة في إيجاد الأعذار لعدم فعل أي شيء لأوكرانيا"، متهماً برلين بأنّها "تخشى أن تضطر إلى تقديم تضحيات اقتصادية، فيما كييف تقدم تضحيات حقيقية وتفقد مواطنيها"، لافتاً إلى أنّ "عدم دعم روسيا لا يعني تلقائياً أنك تدعم أوكرانيا بالفعل"، وداعياً إلى وقف الواردات والصادارات الروسية عبر الموانئ الألمانية وفصل جميع البنوك عن نظام "سويفت"، معتبراً أنّ "هذه إجراءات أساسية لوقف آلة الحرب الروسية".