أذهل عدم الكفاءة الذي أظهره الجيش الروسي في محاولته الأولية للسيطرة على أوكرانيا المحترفين العسكريين، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، التي ترى أن ثاني أقوى جيش في العالم أخطأ في كل خطوة تقريباً منذ الساعات الأولى من الغزو. والآن، وبعد سبعة أسابيع من الحرب التي توقعت روسيا والغرب أن تستمر أياماً فقط؛ يتمتع الأوكرانيون بزخم أكبر. لقد أجبروا الروس على التراجع "المهين" من شمالي البلاد، وأوقفوا أو عكسوا التقدّم الروسي على معظم الجبهات الأخرى.
في الوقت الحالي، تشير التقارير إلى أن روسيا تركّز جهودها للسيطرة على المنطقة الشرقية من أوكرانيا، ويبدو ذلك محل تشكيك كبير، خاصة مع الفشل الذي منيت به المحاولة الأولى، وفي هذا المجال تستعرض الصحيفة تسعة من أهم الأخطاء، التي يرى خبراء عسكريون أنها كانت السبب وراء الفشل الروسي.
1. أخطأ الروس في تقدير قوة الأوكرانيين
ترى "واشنطن بوست" أن أكبر خطأ على الإطلاق كان التقليل من شأن عزيمة الأوكرانيين وقدرتهم على المقاومة. فقد خططت روسيا لتحقيق نصر سريع وسهل، وتوقعت أن يتم الترحيب بقواتها. ولكن بدلاً من ذلك رد الأوكرانيون بضراوة، مدعومين بأسلحة من الغرب.
ولم يكن الجيش الأوكراني وحده من قاتل، فقد أخذ المدنيون العاديون بزمام المبادرة لإحباط التقدم الروسي، ومثال ذلك ما حصل في بلدة فوزنيسينسك الزراعية، حيث حمل الأهالي بنادق الصيد وألقوا الطوب للمساعدة في إيقاف تقدم الجنود الروس على طول نهر بوك، المحاذي لبلدتهم جنوباً.
2. ضعف استعداد القوات الروسية
تشير شهادات الجنود الروس الذين أُسروا إلى أن العديد من القوات لم يتم إخبارها بأنها ستغزو أوكرانيا. كشف بعضهم أنه قيل لهم إنهم سيشاركون في مناورة عسكرية، وبعض آخر قالوا إنهم أرسلوا إلى منطقة دونباس الشرقية فقط. وفي هذا السياق، يقول جاك واتلينغ، من معهد "رويال يونايتد سيرفيسز للدراسات الدفاعية والأمنية" (RUSI)، ومقره لندن، إن هذه الشهادات تشير إلى أن الجنود الروس كانوا غير مستعدين نفسياً لخوض الحرب.
ويرى واتلينغ أن ضخامة الخسائر التي تكبدتها روسيا في وقت لاحق أدت إلى تفاقم المعنويات المتدنية أصلاً. وقد قدّر "حلف شمال الأطلسي" عدد القتلى الروس بنحو 15000 خلال الأسابيع الأربعة الأولى من الحرب، أي أكثر من عدد القتلى في حرب الاتحاد السوفييتي التي استمرت 10 سنوات في أفغانستان. ويقول المسؤولون الأوكرانيون إنهم جمعوا 7000 جثة روسية من ساحات المعارك، رغم أن روسيا تؤكد أنها فقدت 1351 جندياً فقط.
3. الغزو بدون إمدادات كافية
بدت الوحدات الروسية غير مستعدة على الإطلاق للظروف والأوضاع التي واجهتها. فالوحدات العسكرية التي كانت تتوقع دخولها دون معارضة إلى كييف ومدن أخرى جلبت إمدادات تكفي لأسبوعين فقط، وسرعان ما نفدت تلك الإمدادات. وقد أظهرت مقاطع فيديو جنوداً روساً تقطعت بهم السبل على جوانب الطرق، بجوار آلياتهم لأنهم لا يملكون وقوداً، وجنوداً جائعين ينهبون المتاجر ويسرقون الدجاج.
وتنقل "واشنطن بوست" عن جون سبنسر، الذي يرأس برنامج دراسات الحرب الحضرية في "منتدى سياسات ماديسون" (MPF)، ومقره في نيويورك، أنه من المثير للدهشة أن تلك القوات كانت تفتقر أيضاً إلى بعض الأدوات الرئيسة للحرب الحديثة، مثل معدات الرؤية الليلية. كان الأوكرانيون يمتلكون مثل هذه المعدات، وكانوا قادرين على السيطرة الليلية، وشنوا هجمات ونصبوا كمائن تحت جنح الظلام ضد عدو كان غير قادر على رؤيتهم.
بل إن بعض التقارير أفادت بأن روسيا كانت غير قادرة على تأمين أسلحة جيدة بشكل كافٍ لتجهيز جميع القوات التي أرسلتها إلى المعركة، إذ أفاد شهود في تقرير لـ"رويترز" بأن بعض الجنود الذين جُنّدوا حديثاً على الجبهة الشرقية، حصلوا على بنادق تم تطويرها لأول مرة في القرن 19، وتوقف إنتاجها منذ عقود.
4. عدم الاعتراف بسوء الخدمات اللوجستية
يتحدث الخبراء العسكريون عن فشل لوجستي كبير، فعندما نفد الطعام والإمدادات الأخرى للقوات بعد فشل الخطة الأولية، لم يكن لدى رؤسائهم أي خطط لإعادة الإمداد. توقفت الدبابات، وأعطبت إطارات الشاحنات التي تم إرسالها بعد ذلك، دون أن تتم صيانة كل ذلك بشكل جيد، مما ساهم في ازدحام القافلة التي كان يبلغ طولها 40 ميلاً (65 كيلومتراً)، والتي تحولت إلى ازدحام فوضوي.
وعلى الرغم من أن عبارة "الاستراتيجية حديث الهواة، أما المحترفون فيتحدثون عن الخدمات اللوجستية" تبدو اليوم عبارة مبتذلة ومكرورة في الدوائر العسكرية؛ ولكن بدا أن الروس لم يسمعوا بها مسبقاً.
5. الفشل في تدمير الدفاعات الجوية الأوكرانية
توقّع خبراء عسكريون أن تشن القوات الروسية حملة كثيفة من القصف تستهدف من خلالها أنظمة وقواعد الدفاع الجوي الأوكرانية، وكذلك سلاح الجو الأوكراني، قبل إرسال القوات عبر الحدود. ولكن ما حصل أن القوات الروسية توغّلت دون إسناد جوي.
وبحسب الخبراء الذين التقتهم "واشنطن بوست"، فإن ذلك قد يعود إلى سوء التقدير الأولي للقادة، بأنهم سيواجهون مقاومة ضعيفة. ولكن ما يثير حيرة حتى الآن أن القوات الجوية الأوكرانية ما زالت قادرة على التحليق بعد سبعة أسابيع من بدء الاجتياح الروسي.
6. الهجوم على جبهات عديدة
بدأ الغزو الأولي على أربع جبهات؛ الشمال باتجاه كييف، الشمال الشرقي باتجاه خاركيف، الشرق، الجنوب من شبه جزيرة القرم.
وبمجرد أن واجهت الدفعة الأولى من القوات مقاومة، وجدت بقية القوات نفسها عالقة على طول حدود أوكرانيا، مما أدى إلى توسّع خطوط الإمداد غير الكافية أصلاً.
وهنا تورد "واشنطن بوست" تفصيلاً عن قاعدة "معدل القوة" التي يستخدمها خبراء التكتيكات العسكرية، إذ تحتاج القوة الغازية إلى 20 جندياً لكل 1000 من سكان الدولة. وبالنسبة لدولة بحجم أوكرانيا، فإن هذا الحساب يعني 880.000 جندي، بحسب مايكل كلارك، أستاذ دراسات الحرب في كلية كينجز لندن. وقد غزت الولايات المتحدة العراق بمعدل قوة 7، وواجهت جيشاً أقل قدرة بكثير من جيش أوكرانيا، أما روسيا فقد غزت أوكرانيا بمعدل قوة 4.
7. استخدام اتصالات غير آمنة
ترى "واشنطن بوست" أنه من المثير للدهشة أن الروس شنوا حرباً كبرى مستخدمين الهواتف المحمولة وأجهزة راديو قديمة للتواصل. وقد تمكّن الأوكرانيون من اعتراض الرسائل حول تحركات القوات الروسية، وأعدوا الكمائن المناسبة لها. وقد قتل سبعة على الأقل من الجنرالات الروس في ساحة المعركة، لأن الأوكرانيين اعترضوا رسائل حول مواقعهم، وفقاً لمسؤول غربي تحدث للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته.
لقد كان الوصول إلى الاتصالات العسكرية الروسية سهلاً لدرجة أن محبي الراديو الهواة كانوا يستمعون إليها ويقومون ببثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
8. الافتقار إلى هرمية قيادية واضحة
يقول الخبراء إن الجيش الروسي شديد المركزية، ولا يمكّن القوات على الأرض من اتخاذ قرارات أو إصدار أوامر. والقوات التي سرعان ما واجهت صعوبة في الغزو لم تكن قادرة على التغيير للتكيّف مع ظروفها الجديدة؛ لأنها اضطرت إلى انتظار أوامر من رؤسائها في موسكو، عبر خطوط اتصالات غير آمنة.
وعلى عكس الجيوش الغربية الأخرى، فإنه لا يوجد لدى الجيش الروسي ضباط صف، ولذلك فإن القوات تُترك في حال تخبّط عندما لا يتم تنفيذ أوامرها الأصلية.
9. عدم وجود خطة (ب)
من الواضح أن الروس لم يكونوا مستعدين لسيناريو مواجهة المقاومة. وعندما فعلوا ذلك، لم يكونوا قد وضعوا أي خطة احتياطية كما يبدو. وبدلاً من ذلك، تم الضغط على القوات لتتقدم إلى الأمام، فوقعت في الكمائن وتعرضت للقتل على يد الأوكرانيين. لقد تم إرسال القوافل المدرعة دون دعم من المشاة، ما جعلها أهدافاً سهلة للأوكرانيين المسلحين بأسلحة محمولة مضادة للدبابات، مثل صواريخ "جافلين"، التي قدمتها الولايات المتحدة.
إن الخطة الروسية كانت برمتها سيئة منذ البداية، من حجم القوة المعدّ للغزو، إلى الاستعداد والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، كما يقول الخبراء العسكريون. وبحسب الخبراء الذين تنقل عنهم "واشنطن بوست"، فإن عدم الكفاءة في التخطيط والقيادة والسيطرة والاتصالات كان مذهلاً.