يمر اليوم السبت ثقيلاً على أهالي الموصل، ثاني كبرى المدن العراقية، الذين عاشوا سنوات صعبة، بسبب احتلال تنظيم "داعش" مدينتهم في مثل هذا اليوم في عام 2014، بعد انسحاب مشبوه للقوات العراقية، ما زال مثار جدل وتشكيك لدى العراقيين عامة والطبقة السياسية على وجه الخصوص.
احتلال التنظيم للموصل، وما خلّفه الحدث من تداعيات أمنية وسياسية واجتماعية خطيرة شملت جميع مدن العراق بلا استثناء، يوحد الموصليين اليوم، بالمطالبة بتحقيق العدالة والكشف عن ملابسات سقوط المدينة وانسحاب الجيش العراقي منها، مع كمّ كبير من الأسئلة يبدأ بكيفية اجتياح عناصر "داعش" الحدود، وانتقالهم عشرات الكيلومترات من بعدها إلى الموصل، من دون أن توقفهم أي قوة أو تواجه خطرهم.
أيوب عمر: القضاء العراقي متهم بالتواطؤ في عدم فتح ملف سقوط الموصل
وطيلة السنوات الماضية، غُيّب ملف التحقيق في سقوط الموصل الذي ناقشه البرلمان العراقي، واستضاف قادة في الجيش والشرطة ومسؤولين من المدينة وآخرين من بغداد، لكن لم تتحقق المحاسبة أو أي مظهر من مظاهر المحاكمة، وتحديداً من المتهمين الكبار في هذه الكارثة، وأبرزهم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي. وتزداد الاتهامات للقضاء الذي يساهم في تغييب الملف، متأثراً بقادة الأحزاب والرغبة السياسية في طمس الحقائق، كما يقول مراقبون.
ومنذ سقوط الموصل وحتى إعلان تحرير العراق بالكامل، بين عامي 2014 و2017، أدت معارك تحرير المدن إلى سقوط أكثر من ربع مليون قتيل وجريح، إلى جانب عشرات آلاف الأشخاص المختطفين والمغيبين، ناهيك عن دمار البنى التحتية، الذي كلّف، وفقاً لوزارة التخطيط العراقية، أكثر من 88 مليار دولار، كان نصيب الموصل منها كبيراً، بعد تدمير أكثر من 56 ألف منزل، وتسجيل أسماء 11 ألف مفقود.
وعلى الرغم من ذلك، فإن حملات الإعمار للمدن المحررة لم تكن بالمستوى المطلوب، فيما لا تزال بلدات ومدن مفرغة من سكانها الأصليين بسبب السيطرة عليها من قبل المليشيات والفصائل المسلحة المقربة من إيران.
سقوط الموصل غصة عند أهالي المدينة
وقال الناشط السياسي من الموصل أيوب عمر، وهو كان شاهداً على لحظة سقوط الموصل، إن "ملف سقوط الموصل يمثل غصة عند أهالي المدينة، الذين تضرروا وتعرّضوا للعنف والأذى الجسدي والنفسي والخسارات الكبيرة".
وأضاف: "يمكن القول بدون مبالغة، إن كل أسرة في الموصل خسرت أحد أفرادها، فإن لم يكن على أيدي عناصر "داعش" فقد يكون على أيدي القوات العراقية والمليشيات، أو بالقصف الجوي لطيران التحالف الدولي، المسؤول عن خراب المدينة".
وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن "محاكمة ومحاسبة المتورطين وأولهم نوري المالكي، ما هو إلا حدث قد يعيد الثقة بين المواطن والدولة، خصوصاً أن جميع الإفادات في تقرير لجنة التحقيق بسقوط الموصل أثبتت مسؤوليته".
وشدد عمر على أن "تطبيق القانون لا بد أن يشمل الجميع، وهناك عشرات الضباط برتب بسيطة وغير مؤثرة، أدينوا وجرت محاكمتهم، لكن لا أحد يجرؤ على الحديث عن نوري المالكي". وأضاف أن "القضاء العراقي متهم بالتواطؤ في عدم فتح ملف سقوط الموصل، لا سيما أن جميع المتهمين موجودون في بغداد، عدا عن عدد ضئيل منهم في أربيل وتركيا".
واعتبر أن "هذا التغييب لملف محاسبة المسؤولين عن سقوط المدينة ثم مدن أخرى، يدل على عدم احترام القانون وضعفه، وقد يؤدي هذا الأمر إلى أزمات أمنية وسياسية واجتماعية في البلاد".
ومطلع العام الماضي، قال نائب رئيس البرلمان العراقي، شاخوان عبد الله، إن ملف التحقيق في سقوط مدينة الموصل على يد "داعش"، ما زال قائماً ولم يغلق، من دون أن يوضح ما إذا كان الملف بعهدة القضاء أم داخل الحكومة. وأضاف عبد الله، في بيان رسمي: "للأسف أكثر المتهمين (بالتسبب في سقوط الموصل) ما زالوا طلقاء من دون حساب أو قصاص"، مشدداً على أن البرلمان "سيعمل على تفعيل توصيات اللجنة النيابية التحقيقية التي تشكلت عام 2014 بعد أحداث الموصل، وهذا الملف ما زال قائماً ولم يغلق".
وخاض العراق، بدعم من التحالف الدولي، معارك عنيفة لاستعادة السيطرة على الموصل، بدءاً من أكتوبر/تشرين الأول 2016، استمرت لنحو 10 أشهر، لتنتهي بطرد مسلحي "داعش" في يوليو/تموز 2017، مخلّفة عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين. وقبل ذلك بعام، تسلّمت حكومة حيدر العبادي في 2016 بنود التحقيق في سقوط الموصل، إلا أن السلطات لم تستدعِ أياً من الأسماء التي ذكرها التقرير البرلماني، وعلى رأسهم المالكي، المتهم الأول في القضية وفقاً لنصّ التقرير البرلماني.
وجاء في التقرير، أن "المالكي و35 مسؤولاً كبيراً يتحمّلون مسؤولية تسليم الموصل للتنظيم من دون قتال". ويواجه القضاء اتهامات وانتقادات بالمماطلة في إنهاء الملف، وعدم استعمال الإجراءات القانونية في القبض على المتهمين والتحقيق معهم.
التوقعات بمحاسبة المتسببين في سقوط الموصل لا تنفع
من جهته، رأى محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، وهو أحد المتهمين وفق تقرير البرلمان، أن الشارع يشعر بأن محاسبة المتسببين في سقوط الموصل سيبقى مطلباً نظرياً لا مجال لأن يتحقق.
حمّل تحقيق برلماني المالكي و35 مسؤولاً كبيراً مسؤولية تسليم الموصل للتنظيم من دون قتال
وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "محاكمة نوري المالكي، وهو المسؤول الأول عن سقوط المدينة بيد التنظيم الإرهابي، كان يفترض أن تتم عقب إعلان تحرير المدينة مباشرة، وهناك حاجة إلى محاسبته ومحاسبة النهج السياسي الذي أوصل العراق إلى كل هذا الخراب، لكن لم يتحقق ذلك لأن المنهج لم يُكسر ولم يُهزم".
وأكمل النجيفي أن "التقرير الذي أصدره البرلمان العراقي، والذي أورد اسمي إلى جانب آخرين، اعتمد على الشائعات والإفادات غير الحقيقية في بعض المفاصل، وأن هذا الإعداد لا يكفي حتى يتحرك القضاء لتحقيق انتصار للعدالة، والتقرير البرلماني لم يتضمن أي أدلة حقيقة ومثبتة".
وتابع أن "التقرير أهمل جوانب عسكرية مهمة في تلك الفترة، ولم يتحدث عن الحكومة (نوري المالكي) في ذلك الوقت، وتحديداً قبل سقوط المدينة بأيام".
انتهاج أسلوب التمييع
من جهته، لفت الباحث في الشأن السياسي حمدان كوكجلي إلى أن "الحكومات العراقية تنتهج أسلوب التمييع مع كل الملفات المهمة، فهي تسعى إلى طمس الملفات التي تدين المسؤولين وزعماء الأحزاب والمليشيات، وذلك في إطار سياسي يمنع محاكمة أي شخصية من شخصيات الصف الأول، لكن طمس ملفات التحقيق وعدم المحاسبة لا يعني طمس الحقيقة".
وأضاف كوكجلي، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك حملات سياسية تجري منذ عامين لاستهداف أهالي الموصل في سبيل تبرئة المالكي من جريمة إسقاط مدينتهم بيد "داعش". وتقود هذه الحملة فصائل من الحشد الشعبي، لكن لا يوجد تعاطف مع هذه الحملة، بل إن أهالي الموصل يزدادون تمسكاً بمطلبهم هذا".