عندما لوّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام السلاح النووي في حديثه يوم 21 سبتمبر/أيلول الحالي، لم يؤخذ تهديده على محمل الجدّ في واشنطن بالرغم من تأكيده أن كلامه هذا "ليس خدعة"، حسب تقديرات بعض العسكريين (الجنرال والأدميرال المتقاعدين باري ماكفري وجيمس ستافريديس) أنه لن يذهب إلى هذا الحد لأنه يعرف تماماً أن ردة الفعل العسكرية والدولية لن تكون في النهاية لصالحه.
التخوف الأكبر كان من استدعائه 300 ألف من جنود الاحتياط باعتبار أن ذلك يؤشر إلى تصعيد كبير قادم، ولو أن ثمة من شكك بقدرة القوات الروسية في حالتها الراهنة على إعادة تأهيل قوة بهذا الحجم في المستقبل القريب.
وتعززت الشكوك بالنوايا على أثر الزيارة الخاطفة لوزير الخارجة الروسي سيرغي لافروف إلى الأمم المتحدة، حيث غادر فور إلقاء كلمته في مجلس الأمن من غير إجراء أي اتصالات دبلوماسية مع الوفود الدولية. مشاركته بهذه الصورة خلافاً للعادة، وفي هذا الظرف بالذات، ضاعفت من علامات الاستفهام والتباس الصورة التي كان من المفترض أن يساهم لافروف في توضيحها بشيء من التطمين بخصوص النووي، ليترك بذلك الانطباع بأن باب الدبلوماسية مقفل.
أول من أمس الجمعة، ازداد التوجس عندما أبلغت الإدارة الأميركية الكرملين، عبر إحدى قنواتها الخاصة، تحذيرها بخصوص تهديده النووي. وبدا أنها اتخذت هذه الخطوة بعد تزايد الريبة لديها بنوايا بوتين من خلال ربط إنذاره النووي بالاستفتاء الذي تجريه موسكو في المناطق الأوكرانية المحتلة، المتوقع على أثره أن تعلن روسيا ضم هذه المناطق لتصبح جزءاً من أراضيها.
الاعتقاد بأن بوتين قصد بصورة مبطّنة هذه المناطق الروسية الجديدة عندما وجه إنذاره باللجوء إلى أسلحة الدمار "في حال تهدّدت سلامة الأراضي" الروسية، كما قال. أي في حال واصلت أوكرانيا حربها ضد الشق الشرقي منها الذي ضمته روسيا.
وفي تعليل هذا التفسير، أعيد التذكير بالسياسية النووية الروسية التي حددت قواعد استعمال هذا السلاح في 2020 بموافقة الرئيس بوتين نفسه، والتي تقول إن النووي "يمكن استخدامه فقط في حال تعرضت البلاد لهجوم نووي"، أو في حال كان "وجود الدولة في خطر".
وهي شروط غير متوفرة في الوضع الراهن، الأمر الذي أثار الشكوك في خروج بوتين الملغوم على نص 2020. ثم أخذت التطورات، أمس السبت، شحنة إضافية من التوجس والتخوف مع إقالة نائب وزير الدفاع الجنرال ديمتري بولغاكوف، وسط الكثير من الكلام والإشاعات عن تزايد التأفف، والبعض يقول الخلافات والاعتراضات، في دائرة القرار الروسي العسكري كما في "بطانة الرئيس بوتين" من غير الرسميين والمسؤولين.
ويبدو أن واشنطن تعقد الآمال بدرجة أعلى على "تنامي معارضة الحرب في الشارع وتصاعد الاحتجاجات ضد التجنيد وطلب الاحتياط". كما يجرى تسليط الأضواء على ما تصفه التقارير الأميركية بأنه "عملية فرار وهروب مواطنين روس عبر الحدود والمطارات لمغادرة البلاد قبل البدء بعملية التجنيد".
صورة تختلط فيها المعلومات مع البروباغندا، أو ما يبدو أنه كذلك. لكن القراءة الأميركية العامة أن الرئيس بوتين في مأزق حاد، خياراته قليلة وتضيق دائرتها، بيد أن ذلك بالنسبة لواشنطن كسيف بحدين، بقدر ما ترتاح له، بقدر ما تخشى عواقبه، خاصة أنها تعرف أن بوتين لا يتقبل ولا يتحمل الهزيمة، وبالتالي لا بد أنه يبحث عن مخرج يحول دون مثل هذه النتيجة في حرب أوكرانيا.
تهديد بوتين النووي يثير الخوف من مخرج شمشوني تستبعده الغالبية، لكن لا أحد يضمن عدم وصول الحرب إلى نهاية تراجيدية يصعب تخيلها. "نحن في وضع خطير جداً"، يقول الأدميرال الأميركي جيمس ستافريديس.