تشكيك بنوايا النظام السوري بعد موافقته على دخول المساعدات عبر 3 معابر

10 اغسطس 2023
وافق النظام على مرور المساعدات عبر باب الهوى (Getty)
+ الخط -

بات النظام السوري يعتمد تكتيكاً جديداً لجهة تعامله مع مسألة إدخال المساعدات الأممية إلى سورية. فبعد أن كان يرفض بشدة إدخال المساعدات عبر المعابر الحدودية، وسعى بكل طاقته مع حليفه الروسي في مجلس الأمن لتقليص تلك المعابر، والتعنت في تمديد إدخال المساعدات مع كل مرة تنتهي فيها آلية التفويض، بذريعة تجاوز مبدأ سيادته على الأراضي السورية ومنها المعابر، قرر تمديد إدخال المساعدات من معبر باب الهوى، من دون الحاجة لقرار في مجلس الأمن، فيما كانت الدول الغربية تعدل القرار تلو الآخر لدفع روسيا للموافقة على أحدها.

كذلك وافق النظام في جلسة لمجلس الأمن، أمس الأول الثلاثاء، على تمديد دخول المساعدات الخاصة بالاستجابة الطارئة لكارثة زلزال جنوب تركيا وشمال سورية عبر معبري الراعي وباب السلامة بريف حلب الشمالي.

رفض مازن علوش تسييس ملف المساعدات الإنسانية

وسمح النظام بتمديد المساعدات عبرهما للمرة الثانية لمدة ثلاثة أشهر تنتهي في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بعد أن وافق إثر الزلزال الذي وقع في 6 فبراير/شباط الماضي، على دخول المساعدات عبر المعبرين حتى 13 مايو/أيار الماضي، ثم وافق على التمديد الأول الذي سينتهي في 13 أغسطس/ آب الحالي.

وكان النظام وضع شروطاً للموافقة على السماح بفتح المعابر، تضمنت منع الأمم المتحدة من التعاون مع ما وصفتها بأنها "منظمات إرهابية"، وقصر الجهات التي يمكنها تسليم المساعدات على الهلال الأحمر العربي السوري واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

منظمات تشكك بنية النظام السوري

وتشكك المنظمات والكوادر العاملة في الشأن الإغاثي والإنساني في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بنواياه عبر الإقدام على هذه الخطوة، لا سيما أن النظام لا يملك سيطرة أو سلطة على هذه المعابر، ولا حتى عن طريق التنسيق بشكل أو بآخر.

وما يزيد الشكوك، تشبث روسيا، حليف النظام الأبرز، بعدم الموافقة على تمديد آلية دخول المساعدات، التي انتهت في العاشر من الشهر الماضي في مجلس الأمن، بل واستخدمت حق النقض (فيتو) في سبيل ذلك، علماً أنها استخدمت الفيتو عديد المرات لهذا الشأن لتعديل عمليات التمديد السابقة.

وأعلنت الأمم المتحدة، مساء الثلاثاء الماضي، التوصل إلى تفاهم مع النظام يتيح إيصال المساعدات لمدة ستة أشهر عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا إلى المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق.

وأشار المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق المتحدث إلى أن الأمين العام أنطونيو غوتيريس "يرحب بالتفاهم الذي تم التوصل إليه بين الأمم المتحدة والحكومة السورية على مواصلة استخدام معبر باب الهوى لمدة ستة أشهر لإيصال مساعدة إنسانية حيوية لملايين الأشخاص في شمال غرب سورية".

وأوضح بيان الأمم المتحدة أن التفاهم الجديد مع دمشق يسمح لها ولشركائها "مواصلة إيصال الدعم الإنساني العابر للحدود بالحجم اللازم، وبطريقة تتيح التواصل مع كافة الأطراف، بهدف وصول المساعدات وتحمي استقلالية عمل الأمم المتحدة".

لكن منظمة "الإغاثة الدولية" (Relief International) أعربت، في بيان أمس الأربعاء، عن "قلقها إزاء إزالة الاستقرار والأمان الذي كان يضمنهما قرار مجلس الأمن الدولي وتأثيره على قدرة المنظمات الإنسانية على العمل بفعالية". وشددت على أن قرار مجلس الأمن كان "يُشكل الضمان الوحيد الذي طمأن مجتمعات شمال غرب سورية إلى إمكانية الوصول إلى دعم حيوي بدعم وحماية المجتمع الدولي".

في السياق، أكدت إري كانيكو، المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) في نيويورك، أن النظام مدد السماح للمنظمة الدولية بإدخال مساعدات إنسانية من تركيا عبر معبرين حدوديين إلى مناطق خارجة عن سيطرته في الشمال لمدة 3 أشهر. وقالت: "نرحب بشدة بتمديد حكومة سورية الإذن باستخدام معبري باب السلامة والراعي الحدوديين حتى 13 نوفمبر المقبل".

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مندوب سورية لدى الأمم المتحدة السفير بسام صباغ قوله إن القرار "يأتي انطلاقاً من حرص سورية على تعزيز الاستقرار ومواصلة الجهود التي تبذلها لتيسير وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها في جميع المناطق السورية".

وعلى الرغم من إعلان سورية السماح بإدخال المساعدات عن طريق معبر باب الهوى، فقد نددت الأمم المتحدة بشروط دمشق، التي وصفتها بأنها غير مقبولة، إذ اشترطت التنسيق الكامل مع "الحكومة السورية" وعدم التواصل مع "منظمات إرهابية" في إشارة إلى "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً).

من جهته شكك فريق "منسقو استجابة سورية" بإعلان النظام تمديد دخول المساعدات عبر معبري باب السلامة والراعي. وقال، في بيان أمس الأربعاء، إن "النظام ليست له سيطرة على تلك المعابر، ولا قدرة له على الوصول إليها"، وأن تلك الخطوة تأتي "لإظهار النظام السوري أنه يسيطر عليها".

وتابع الفريق، المختص برصد الاحتياجات الإنسانية شمال غرب سورية، أن "إعلان النظام السوري إعادة تفويض الدخول عبر خطوط التماس حتى فبراير/ شباط 2024، أمر مرفوض بشكل قطعي ونطالب كافة الفعاليات والمنظمات والجهات المحلية بعدم قبول دخول تلك المساعدات، والتي لم تدخل سوى مرة واحدة في ذروة الاحتياجات الإنسانية للمنطقة بعد الزلزال، وبالتالي فإن المنطقة ليست بحاجة لها".

وندد الفريق بترحيب الأمم المتحدة بالتفويض الصادر عن النظام السوري للمعابر في شمال حلب، معتبراً أنها "تثبت بشكل واضح تواطؤها مع النظام السوري، والعمل على تحقيق مصالح النظام السوري على حساب المدنيين"، وأن "مجلس الأمن الدولي أثبت فشله من جديد، وهو ليس قادراً على اتخاذ القرار، بل هو مجرد دمية يتلاعب بها النظام السوري وروسيا".

وحمّل الفريق الولايات المتحدة مسؤولية توقف دخول المساعدات إلى شمال غربي سورية. وقال "أما تحميل الجانب الروسي المسؤولية فهو بروباغاندا أميركية بامتياز تظهر فشلها الذريع واستخدام المجلس لمصالح أميركا فقط". وعبر عن رفضه "بشكل قاطع" دخول  ما وصفها بمؤسسات النظام السوري، بما في ذلك "الهلال الأحمر السوري" والصليب الأحمر الدولي، إلى مناطق شمال غرب سورية، مضيفاً: "كل جهة ستقوم بالتعامل مع تلك المؤسسات سيتم التشهير بها، باعتبارها داعما للنظام السوري في المنطقة، وندعو جميع المنظمات إلى إيقاف التعاون مع الأمم المتحدة بشكل كامل، كونها أصبحت جزءا أساسياً من تحركات النظام السوري في الملف الإنساني".

رفض تسييس ملف المساعدات للسوريين

وشدد مدير مكتب العلاقات العامة في معبر باب الهوى الحدودي، مازن علوش، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" على رفض تسييس ملف المساعدات الإنسانية، مطالباً "المجتمع الدولي بضرورة رفع يد الاحتلال الروسي والنظام المجرم عن تقرير مصير الشعب السوري، وتمكينه من التحكم بلقمة عيشه، ونهيب بضرورة توفير الوصول الكامل للمساعدات الإنسانية دون قيد أو شرط أو ابتزاز".

من جهته أشار سارية عقاد، المدير في جمعية "عطاء للإغاثة الإنسانية"، وهي إحدى  المنظمات الفاعلة في الشأن الإنساني شمال غرب سورية، لـ"العربي الجديد"، إلى أن موافقة النظام على دخول المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى لستة أشهر تعني ثلاثة أمور: أولاً تنازل النظام عن شرط التنسيق الكامل معه، ورضاه بالتنسيق السابق المعهود والمعمول به مع الأمم المتحدة ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وثانياً تنازل النظام عن شرطه وجود دور للهلال الأحمر السوري في شمال غرب سورية، وثالثاً، نجاح النظام بسحب القرار من مجلس الأمن وانتهاء دور المجلس بقرار إدخال المساعدات عبر الحدود، وتحول دور الأمم المتحدة إلى وسيط أو مفاوض لانتزاع قرار من نظام يستطيع في أي وقت إيقافه.

وتابع عقاد أن "البيان الصادر عن الأمم المتحدة مبهم جداً ولم يعط أي تفسيرات، ولم يوضح ما هو ثمن تنازل النظام وتخليه عن شروطه". وأعرب عن اعتقاده أن "خطوة النظام يمكن أن تكون بهدف زيادة مشاريع الإنعاش المبكر التي تضمنها مساعدات الأمم المتحدة في مناطقه، أو ربما تكون تمهيداً لوضع سياسي جديد".

وصفت هدى أتاسي موافقة النظام على دخول المساعدات من المعابر الثلاثة بأنه ألعوبة

وحول خيارات المنظمات في شمال غرب سورية بعد هذه التطورات، قال عقاد إنه حالياً ليس هناك من خيارات "غير مواصلة العمل كالمعتاد والاستفادة من المدة الحالية حتى نهاية العام الحالي، للقيام بأنشطة مناصرة تظهر خبث النظام ومحاولته إحكام السيطرة على العمل الإغاثي، والتذكير بتحديات مشابهة تمت مواجهتها في مناطق سورية أخرى كمضايا والزبداني، اللتين حاصرهما النظام إنسانياً وإغاثياً، وعسكرياً".

ووصفت المديرة الإقليمية لهيئة الإغاثة الإنسانية الدولية، هدى أتاسي، موافقة النظام على دخول المساعدات من المعابر الثلاثة بأنها "ألعوبة"، مستهجنة تماشي الأمم المتحدة معه. وقالت، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام لا يملك أي سلطة على المعابر الثلاثة، فقرار موافقته على دخول المساعدات من عدمها سخيف وليس له أي قيمة بالنسبة لنا كمنظمات عاملة في الشأن الإنساني".

وأوضحت أتاسي أن "النظام لا يزال يتلاعب بالمساعدات التي تدخل عبر الخطوط، ونحن رفضنا التعامل معه من أجلها، فهو لا يتعامل بأمانة مع تلك المساعدات التي تذهب إلى المناطق التي سيطر عليها مؤخراً، كدرعا وحمص وريف دمشق أو كان يسيطر عليها في السابق، كدمشق وحلب وغيرها، وبالتالي لا يمكن قبول هذه اللعبة السخيفة من قبله وقبل الأمم المتحدة بموافقته على دخول المساعدات إلى شمال غرب سورية".

وليست هناك جهة واضحة تعلن رسمياً تبعية معبر باب الهوى لها، وهو الواقع في محافظة إدلب شمال غرب سورية، التي تسيطر "هيئة تحرير الشام" على أغلب مناطقها، غير أن إدارة المعبر تشير إلى أنه يدار من قبل إدارة مدنية مستقلة لا تتبع لأي جهة.

وحالياً تدخل المساعدات الإنسانية عبر المعبر من خلال "قسم شؤون المنظمات"، الذي يقوم، بحسب إدارة المعبر، "بتنظيم عملية دخول المساعدات الإغاثية إلى المناطق المحررة، ويقدم كافة التسهيلات للمندوبين المفوضين من قبل المنظمات الإغاثية، لتسهيل حركة ومتابعة إجراءات التحميل وغيرها من الأمور اللوجستية". كما تتم عبره عمليات التصدير والاستيراد للأغراض التجارية من تركيا وإليها، ضمن إدارة الجمارك العامة في المعبر، وتلك عمليات تجارية تحقق دخلاً جيداً للمعبر، الذي خرج منذ العام 2012 عن سيطرة النظام السوري لصالح المعارضة.

وبدأ مجلس الأمن الدولي العمل بالآلية العابرة للحدود في العام 2014، وكانت المساعدات تدخل عبر أربعة معابر حدودية هي باب الهوى والسلام من تركيا، ومعبران من الأردن والعراق. ومع مرور الوقت، وبسبب الاعتراضات الروسية، بدعم صيني، بدأ تقليص عدد المعابر الحدودية التي يتم إدخال المساعدات منها للشمال الغربي من سورية والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام لمعبر واحد، هو باب الهوى شمال إدلب.

المساهمون