تزايد التحديات أمام نتنياهو: تآكل تدريجي لمكانته السياسية

05 مارس 2024
لا يستطيع نتنياهو إقالة غالانت كما فعل سابقاً (فرانس برس)
+ الخط -

أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، في مؤتمر صحافي خاص منتصف الأسبوع الماضي، أنه لن يقبل بتقديم "قانون التجنيد"، لإلزام المتدينين-الحريديم بالخدمة العسكرية، من دون موافقة جميع أركان حكومة الطوارئ التي تضم، بالإضافة إلى معسكر اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو، تحالف حزب "همحانيه همملختي" (المعسكر الرسمي) برئاسة الوزير في كابينت الحرب بيني غانتس. ما اعتُبر أنه يمنح بذلك لغانتس، حق الفيتو في حال رفضت الأحزاب الحريدية صيغة القانون الذي طرحه حزب "المعسكر الوطني".

يأتي موقف غالانت هذا بعد يومين من إصدار المحكمة العليا قراراً في التماسات قُدمت ضد قرار الحكومة تمديد إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة الإلزامية بواسطة أمر مؤقت، وليس قانونا اعتياديا. وكانت المحكمة العليا قد ألغت في عام 2017، قانون التجنيد الذي يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية، معتبرة أنه يمس بالمساواة، وطالبت بسنّ قانون جديد.

ومنذ ذلك الحين مدد الكنيست إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، لكن بدون التوصل إلى صيغة قانون متفق عليه. نهاية يونيو/حزيران من العام الماضي انتهى مرة أخرى القانون وقامت الحكومة الحالية بتمديد العفو. نتيجة ذلك قُدّمت مرة أخرى التماسات إلى المحكمة العليا ضد هذا القرار.

قرار المحكمة العليا يمنع استمرار تمويل المعاهد الدينية بدون إقرار قانون لترتيب الإعفاء من التجنيد، أي أن التهديد على الأحزاب الحريدية مضاعف. منذ بداية شهر إبريل/نيسان المقبل لن يكون هناك قانون يعفي طلاب المعاهد من الخدمة العسكرية، وستتوقف الحكومة عن تحويل مئات ملايين الشواقل إلى المعاهد الدينية.

غالانت يهدد استمرار حكومة بنيامين نتنياهو

غالبية الأحزاب العلمانية، والعديد من حركات الاحتجاج الإسرائيلية، ترفض الإعفاء الجارف الممنوح لطلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، وتطالب بالتساوي في العبء. وهو من المواضيع الأساسية التي يرفعها حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يئير لبيد، وحزب "يسرائيل بيتنو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وكذلك حزب غانتس، الذي انضم إلى حكومة الطوارئ في أعقاب اندلاع الحرب على غزة.

وكان هذا الموضوع من أحد الأسباب المركزية التي منعت ليبرمان من الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو بعد انتخابات إبريل/نيسان 2019، بحيث اشترط أن تسنّ الحكومة قانوناً يفرض الخدمة العسكرية على الفئات المتدينة، الأمر الذي يشكل خطاً أحمر بالنسبة للأحزاب المتدينة-الحريدية الشريكة الطبيعية لنتنياهو. حينها منع هذا الموقف نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة والذهاب إلى جولة انتخابات برلمانية جديدة خلال عام واحد.

جاء موقف غالانت هذا، وفق تصريحاته، من منطلق اهتمامه بالحفاظ على الأمن القومي في فترة الحرب، إذ كان من المستبعد أن يعلن موقفاً شبيهاً بدون حالة الحرب. ومما قاله في المؤتمر الصحافي قبل أيام إن "هناك حاجة قومية ملحّة لتمديد الخدمة العسكرية في صفوف القوات النظامية وتمديد خدمة جنود الاحتياط". واعتبر غالانت أن الحرب أثبتت أنه "يجب على الجميع أن ينضموا تحت النقالة (في إشارة إلى ضرورة توزيع الأعباء)".

وأضاف: "أدعو رئيس الحكومة، نتنياهو، إلى قيادة تحرك مشترك مع كافة أطراف الائتلاف والتوصل إلى التفاهمات اللازمة".

كاسبيت: الفيتو الذي منحه غالانت لغانتس كشف عن تنسيق كامل بين الاثنين، وكذلك الفخ الذي يجد نتنياهو نفسه فيه الآن

موقف غالانت هذا وفقاً للعديد من المحللين السياسيين في إسرائيل، يشكل تحدياً علنياً واضحاً لقيادة نتنياهو خلال الحرب على غزة. وهي ليست المرة الأولى التي يقوم فيها غالانت بذلك، بحيث وقف بشكل علني في مارس/آذار من العام الماضي ضد الخطة الحكومية لتقييد القضاء، وحذر من خطورتها على تماسك الجيش والجهوزية لأي حرب مقبلة. حينها قام نتنياهو بإقالة غالانت واضطر لسحب الإقالة بعد تصاعد التظاهرات والاحتجاجات.

موقف غالانت فيه تهديد جدي لاستمرار تماسك التحالف الحكومي. فقد قال المحلل السياسي بن كسبيت، في صحيفة "معاريف"، إن "تصريح غالانت لم يكن تصريحاً عادياً، فقد قلب وزير الأمن الساعة الرملية للحكومة".

وأضاف أن "الفيتو الذي منحه غالانت لغانتس كشف عن تنسيق كامل بين الاثنين، وكذلك الفخ الذي يجد نتنياهو نفسه فيه الآن".

نتنياهو رد بعد أيام على إعلان غالانت وأوضح أنه لن يقبل أي ابتزاز سياسي، ولا أن يملك أي طرف حق الفيتو على قرارات الحكومة.

إلا أنّ نتنياهو وبسبب ضعفه السياسي الحالي لم يقم بإقالة غالانت كما فعل قبل عام، كونه يدرك أن إقالة غالانت تعني حل حكومة الحرب وفضّ التحالف مع حزب "المعسكر الرسمي".

كما أن قبول شروط غالانت يعني خسارة الأحزاب المتدينة الحريدية، وبطبيعة الحال الذهاب إلى انتخابات. في المقابل، لم ترد الأحزاب الدينية الحريدية بشكل مباشر وحاد يرفض تصريحات غالانت لغاية الآن.

زعيم حزب "شاس" الوزير ارييه درعي، صرح أنه من الصعوبة بمكان سنّ قانون التجنيد في هذه الأوقات. وحزب "يهدوت هتوراة" رد بشكل معتدل بأنه مستعد للتفاوض حول قانون تجنيد جديد يُمَكّن طلاب المعاهد الدينية من الاستمرار بواجباتهم الدينية ولا يرغم من يريد التعليم على التجنيد.

من المستبعد أن يؤدي موقف غالانت إلى حل التحالف والذهاب إلى انتخابات مبكرة في ظل الحرب.

غالانت لا يريد حل التحالف والذهاب إلى انتخابات في ظل الحرب، بل يسعى فعلاً إلى حل مشكلة تجنيد طلاب المعاهد الدينية، وتحديد سقف مقبول على الجيش لعدد الطلاب المعفيين من الخدمة، وإلى سد النقص المتصاعد في الموارد البشرية في قوات الجيش نتيجة الحرب على غزة، واحتمال اندلاع حرب أوسع في الجبهة الشمالية مع "حزب الله".

غالانت يرغب بلعب دور المحافظ على مصالح الأمن القومي، بدون اعتبارات للمصالح السياسية الشخصية. على الرغم من كل هذا لا يمكن التقليل من أهمية موقف وتصريح غالانت، وتحديه العلني لنتنياهو، في هذه الظروف. هذا مؤشر واضح على اتساع الخلافات بين غالانت ونتنياهو، وعلى تراجع مكانة نتنياهو السياسية حتى داخل حزب "الليكود"، وعلى تزايد التصدعات داخل التحالف الحكومي، المتوقع اتساعها في الأسابيع المقبلة.

غانتس يتحدى مكانة نتنياهو بالتنسيق مع الإدارة الأميركية

مؤشر إضافي على تراجع مكانة نتنياهو السياسية والتصدع داخل تحالف الحرب، برز عبر تحدي غانتس، الذي يزور واشنطن حيث يلتقي نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، وربما يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن، وذلك بدون تنسيق مع نتنياهو.

وهي سابقة في العلاقات بين الحكومات الإسرائيلية والإدارة الأميركية.

خطوة غانتس بزيارة واشنطن نوع من التمرد على قيادة نتنياهو، وأيضاً مؤشر على عدم رضا واضح ورسالة من البيت الأبيض لنتنياهو

يمكن اعتبار خطوة غانتس كنوع من التمرد على قيادة نتنياهو، وأيضاً كمؤشر عدم رضا واضح ورسالة من البيت الأبيض لنتنياهو. رد نتنياهو كان حاداً، بحيث قال إنه في إسرائيل يوجد رئيس حكومة واحد، وإن الزيارة هي زيارة غير رسمية، وإنه وفق أنظمة إدارة الحكومة يجب أن يوافق رئيس الحكومة على الزيارات الرسمية السياسية للوزراء قبل الزيارة.

كما أصدر نتنياهو تعليماته للسفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل هرتسوغ بعدم مرافقة غانتس في زيارته كما هو متّبع.

رد نتنياهو على تصرف غانتس كان أشد من رده على مواقف وتصريحات غالانت حول قانون التجنيد. نتنياهو يعتبر تصرف غانتس إهانة شخصية وتحدياً لقيادته للحكومة الإسرائيلية.

ناهيك عن أن هذه الزيارة جاءت بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، وبذلك فإن الصفعة الموجهة لنتنياهو مزدوجة، من غانتس ومن واشنطن.

وعلى ما يبدو فإن نتنياهو يدرك أن غالانت لن يتجه إلى تفكيك الحكومة، وأنه بالإمكان التوصل إلى صيغة حل وسط لتخطي أزمة قانون التجنيد، وأن غالانت لا يشكل تهديداً على نتنياهو في أي انتخابات مقبلة، على عكس غانتس، وأن أي خطوة تحسن من مكانة الأخير ستضر بالضرورة بمكانة نتنياهو.

مع استمرار مراوحة المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة "حماس" حول صفقة جديدة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، والاقتراب من بداية شهر رمضان الأسبوع المقبل، واستمرار ضغط واحتجاج أهالي الأسرى والمخطوفين في إسرائيل للتقدم نحو صفقة، والجمود العسكري ميدانياً، والتهديدات الإسرائيلية بتوسع الحرب البرية نحو رفح، تتزايد مؤشرات تحدي نتنياهو سياسياً داخل التحالف الحكومي، ومن قبل وزراء مركزيين.

تحدي نتنياهو من قبل غالانت وغانتس يشير إلى استمرار تآكل مكانة نتنياهو السياسية، مما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التصدع داخل التحالف الحكومي، وإلى زعزعة صورة نتنياهو ومكانته كرئيس للوزراء. هذا بالتزامن مع ارتفاع منسوب عدم الرضا في الإدارة الأميركية تجاه نتنياهو وإدارته لملفات الحرب وترجمة ذلك بخطوات ميدانية.

The website encountered an unexpected error. Please try again later.