تريث تركي في إطلاق العملية شمالي سورية: الاستعدادات غير مكتملة

30 مايو 2022
الاستعدادات للعملية التركية تسير بوتيرة منخفضة (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

تتمسك تركيا بإطلاق عملية عسكرية جديدة شمال سورية من أجل استكمال إنشاء "المنطقة الآمنة"، بعمق 30 كيلومتراً، بحسب ما كان أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أخيراً.

لكن يبدو أن أنقرة تتريث في ما يتعلق بانطلاقها، بانتظار ما تقول إنه استكمال الاستعدادات العسكرية والسياسية، لا سيما بعد الموقف الأميركي المعارض. 

وأعلن أردوغان، في كلمة عبر اتصال هاتفي وجّهها إلى فعالية أقيمت بمناسبة مرور ألف يوم على اعتصام "الأمهات والأسر ضد الإرهاب" في ديار بكر، أمس الأحد، أن بلاده "ستستكمل الحزام الأمني البالغ عمقه 30 كيلومتراً، والذي نعمل على إقامته خطوة بخطوة على طول حدودنا مع سورية، في أسرع وقت ممكن".

دبلوماسي تركي: حراك دبلوماسي واسع لتوفير الغطاء السياسي للعمل العسكري

وانتقد أردوغان، في تصريحات نشرتها وسائل إعلام تركية، أميركا لدعمها "وحدات الحماية" الكردية، التي وصفها بالتنظيمات المسلحة الإرهابية في سورية. 

وقال: "في شمال سورية هناك بؤر إرهابية، وهي نقاط تمركز، وممتدة في شمال شرق وشمال غرب البلاد، وللأسف فإن دول التحالف، وعلى رأسها أميركا، تواصل تقديم مختلف أنواع الدعم العسكري بالأسلحة والآليات والمستلزمات والذخائر لها". 

واعتبر أن "على أميركا القيام بما يلزم، وإن لم تفعل ما يجب عليها في مكافحة الإرهاب، فإننا سنعمل ذلك لوحدنا. تركيا لا تطلب الإذن من أي أحد في مكافحة الإرهاب".

وتحدث مصدران تركيان، دبلوماسي وعسكري، مطلعان لـ"العربي الجديد"، عن التحضيرات للعملية العسكرية الجديدة شمال سورية. وبيّنا أن العملية لم تؤجل، بل هي في طور التحضيرات التي تتم على أكثر من مستوى، سواء السياسي والدبلوماسي منها، أو العسكري والميداني.

في المقابل، قال مصدر مطلع في "الجيش الوطني السوري" المعارض، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الجانب التركي قد أبلغ قادة الفصائل بتأجيل العملية العسكرية إلى أجل لم يحدد بعد، وذلك خلال الاجتماع الذي جرى، مساء أمس الأول السبت، في منطقة حوار كلس على الحدود السورية التركية.

وأكد المصدر أن تأجيل العملية جاء بشكل مفاجئ، بعد أن تم تحديد مسارها ومراحلها خلال اجتماع جرى قبل يوم من تأجيلها. وأوضح أنه كان من المفترض أن تصل، في مرحلتها الأولى، منطقة "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي جغرافياً مع منطقة "نبع السلام" في شرقي الفرات.

تحضيرات تركية متواصلة للعملية في الشمال السوري

وقال المصدر التركي الأول، وهو دبلوماسي، لـ"العربي الجديد"، إن "التحضيرات تتواصل على قدم وساق من الناحية السياسية والدبلوماسية". وأشار إلى أن "هناك حراكا دبلوماسيا واسعا من أجل توفير الغطاء السياسي للعمل العسكري، من خلال التواصل مع الأطراف المعنية، وهي روسيا وأميركا بالدرجة الأولى. حيث تحاول الدبلوماسية التركية الاستفادة من التطورات الجارية في العالم، كالحرب الروسية الأوكرانية، وتطورات عضوية الناتو".

وأضاف أن "التواصل مع الجانب الأميركي ما زال مستمراً، في وقت ترى أنقرة أن ثمة تفهماً من قبل موسكو لمواقف أنقرة من العملية العسكرية، خاصة أنه من الواضح أن موسكو لديها استراتيجيات جديدة في سورية تتجلى في إخلاء المواقع العسكرية".

الخلاف مع أميركا حول حدود العملية

وأكد الدبلوماسي أن "التواصل مع الجانب الأميركي لا يزال مستمراً، والخلافات ليست في ما يتعلق بالعمل العسكري، بل بالحدود والأبعاد. ولكن المؤكد أن تركيا ستطالب بعمق 30 كيلومتراً، ولن تتنازل عنه، وهو ما يعني إضافة عين عيسى وعين العرب لهذه المنطقة، وهما منطقتان تتمسك بهما أميركا. وبقية المناطق بحاجة أيضاً لمزيد من التوافقات، مثل منبج التي تقع على بعد أكثر من 30 كيلومتراً".

من جهته، قال المصدر العسكري إن "العملية العسكرية الجديدة لن تجرى حتى تستكمل الاستعدادات الميدانية. وقبيل استكمال هذه الاستعدادات لن يصدر الأمر العسكري من أردوغان لإطلاق العملية. وحالياً لا تزال الاستعدادات تسير بوتيرة منخفضة، وربما تسرع في الأيام المقبلة، وعند اكتمالها يمكن الإعلان عن انطلاقها في أي لحظة". 

وأضاف أن "تسارع وتيرة الحشد العسكري والاستعدادات ستكون من المؤشرات لقرب العملية العسكرية. ومن الواضح أن الأوضاع الداخلية والخارجية هي التي ستتحكم في وتيرة الحشد والتحضير في الأيام المقبلة".

ويُفهم من كلام المصدرين التركيين أن أنقرة تواصل محاولاتها للحصول على الضوء الأخضر لعمليتها العسكرية، إذ إن الواضح أن العقبة هذه المرة هي أميركا وليس روسيا. وتسعى أنقرة للكسب من وراء موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية وموقفها المعارض لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما أن أي عمل عسكري قد توظفه الحكومة كورقة في الانتخابات المقبلة.

قصف تركي لمواقع "قسد"

ميدانياً، لا تزال أجواء التسخين قائمة على الأرض، وسط تحليق متواصل للطيران الحربي الروسي في سماء تلك المناطق. وقال مصدر من "الجيش الوطني"، لـ"العربي الجديد"، إن القوات التركية قصفت، أمس الأحد، قرية شمالي مدينة منبج بريف حلب الشرقي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وقرى أخرى بريف حلب الشمالي.


اتهمت "الإدارة الذاتية" تركيا بالسعي لخلق المزيد من الفوضى في سورية

وأشار إلى أن "الجيش الوطني السوري"، المدعوم من تركيا، قصف بالمدفعية مواقع "قسد" في ناحية أبو راسين شرق رأس العين ومحيط بلدة تل تمر شمال الحسكة، وكذلك قرية زور مغار غرب مدينة عين العرب شرق حلب. 

وأشار المصدر إلى تحليق مروحيات روسية، صباح أمس الأحد، على علو منخفض، على طول الشريط الحدودي مع تركيا بريف الحسكة الشمالي، وذلك بعد أن نفذ الطيران الروسي غارة، ليل أمس الأول، إلا أن الصاروخ انفجر في سماء مدينة جرابلس شرق حلب، من دون وقوع أضرار أو إصابات.

وكانت روسيا دفعت، قبل أيام، بتعزيزات إلى الشرق السوري، حيث هبطت طائرتان حربيتان و6 مروحيات في مطار القامشلي في ريف الحسكة، تزامناً مع تصاعد الحديث عن قرب إطلاق تركيا عملية عسكرية تستهدف مناطق سيطرة "قسد" شمال سورية.

"الإدارة الذاتية" تهاجم تركيا

من جهتها، اتهمت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية"، في بيان أمس الأحد، تركيا بالسعي إلى "خلق المزيد من الفوضى في سورية، وفي المنطقة عموماً"، من خلال خططها "توسيع رقعة احتلالها، من خلال التهديد المباشر بالهجوم والتوغّل مسافة 30 كيلومتراً على الحدود السورية الشمالية في مناطق الإدارة الذاتية".

ورفضت "الإدارة الذاتية" ما سمته بـ"الحجج الواهية" التي تتحدث عنها تركيا "من قبيل المنطقة الآمنة وإعادة اللاجئين". واعتبرت أن هدفها الحقيقي هو "تغيير هوية المناطق التاريخية على الحدود السورية، وتفريغها من سُكّانها، على غرار ما حدث في عفرين ورأس العين وتل أبيض، وكذلك رغبة تركيا في تغيير ديمغرافي على مستوى الهوية السكانيّة كلها".

وحذر بيان "الإدارة" من أنه ستكون لهذه السياسة "تداعيات خطيرة في مسألة التطهير العرقي، وخلق صراع طويل الأمد بين مكونات المنطقة، ما يهدد مستقبلها".

ورأى البيان أن تركيا تخرق الاتفاقيات الدولية ذات الصلة في المنطقة، مع روسيا والولايات المتحدة. وحذر من أن السماح لأنقرة بأي عمل عسكري ستكون له "تداعيات على مصادر العيش وعلى المياه والزراعة". كما اتهم أردوغان باستغلال الوضع في سورية لغايات انتخابية في الداخل التركي.

وكانت "قسد" دفعت، أمس الأحد، بتعزيزات عسكرية نحو جبهات عين عيسى، فيما تواصل عمليات حفر الخنادق والأنفاق وتعزيز الجبهات والمحاور، استعداداً لعملية عسكرية تركية، فيما دوّت انفجارات في محيط حقل العمر النفطي الذي تتمركز فيه أكبر قاعدة للتحالف الدولي في سورية، ناتجة عن تدريبات عسكرية مشتركة بين التحالف و"قسد".

المساهمون