طيلة الشهرين الماضيين من الأحداث الأخيرة في أحياء درعا البلد في الجنوب السورية، حاولت إيران عبر أذرعها الحيلولة دون التوصل إلى اتفاق ينهي التصعيد، إلا أن الروس فرضوا الالتزام، حتى الآن، باتفاق التسوية الأخير الذي جرى التوصل إليه قبل أيام، والذي أعاد محافظة درعا إلى وضع الهدوء الحذر بانتظار تطبيق كامل بنود الاتفاق. وهو اتفاق عدّه مراقبون انتصاراً لأهالي درعا أمام رغبة النظام والإيرانيين بالتوغل أكثر في المحافظة للسيطرة عليها بالمطلق، وإنهاء أي مظاهر للمعارضة فيها.
وحاول النظام، وبالتحديد الضباط المحسوبين على إيران في اللجنة الأمنية لمحافظة درعا، أول من أمس الخميس، الالتفاف على الاتفاق لجهة تعديله بهدف خرقه، لصعوبة قبول أهالي درعا بالكثير من التعديلات المطروحة. وطالب رئيس اللجنة الأمنية في درعا اللواء حسام لوقا بتسليم عدد إضافي من الأسلحة الفردية، وزيادة عدد الحواجز التي ستنتشر في درعا التابعة لفرع الأمن العسكري، لكن المفاوضين والأهالي رفضوا ذلك، قبل أن تدخل روسيا مجدداً لوضع حلول وسطية، حفاظاً على استمرار الاتفاق. وقضى الاتفاق الرئيسي، بدخول دوريات تابعة للشرطة العسكرية الروسية وتمركزها في درعا البلد، وفتح مركز لتسوية أوضاع المطلوبين وأسلحتهم، ونشر أربع نقاط أمنية، ومعاينة هويات الموجودين في أحياء درعا البلد لنفي وجود غرباء فيها، إضافةً إلى إعادة عناصر مخفر الشرطة، وإدخال الخدمات إلى الأحياء، والعمل على إطلاق سراح المعتقلين وبيان مصير المفقودين.
قضى الاتفاق بتمركز الشرطة العسكرية الروسية في درعا البلد
وقالت مصادر محلية في درعا لـ"العربي الجديد"، أمس الجمعة، إن الأوضاع عادت إلى نصابها بعد التوتر الذي جرى أول من أمس الخميس إثر مطالبة النظام بتسليم قطع سلاح، ونشر نقاط عسكرية بعدد أكبر من المتفق عليه. وكانت قوات النظام والمليشيات قد لجأت إلى نصب مرابض جديدة لصواريخ أرض - أرض من نوع "فيل" في المنطقة الصناعية بدرعا المحطة، بعد مطالبتها بـ40 بندقية إضافية ورشاشي دوشكا، ومحاولة نشر تسعة حواجز بدل ثلاثة، والسماح لقوات النظام بتفتيش المنازل بدلاً عن الجانب الروسي. في المقابل، أشارت مصادر أخرى إلى أن الجانب الروسي لا يزال يرعى مداولات بين ضباط من اللجنة الأمنية ولجنة التفاوض لحل هذه الإشكالات، إضافة إلى التعامل مع الوضع في المخيم المجاور وطريق السد، لأن الاتفاق يشملهما، لأن المجموعات المسلحة هناك لم تعطِ موافقتها بعد على الاتفاق.
من جهته، أشار الناشط الإعلامي، أيمن أبو نقطة، إلى أن محاولات اللواء حسام لوقا، المحسوب على إيران، الالتفاف على الاتفاق وتعطيله، فشلت عندما تم التوصل إلى حلول وسط، لا سيما من خلال عدد الحواجز، إذ طالب لوقا برفع العدد من أربعة إلى تسعة، في حين استقر الأمر على ستة حواجز فقط. وأضاف أبو نقطة في حديث مع "العربي الجديد" أن النظام خرج بمطلب جديد، يتمثل بتهجير اثنين من المطلوبين، وهما محمد المسالمة المعرف بـ"الهفو"، ومؤيد حرفوش المعروف بـ"أبو طعجة"، والاثنان من عناصر المعارضة المسلحة السابقين في درعا قبل اتفاق 2018، وكانا يتبعان لـ"جبهة ثوار سورية"، الفصيل الموالي لـ"الجيش السوري الحر" ويتلقى دعماً غربياً. وأشار أبو نقطة إلى أن النظام يتهم الاثنين بأنهما من عناصر تنظيم "داعش"، وهذا غير صحيح. وأشار إلى أن المطلوبين موجودان في مخيم درعا، وقد أعطاهما النظام مهلة، إما الانصياع للتسوية أو التهجير، أو محاصرة المخيم، ما ينذر بتجدد التصعيد وربما انهيار الاتفاق.
وبنظرة شاملة على الاتفاق وإمكانية تطبيقه كاملاً وصموده، رأى الصحافي علي عيد، ابن محافظة درعا، أن "الاتفاق، وعلى الرغم من أهميته بالنسبة للمجتمع المحلي، لتثبيت الأهالي في أرضهم ومنع تهجيرهم، إلا أنه غير ناجز، لأن بنوده تحمل عوامل تفجير من داخل نصوصها. وهذا ما يحاول النظام استغلاله".
حاول ضباط النظام المحسوبون على إيران الالتفاف على الاتفاق
وكشف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه "بالنسبة للبند المتعلق بمطابقة البطاقات الشخصية، كان الحديث عن مطابقة بطاقات الغرباء، ثم تطور إلى مطابقة بطاقات جميع الأهالي القاطنين في أحياء درعا. وكذلك الأمر بالنسبة لقوائم المطلوبين، كان الحديث عن اثنين (المسالمة والحرفوش) وزاد العدد إلى قائمة تضم خمسين مطلوباً بحسب ما وصلني، وربما يتطور الأمر لضم أسماء كثيرة في الأيام المقبلة، لأن القوائم ستتداخل مع بعضها، لا سيما مع وجود قوائم تضم المتخلفين عن الخدمة العسكرية، بالإضافة إلى آلية توزيع النقاط العسكرية داخل ومحيط درعا، يمكن تفسيرها على أكثر من نحو، ما يتيح للنظام، بمعاونة إيران حيناً، وروسيا في حين آخر، استغلالها لنقض الاتفاق". وأضاف عيد أن الأجندات بالنسبة لكل من إيران وروسيا في درعا مختلفة، فأجندة الإيرانيين متعلقة بالشق الأمني، فيما يركز الروس على الجانب الاقتصادي الذي يوازيه مرور أمني، عبر محاولتهم تأمين كامل المنطقة لتحقيق عوائد اقتصادية من خلال حركة مرور الترانزيت، والحيلولة دون مرور خطي الغاز والكهرباء العربيين، ويريدون أيضاً عوائد سياسية لعكس صورة أمام المجتمع الدولي كقوة كبرى تدخلت لتأمين البلاد، بحسب ادعاءاتهم.
وأفاد عيد أن الاتفاق يتضمن مراحل لم تنتهِ بعد حتى يتم الحكم على الاتفاق، لكن بالعودة إلى مطالبة النظام بتسليم الشخصين المطلوبين أو تهجيرهما أو تسوية وضعهما، فإننا اليوم أمام خيارين: الأول الانصياع، والثاني هو التعامل العسكري معهما. ورأى أن النظام سيلجأ إلى الخيار الثاني، ما سيفجر الوضع مجدداً في درعا، نظراً للحالة الشعبية والعشائرية في المحافظة، وربما يكون هناك التفاف وتضامن مع المطلوبين، سواء من قبل الأهالي ومجموعات المقاتلين السابقين. وشدّد عيد على أن الاتفاق يبقى تحت النظر، مشيراً إلى أن الاتفاق ليس إيجابياً بالمطلق سوى من منع تهجير الأهالي، بعد 70 يوماً من الحصار والقصف، مضيفاً: "علينا وضع عين أخرى على الخطوة التالية التي يتحدث عنها الروس والنظام والإيرانيون، أي الريف الغربي ومدينة طفس، وكذلك الريف الشمالي ومدينة جاسم، وهذا ما سيفتح احتمالية تصعيد جديدة في المحافظة أيضاً".