تشابه الأسماء في العراق.. إغلاق ملف أغرق الآلاف في السجون

09 يونيو 2024
أحد أفراد الشرطة العراقية في منطقة الكاظمية، بغداد 13 فبراير 2023
+ الخط -
اظهر الملخص
- السلطات الأمنية العراقية تحقق تقدماً في ملف التحول الرقمي لحل مشكلة تشابه الأسماء، معالجة الأخطاء في قاعدة البيانات الأمنية الناتجة عن معلومات غير دقيقة وبلاغات المخبرين السريين.
- وزارة الداخلية تعمل على تصحيح قاعدة البيانات وإعداد نسخ رقمية لتوزيعها على المحافظات والدوائر الأمنية، مما أعاد الطمأنينة للمواطنين بعد سنوات من الاعتقالات العشوائية والخوف.
- إنجاز ملف التحول الرقمي يخفف العبء عن المواطنين ويزيل مشكلة تشابه الأسماء، مع إطلاق سراح نحو 12 ألف معتقل في خطوة لتصحيح الأخطاء الماضية وتعويض المتضررين، مؤكداً على أهمية التخلص من تركة الماضي.

أحرزت السلطات الأمنية تقدماً واضحاً في طريق إنهاء مشكلة تشابه الأسماء في العراق التي دفع ثمنها آلاف العراقيين في السجون منذ عام 2003، وذلك بعدما أنجزت ملف "التحول الرقمي"، واضعة حداً لتركة ثقيلة من الأخطاء في صحة المعلومات الأمنية. وعلى طول تلك الفترة الممتدة من العام 2003 كانت السلطات الأمنية العراقية قد بنت معلوماتها الأمنية عن المواطنين بأساليب غير دقيقة، اعتمدت في أغلبها على "المخبر السري"، الذي شكّل عبئاً كبيراً على الأمن وعلى المواطنين، إذ كان المخبر يقدم بلاغات مغلوطة عن مواطنين بدوافع مختلفة يتعلق بعضها بالكراهية والضغائن والاختلاف المذهبي والعرقي والديني وغير ذلك، فضلاً عن أن الأسماء التي كان يقدم معلومات عنها لم تكن دقيقة من ناحية الاسم الثلاثي، وهو ما أسس لقاعدة بيانات أمنية غير صحيحة لدى السلطات.

ولم تكن الحكومات السابقة التي حكمت العراق في تلك السنوات التي شهدت تراجعاً أمنياً خطيراً وتفجيرات يومية وأعمال عنف مستمرة، مهتمة بتصحيح المعلومات ودقتها، بقدر ما اهتمت باعتقال كل من دونت معلومات أمنية ضده، سواء كانت تلك المعلومات صحيحة أم مغلوطة، وتم بناء على ذلك الاعتقال على الشبهة سواء أكان الاسم مغلوطاً أم يتشابه مع اسم أحد المطلوبين (الاسم الثنائي أو الثلاثي)، وهو ما نتج عنه اعتقال آلاف المواطنين في الشوارع والمطارات والمستشفيات ودوائر الدولة وخلال حملات الدهم وغير ذلك. وقد أجبر العراقيون على تجنب الخروج إلا لعمل مهم جداً خشية الاعتقال، كما عمد الكثير منهم الى تزييف الهويات الشخصية وتغيير أسمائهم للتخلص من تشابه الأسماء.

وفي السنوات الأخيرة، ومع التطور الأمني وتراجع حدة أعمال العنف في البلاد، عملت وزارة الداخلية على تصحيح قاعدة البيانات الأمنية، وإعداد نسخ رقمية إلكترونية لتعمم على عموم المحافظات العراقية وفي دوائرها الأمنية وتعتمد في الحواجز الأمنية، وهو ما فرض حالة من الطمأنينة لدى المواطنين الذين تخلصوا من هاجس رعب تشابه أسمائهم مع أسماء مجرمين أو متورطين في أعمال عنف.

والخميس الماضي، أعلنت وزارة الداخلية إنجاز ملف التحول الرقمي، مؤكدة أن الملف خفف العبء عن المواطنين وأزال تشابه الأسماء. وقال مدير مديرية النظم المعلوماتية في الوزارة ثامر العامري، لوكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، إن "إدارة ملف التحول الرقمي في وزارة الداخلية، تضمنت عدة مراحل، من بينها بناء الأنظمة الخاصة بالوزارة وإدارة المشاريع الاستراتيجية مثل مشروع جواز السفر ومشروع الفيزا، فضلاً عن البوابات الإلكترونية في المطارات وكذلك مركز البيانات الرقمي".

"سنوات عدة" لإنهاء ملف تشابه الأسماء في العراق

وأوضح العامري أن "هذه المشاريع أدت الى تخفيف العبء عن المواطن وإزالة تشابه الأسماء في العراق حيث تم إطلاق نظام خاص للتحري وقياس مدى كفاءة تنفيذ أوامر القبض على مستوى الدولة"، مضيفاً "ساهمنا في تعقب الجريمة، من خلال مشاركة المعلومات بسرعة بين الأجهزة الأمنية وتوفير الاتصالات لتسهل تعقب الإرهاب، وكذلك وجود الكاميرات وإعداد الدراسات الخاصة بهذا الشأن".

واستغرق العمل على إنجاز هذا النظام الرقمي سنوات عدة، إذ استعانت الوزارة بمتخصصين بالأنظمة الرقمية، جنباً إلى جنب مع تحريات جديدة عن الأسماء المطلوبة كلها، لتصحيح المعلومات المدونة. وقال أحد المتخصصين بالأنظمة الرقمية في الوزارة، لـ"العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن نسبة الخطأ في قاعدة البيانات القديمة التي اعتمدتها الوزارة والمؤسسات الأمنية كانت عالية جداً تصل إلى حدود 40%، بسبب عدم وجود ضوابط وتدوين أي معلومة ترد سواء أكانت من المخبر السري أم غيره، "ما أوجد قاعدة تهدد أمن المواطن البريء".

وأشار إلى أن "الوزارة في السنوات الأخيرة حرصت على تصحيح هذه القاعدة، وعملت على مدى سنوات عدة، وتميزت طبيعة العمل بالاعتماد على ضوابط كثيرة في تصحيح المعلومات وتدقيقها"، مبيناً أن "التصحيح اعتمد على الحصول على المعلومة من أكثر من مصدر موثوق، يضاف إليه عملية تحر عن الأسماء المطلوبة". ولفت إلى تأسيس قاعدة بيانات حقيقية منصفة لجميع العراقيين، لا توجد فيها أي مؤشرات أمنية إلا للمطلوبين بتهم الإرهاب وغيرها من التّهم. وانعكست نتيجة هذا التقدم المعلوماتي على أمن المواطن أولاً، فضلاً عن تخفيف العبء عن مراكز الشرطة والحواجز الأمنية التي كانت تتورط في تنفيذ عمليات احتجاز واعتقال تطاول أبرياء.

وقال المقدم في الشرطة العراقية جواد الربيعي لـ"العربي الجديد"، إن "رجال الأمن يعملون يؤدون واجباتهم بثقة عندما يعتمدون على معلومات أمنية من مصادر موثوقة"، مبيناً "في سنوات مضت كانت عمليات الاعتقال والاحتجاز يتم تنفيذها بحسب ما يتوفر من معلومات عن الأشخاص ضمن قاعدة البيانات السابقة، وهي لم تبن على أسس رصينة كما هي اليوم". وأكد "تتم إحالة المعتقلين الى القضاء، وقد صدرت أحكام كثيرة بناء على تلك المعلومات"، مشيراً إلى أن "ما تحقق اليوم من تحول رقمي يعد إنجازاً كبيراً لوزارة الداخلية، خفف العبء علينا وعلى المواطنين".

ويؤكد وجهاء عشائريون أهمية التخلص من تركة تلك المرحلة، بالإفراج عن المعتقلين بسبب تلك المعلومات المغلوطة، ممن صدرت بحقهم أحكام أو ممن لم توجه إليهم تهم معينة. وقال الشيخ رعد الجبوري وهو من وجهاء محافظة ديالى لـ"العربي الجديد"، "يتحتم على وزارة العدل العراقية أن تحقق إنجازاً كما حققت وزارة الداخلية، وأن تعتمد المعلومات المصححة وتطلق سراح الأبرياء". وأشار إلى وقوع "وقع ظلم كبير على آلاف العراقيين الأبرياء وعوائلهم في السنوات الماضية". وقال: "نحتاج اليوم إلى تكاتف الوزارات لتصحيح تلك الأخطاء وتعويض المتضررين منها"، مشدداً "لا يمكن أن يتحمل المواطن البريء مسؤولية أخطاء لم يرتكبها، بل ارتكبتها مؤسسات أمنية سابقة أضاعت سنين طويلة من أعمار الأبرياء داخل السجون".

والأسبوع الفائت أعلن مكتب الرئيس العراقي إطلاق سراح ما يقرب من 12 ألف معتقل ممن انتهت محكومياتهم، أو ممن لم تصدر بحقهم أحكام قضائية، ضمن جهود اللجنة التي شكلتها الرئاسة في أكتوبر/تشرين أول 2022 لمتابعة ملفات السجناء والموقوفين.

المساهمون