تشابا كوروشي لـ"العربي الجديد": حل الدولتين يتلاشى ولا بديل له

23 ابريل 2023
كوروشي: الحرب ليست خياراً طبيعياً (Getty)
+ الخط -

يواجه المجتمع الدولي تحديات وصراعات عديدة، بعضها مستمر بالتدهور، وبالكاد تخمد نيران في بقعة ما لتنشب في أخرى. في ظلّ كل هذا، يبدو أن المجتمع الدولي منقسم على ذاته أكثر من أي وقت منذ عقود، ولا يبدو أن مجلس الأمن الدولي، المسؤول عن الأمن والسلم الدوليين، قادر على التحرك بالمستوى المطلوب.

وفي ظل هذا الوضع، يتطرق رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، الدبلوماسي المجري تشابا كوروشي، في مقابلة مع "العربي الجديد"، إلى عدد من القضايا الساخنة، منها السودان وفلسطين وسورية والحرب الأوكرانية ودور المجتمع الدولي.

*دعنا نبدأ من التطورات في السودان والاقتتال المستمر. هل يقلقك أن يتحول الوضع ليشبه ما يحدث في ليبيا أو سورية؟

ما يقلقني ليس أن يصبح السودان سورية أو ليبيا أخرى... بل أن يعود السودان إلى السودان القديم. كلنا يعرف الظروف الصعبة التي مرّ بها السودان في العقود السبعة الأخيرة. انقلاب بعد الآخر، ومن أزمة إلى أخرى. كان هناك بصيص من الأمل بأن تُنقل السلطة من القيادة العسكرية إلى المدنية. وأشعر بالقلق العميق إزاء ما يحدث الآن. وهذا التصعيد من العنف المسلح لا يبشر بالخير. وأناشد جميع الأطراف الجلوس والتفاوض، لأن العالم سيتمكن من مساعدة السودان فقط إذا أراد السودانيون أنفسهم التوصل إلى حل.

*في حال تطور الوضع أكثر وفشل مجلس الأمن باتخاذ المزيد من الخطوات الفعلية، بالإضافة للبيان الصحافي الذي أصدره، هل هناك دور يمكن أن تلعبه الجمعية العامة للأمم المتحدة؟

قلقي على السودان عندما لا تكون هناك رؤية واضحة يقدمها القادة، وعندما ينتشر الصراع، فلن يهم ما الذي تؤمن به المؤسسات الدولية. وحول الجزء من سؤالك المتعلق بآلية تحويل الأمر للجمعية العامة على المدى القصير، هذا سيحدث فقط في حال عرض مشروع قرار ما على مجلس الأمن ولم يتم تبنيه بسبب استخدام إحدى الدول الفيتو. وهذا سيجبرني بشكل فوري على عقد اجتماع للجمعية العامة لنقاش المسألة نفسها التي كانت على أجندة مجلس الأمن. وهذا ليس الوضع حالياً، ما يقلقني هو ما الذي سيحدث في السودان على الأرض حيث يموت الناس في هذه اللحظات التي نتحدث بها.

*في الشأن الفلسطيني، كما تعلم، فإن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أصدر تقريراً عام 2018 حول إمكانيات وسبل تقديم الحماية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، ورفعه إلى مجلس الأمن. ولكن التقرير لم يناقش أمام المجلس ولم يحدث أي شيء في هذا الصدد. هل يمكن أن تناقش الجمعية العامة هذا التقرير؟ هل ترى أن لها دوراً يمكن أن تلعبه عندما يتعلق الأمر بحماية الفلسطينيين؟

دعيني أقسم سؤالك إلى شقّين. أنت محقة في أن الجهة التي لديها المسؤولية الأولية عن الأمن والسلم الدوليين، داخل الأمم المتحدة، هي مجلس الأمن، وهي الجهة الوحيدة داخل الأمم المتحدة التي يمكنها اتخاذ قرارات ملزمة قانونياً. ولذلك، فعندما لا يقوم المجلس بهذا الدور، لا توجد أي مؤسسة أخرى يمكنها أن تقوم بذلك نيابة عنه بصفة ملزمة قانونياً.

كوروشي: يقلقني أن يعود السودان إلى السودان القديم

في ما يخص الشق الثاني من سؤالك، فإن الجمعية العامة تتعامل مع الكثير من القضايا المتعلقة بالفلسطينيين وفلسطين. وهناك، إن لم أكن مخطئاً، 12 قراراً تم تبنيها أو إعادة تبنيها في الدورة الحالية وحدها. وتتناول هذه القرارات نواحي مختلفة من حياة الفلسطينيين وفلسطين بما فيها سيادتهم، أملاكهم، حقوقهم المدنية، رفاهيتهم والدعم الاجتماعي وتمويل وكالة أونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، وأملاك اللاجئين وغيرها. هذه القرارات تمنح صورة أوسع عن كيفية مقاربة الجمعية العامة مسألة فلسطين. ويُعاد تبني أغلب هذه القرارات كل سنة، وهذا يعني أن الجمعية العامة منشغلة بمسألة فسطين بشكل مستمر.

*ولكن لا توجد ترجمة عملية أو خطوات محددة على الأرض لتطبيق قرارات الجمعية العامة أو مجلس الأمن تلك. هل تعتقدون أن المجتمع الدولي، ممثلاً بالأمم المتحدة وأنظمتها المختلفة، خذل الشعب الفلسطيني لأنه لم يقم بتطبيق قراراته؟

إذا كنت تقصدين بسؤالك ما إذا كانت لقرارات الجمعية العامة أي صفة ملزمة قانونياً تلزم جميع الأطراف بتطبيقها، فدعيني أعود إلى ما قلته سابقاً إن الجمعية العامة لا يوجد لديها قوة قانونية لاتخاذ قرارات ملزمة قانونياً دولياً. ولكن هذا لا يعني أن القرارات التي يجرى تبنيها في الجمعية العامة لا معنى أو تبعات لها. إذا نظرت إلى الدعم الذي يُقدّم للشعب الفلسطيني، ليس فقط لوكالة أونروا ولكن عبر قنوات ثنائية، جميعها تذكر أو تحيل إلى قرارات الجمعية العامة.

قد لا يكون هذا هو "الحل" أو الحل النهائي للصراع بين إسرائيل وفلسطين. ولكنه يشكل الأساس للمجتمع الدولي لتحريك الدعم. ودعيني أضيف نقطة هنا، وهي أنه لا يوجد جدل مؤسساتي داخل الأمم المتحدة حول ما إذا كان يجب أو يمكن لهذا أو ذاك الجزء من الأمم المتحدة أن يفعل شيئاً. لكن هناك أمراً جوهرياً، بأن حل الدولتين، الذي نؤمن به جميعاً أو أغلبنا، يتلاشى من تفكير الشعبين في الصراع، الفلسطيني والإسرائيلي.

وما يقلقني هو أنه في الوقت الذي أصبح فيه تلاشي هذا التفكير (حل الدولتين) واضحاً، فإنه لا يوجد بديل. وعندما لا يكون هناك أي بديل، لا توجد مفاوضات، ولا مبادرات ولا منصات لنقاشه. وهذا يعطي المساحة للإحباط، ونعلم جميعاً إلى أين يمكن أن يقود ذلك. وأشعر بقلق عميق من تزايد العنف في الشارع.

*إذاً أين نذهب من هنا؟ إذ نرى دولاً ذات نفوذ كالولايات المتحدة لا تقوم بدورها كوسيط وتدعم طرفاً على حساب طرف آخر وغيرها. يبدو أننا وصلنا إلى طريق مسدود، إلا إذا تغيّر شيء بشكل درامي على الأرض فلن يتغيّر شيئاً هنا، وهذا ما يقولوه الكثيرون على الأرض. هل توافق على ذلك؟

الوقائع على الأرض تتغير من دون شك، وأعرف أن واحداً من التغيرات السلبية يتعلق بما ذكرت في الاجابة السابقة، أي تلاشي فكرة حل الدولتين. ولكن شخصياً ما زلت أؤمن بحل الدولتين، وما زلت أعتقد أن هذا أفضل حلّ للشعبين للمضي قدماً. ولكن من دون شك أنا لست أحد صانعي القرار نيابة عن إسرائيل أو فلسطين.

كوروشي: يبدو أن الأمور في فلسطين ذاهبة في اتجاه التصعيد

وكل الفاعلين الآخرين، سواء أكانوا من الشرق الأوسط، من الدول العربية أو غيرها، أم الدول الكبرى، يمكنهم التأثير على الأطراف، إذا كانت هناك رغبة بين الطرفين للتوصل إلى اتفاق. وأنا لست متأكداً مما إذا كان الوقت حالياً هو الأنسب لحل وسط، كنت أتمنى أن يكون ممكناً، وأعتقد أنه يجب فعل ذلك، ولكن كما قلت يبدو أن الأمور ذاهبة في اتجاه التصعيد.

*بالنسبة لسورية وقضية المختفين قسرياً والآلية التي دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى تشكيلها. حالياً يعمل عدد من الدول على صياغة مشروع قرار في هذا الصدد، ولكن النظام السوري، مدعوماً بروسيا، يرفض تشكيلها، والسؤال هنا كيف يمكن أن تحقق الآلية هدفها إذا كان هناك طرف أساسي غير معني بها؟

دعيني أعود للأساسيات، نحن نتحدث هنا عن قرابة مائة ألف شخص مختفين قسرياً ولا نعرف مصيرهم، وهذا رقم مهول. وحتى لو كان هناك شخص واحد مختفٍ فهذا كثير، ولكن نتحدث هنا عن مائة ألف (على الأقل). وهناك عدد من المؤسسات، ومؤسسات دولية، ولجان موكلة الاعتناء أو متابعة هذه الحالات، إلا أن النظام لا يعمل كنظام متماسك، مع إمكانيات وموارد محدودة. لذلك اقترح الأمين العام أن تُنشأ آلية ذات ولاية وأهداف متماسكة. الاقتراح موجود. والجمعية العامة لم تناقش ذلك بعد (في جلسة رسمية). وهذا هو الوضع الذي نجد أنفسنا فيه اليوم.

وأدرك أن هناك دولاً تعمل على عرض الموضوع على الجمعية العامة ونقاشه وصياغة مشروع قرار لتبنيه. ولكن كرئيس للجمعية العامة، لا أود التعليق على اقتراح لم تتم صياغته بعد، ولم تجرى مناقشته (رسمياً) في الجمعية العامة. ولا نعرف الجواب حول ذلك بعد. أعتقد أنها كانت مبادرة مهمة للأمين العام، وهذا أمر مهم، ونتحدث هنا عن عدد هائل من الناس ويجب أن نرى حلاً (ونعرف) مصيرهم.

كوروشي: في اللحظة الذي يستخدم فيها أحدهم الأسلحة النووية، سيكون هذا في الغالب آخر فصل في تاريخ البشرية

*هل هناك إطار زمني محدد تتوقعون أن يُطرح خلاله الموضوع للنقاش والتصويت عليه في الجمعية العامة؟

هذا منوط بالدول الأعضاء ومتى تريد فعل ذلك. أخمن أن يكون ذلك خلال الدورة الحالية للجمعية العامة (تنتهي منتصف سبتمبر/أيلول). وطرحه على الجمعية العامة يتعلق بكيفية صياغته (مشروع القرار) وكيفية تجنيد الدول لدعمه والحصول على أصوات أغلبية الدول. وهذا من دون شك سيحدد خطواتهم المقبلة، ومتى يعرضون الموضوع على الجمعية العامة.

*عن الحرب في أوكرانيا، هل ترى وجود أي إمكانية لوقف إطلاق النار أو الأعمال العدائية في القريب العاجل؟

كنت أتمنى ذلك. منذ اليوم الأول لرئاستي، عبّرت بشكل واضح عن أنه ما كان يجب بدء هذه الحرب أصلاً، وأنه لا أساس قانونياً لها، وأنها ضد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وتبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى الآن 6 قرارات تدين الضم وترفض الاحتلال. وكنت أتمنى أن أستطيع القول إنني أرى الضوء في نهاية هذا النفق.

من الواضح أنه لا يبدو أن الأطراف مستعدة لتبدأ مفاوضات سلام في وقت مبكر. ولكننا نعلم أن كل الحروب ستنتهي، وكلما كان هذا أبكر، كان أفضل. علينا أن نكون مستعدين أن تضمن أي مفاوضات سلام ناجحة نوعاً من وقف إطلاق النار. ومفاوضات السلام الناجحة تأتي برزمة حلول. وهذا النوع من رزمة الحلول ما زال غير موجود على الطاولة.

وإذا كان هناك أمر لا يمكنني أن أتقبله وأرفضه بشدة هو (القول) إن هذا الصراع سوف يؤدي إلى تصعيد إضافي... الحرب ليست خياراً طبيعياً. الحرب قرار سياسي يتخذه شخص ما. ولم تنتج الحروب أي قيم جديدة. الحروب تدمر القيم والناس.

*في هذا السياق، هل يقلقك أن تتطور هذه الحرب وتتوسع إلى مناطق أخرى في أوروبا، وماذا عن التهديدات النووية التي نسمعها؟ هل ترى أن خطرها واقعي؟

دعينا نفصل بين عدد من الأمور. إنها حرب تُخاض على أرض المعركة، في المجال الاقتصادي، في الفضاء، وفي الفضاء السيبراني، وفي المجال الدبلوماسي. وسؤالك يتطرق إلى ما إذا كانت هذه العمليات العسكرية البرية والبحرية قد تتوسع خارج الحدود. أتمنى ألا يحدث هذا ويجب ألا يحدث. وفي ما يخص الجزء من سؤالك حول النووي، هذا الجزء الأخطر في ما يخص الصراع الحالي. ومنذ الأزمة الكوبية في بداية الستينيات من القرن الماضي، لم يكن هناك قائد لوّح بشن حرب نووية. شيء واحد يجب فهمه بشكل واضح وهو أن الأسلحة النووية هي أسلحة سياسية. هي مؤثرة ما دامت لم تُستخدم على أرض المعركة. في اللحظة التي تُستخدم فهذه مرحلة جديدة.

لم يُصغ بعد مشروع آلية المختفين قسرياً في سورية ولم يعرض على الجمعية العامة

في اللحظة التي يفتح فيها شخص ما باب جهنم (يستخدم الأسلحة النووية)، فسيكون مسؤولاً بشكل كامل عن ذلك. وسيكون هذا في الغالب آخر فصل في تاريخ البشرية. لا أؤمن بالتهوين من ذلك، والقول دعونا نقوم ببعض الضربات النووية التكتيكية على مساحة صغيرة في ميدان المعركة. كل الأطراف التي تعاملت مع السياسات النووية تعرف أنه لا توجد حرب نووية "جزئية" أو "محدودة". الحرب النووية هي حرب استراتيجية، للقضاء على الجانب الآخر. اسمحوا لي أن أناشد كل من يعتقد أن التهديدات النووية تساعد، ويمكن التقليل من شأنها، أن هذا ليس الواقع. وهم يدركون ذلك جيداً وأغلب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ترفض ذلك بشكل واضح.

رئيس الجمعية تشابا كوروشي في سطور

تشابا كوروشي دبلوماسي مجري ولد عام 1958، شغل العديد من المناصب رفيعة المستوى وعمل سفيراً لبلاده في عدد من الدول، من بينها ليبيا والإمارات وإسرائيل واليونان والأمم المتحدة في نيويورك. كما شغل منصب نائب وزير الدولة المسؤول عن السياسة الأمنية والدبلوماسية متعددة الأطراف وحقوق الإنسان، إلى جانب العديد من المناصب الأخرى المتعلقة بالأمم المتحدة، من بينها منصب مدير مكتب رئيس المجر للاستدامة البيئية. يتحدث العربية إلى جانب عدد من اللغات الأجنبية الأخرى، من بينها الروسية والفرنسية.