تشهد الحدود الشرقية لقطاع غزة مع الأراضي المحتلة تحركات شعبية غير رسمية، للأسبوع الثاني على التوالي، من قبل عشرات الشبان، بطريقة تعيد للأذهان مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار التي انطلقت في 30 مارس/ آذار 2018، بتوافق بين الفصائل كوسيلة للضغط على الاحتلال الإسرائيلي.
وخلال الأيام القليلة الماضية، شهدت الحدود الشرقية للقطاع تحضيراً لمخيمات العودة التي كانت تستقبل المتظاهرين، قبل توقف المسيرات بشكلها الذي انطلقت عليه أواخر عام 2019، وتحوّلها إلى نظام فعاليات غير منتظمة تقام في المناسبات الوطنية المهمة.
سهيل الهندي: من حق المقاومة والشعب الفلسطيني طرق الوسائل كافة لمقاومة الاحتلال
ولم تعلن الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار عن عودة التظاهرات، أو شكلها المتوقع بشكلٍ واضح، باستثناء إعلان مقتضب تحدثت فيه عن تجهيز مخيمات العودة في أكثر من مكان شرق القطاع، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى متعلقة بمواعيد الفعاليات.
مسيرات العودة للتخفيف من الحصار
وشكّلت مسيرات العودة الكبرى وسيلة، بالنسبة للفصائل الفلسطينية وحركة "حماس" على وجه الخصوص، للتخفيف من حدة الحصار الإسرائيلي، من خلال التفاهمات غير المباشرة التي جرت بوساطات عربية ودولية انتهت بتسهيلات عدة، غير أن الاحتلال تراجع بشكل لافت منذ 2021 عن غالبيتها، وعمل على تضييق الخناق على بعض الجوانب الأخرى.
وخلال فترة فعاليات المسيرات التي استمرت 21 شهراً، استشهد 215 فلسطينياً، من بينهم شبان وأطفال، في الوقت الذي أصيب فيه أكثر من 19 ألفاً آخرين برصاص وقنابل الاحتلال، تعرّض العشرات منهم لبتر في أطرافهم، جراء استهدافهم بالرصاص الحيّ والمتفجر.
ومع عودة الاحتكاكات الحدودية، يربط بين ما يحصل حالياً وبين التضييق الإسرائيلي على القطاع نتيجة الظروف المعيشية وتردي الأحوال الاقتصادية، إلى جانب التهديدات الأمنية والعسكرية التي أطلقتها حكومة بنيامين نتنياهو بعودة الاغتيالات.
"حماس" معنية بخلط الأوراق
وتبدو حركة "حماس"، التي تقود المشهد سياسياً في القطاع، معنية بخلط الأوراق على المستوى الأمني والسياسي للاحتلال الإسرائيلي، ولتحريك الوسطاء من أجل وقف حالة التشديد الحاصلة في الحصار، ووقف موجة التصعيد الإسرائيلية، التي قد تطاول كبار قادتها العسكريين والسياسيين.
وشهدت الأيام الأخيرة حديثاً متصاعداً في الشارع الفلسطيني عن إمكانية دخول القطاع في مواجهة جديدة، في ظل حالة التسخين القائمة بين الفصائل من جهة والاحتلال من جهة أخرى، في ضوء تبادل التهديدات بين مختلف الأطراف، وعدم وجود أي بوادر لتدخل الوسطاء.
وتحفظت الفصائل الفلسطينية في الحديث بشكل علني عن وجود قرار باستئناف مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار من جديد على طول الشريط الشرقي للقطاع، مع التلويح والإشارة الدائمة بأن جميع الخيارات والقرارات متاحة للتصرف أمام قوى المقاومة في غزة.
"حماس": جميع الخيارات مفتوحة
وهو الأمر الذي يؤكده عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" سهيل الهندي، بأن جميع الخيارات مفتوحة ومتاحة للتصرف مع المشهد القائم في ضوء تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة والقدس وغزة.
تيسير محيسن: ما يحصل رسالة للأطراف والوسطاء للتدخّل
ويقول الهندي، لـ"العربي الجديد"، إن المقاومة الفلسطينية تراقب عن كثب تطورات المشهد، وتتابع الحالة الميدانية، سواء في غزة أو الضفة أو القدس المحتلة، ومن حقها وحق الشعب الفلسطيني طرق الوسائل المتاحة كافة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي الذي يرتكب الانتهاكات على الصعد كافة.
أما عن وجود قرار باستئناف مسيرات العودة من عدمه، فيرفض عضو المكتب السياسي لـ"حماس" الحديث بهذا الخصوص، باستثناء الإشارة إلى أن ما يحصل على الحدود الشرقية تعبير عن حالة شعبية رافضة للحصار والتضييق اللذين يقوم بهما الاحتلال.
ويشدد الهندي على أن من حق الفلسطينيين استخدام الوسائل كافة، سواء كانت مسيرات عودة أو غيرها من الوسائل، في مواجهة الاحتلال، سواء في الضفة الغربية والقدس المحتلتين أو القطاع، إذ إنه لا يمكن القبول بأي حال من الأحوال بتجويع الشعب الفلسطيني وحصاره وقتله، حسب قوله.
وفي السابق أسفرت التفاهمات التي جرت بين الفصائل وإسرائيل عن توفير بعض التسهيلات، لعل من أبرزها المنحة القطرية التي تدفع بشكل شهري، إلى جانب السماح بدخول آلاف العمال إلى الأراضي المحتلة، فضلاً عن عودة معبر رفح البري للعمل بشكل منتظم.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن أن الشواهد الحالية توحي بأن هناك شكلاً جديداً تذهب إليه المقاومة الفلسطينية في التعامل مع الاحتلال، خصوصاً في ظل استمرار تصعيده، سواء في الضفة الغربية المحتلة أو في غزة خلال الفترة الأخيرة.
تصعيد المقاومة مقابل تصعيد إسرائيل
ويقول محيسن، لـ"العربي الجديد"، إن حالة المقاومة في الضفة الغربية، وتصعيد لهجة التهديدات الإسرائيلية وتكرار شحن الأجواء السياسية والإعلامية تجاه شخصيات وازنة في المقاومة الفلسطينية، والتلويح باستهدافها، في ظل ركود إقليمي تجاه الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ترتب عليه أن تذهب الفصائل إلى مقابلة هذا الأسلوب التصعيدي بأسلوب مشابه.
ويشير إلى أن المقاومة أرادت تسجيل خطوة للأمام، وإرسال رسائل عملية للاحتلال الإسرائيلي بأن أي سلوك إسرائيلي تجاه قادة المقاومة سيقابل برد عنيف، إذ إن المؤشرات الميدانية توحي بحالة التحشيد، سواء من خلال الحراك الشعبي على الشريط الحدودي أو غيره من الأدوات.
لا إعلان بعد عن عودة الحراك الشعبي
ووفق الكاتب السياسي فإن الإعلان الصادر عن الهيئة العليا لمسيرات العودة الكبرى هو خطوة أولية بمثابة رسالة، إذ لم يتبعها بعد إعلان عن عودة الحراك الشعبي، أو الأدوات الخشنة مثل فعاليات الإرباك الليلي والتظاهرات البحرية أو إطلاق البالونات الحارقة تجاه الأراضي المحتلة.
ويقرأ محيسن ما يحصل بأنه رسالة للأطراف والوسطاء للتدخّل، وهو ما يعني إمكانية التوقف عند هذا الحد من دون العودة للفعاليات بشكل رسمي، إذا ما نجحت هذه الأطراف في كبح جماح الاحتلال الإسرائيلي، ووضع حد لحالة الحصار، ووقف حالة التحشيد الإعلامي والتلويح بالاغتيالات.
وعن دلالات ما يجري حالياً، يقول الكاتب والباحث في الشأن السياسي أحمد الكومي إن حركة "حماس" تشعر بأن هناك تراجعاً من قبل الاحتلال عن التفاهمات التي تم توصل إليها بطريقة غير مباشرة، إلى جانب التهديدات الإسرائيلية بالرد على العمليات في الضفة وتنفيذ اغتيالات.
ويضيف الكومي، لـ"العربي الجديد"، أن "حماس" اضطرت لتفعيل أدوات القوة لديها، التي من ضمنها مسيرات العودة، التي تعتبر واحدة من ضمن هذه الأوراق، إلى جانب إرسال رسائل للمجتمع الدولي بالفصل بين الأوضاع الإنسانية والتفاعلات السياسية الحاصلة.
ويشير إلى أن الحركة، التي تدير شؤون القطاع، تريد إرسال رسائل للجميع بأنه في حال استمرار إجراءات الضغط، ولم يتم التراجع عنها من قبل الاحتلال، فإن المشهد سيكون مقبلاً على الانفجار، وهو السيناريو الذي لا تريده المنطقة، أو المجتمع الدولي، وتحديداً الإدارة الأميركية.
وبحسب الباحث في الشأن السياسي فإنه لا يوجد فصل في التفاعلات الفلسطينية حالياً بين التهديدات الإسرائيلية بعودة الاغتيالات والمشهد القائم في الضفة الغربية من عمليات متصاعدة، إذ أن الاحتلال يربط المشهد بشكل متعمد من قبل نتنياهو، الذي يريد إرسال رسائل للجمهور الإسرائيلي الداخلي بمواجهة المقاومة.