أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أول من أمس الإثنين، تأهيل مطار الجراح العسكري شرقي مدينة حلب السورية بعد نحو ست سنوات من استعادته من تنظيم "داعش"، في خطوة يبدو أنها تهدف لترسيخ الحضور العسكري الروسي في منطقة ليست بعيدة عن خطوط التماس مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في غرب الفرات وشرقه، ومع فصائل المعارضة السورية في شمال شرقي حلب.
وذكرت وزارة الدفاع الروسية، مساء الإثنين الماضي، أن عسكريين روسا وسوريين تابعين للنظام رمموا مطار الجراح، والمعروف بمطار "كشيش".
نشرت القوات الروسية منظومات دفاع جوي داخل مطار الجراح
وأشارت إلى أن "القاعدة الجوية المشتركة للقوات الجوية الروسية والسورية في مطار الجراح تجعل من الممكن تغطية حدود الدولة". وأكدت حسابات عسكرية، موالية للنظام السوري قبل أيام، أن قوات النظام أعادت بدعم من الجيش الروسي تفعيل القاعدة العسكرية الجوية في مطار الجراح.
نشر منظومات دفاع جوي في "الجراح"
ولفتت إلى أن القوات الروسية نشرت داخل المطار منظومات دفاع جوي من طراز "بوك إم 2 إي" و"بانتسير إس 1"، مؤكدة أن الهدف تعزيز قدرة قوات النظام في التصدي للغارات الإسرائيلية.
وتنقلت السيطرة على هذا المطار الصغير الواقع إلى الشرق من حلب بنحو 70 كيلومتراً بالقرب من قرية المهدوم، بين مختلف القوى المتصارعة في سورية، حيث سيطرت عليه فصائل المعارضة في العام 2013، ثم طردها تنظيم "داعش" منه في 2014، قبل أن يفقد السيطرة عليه لصالح قوات النظام في مايو/أيار من العام 2017، مع بداية تراجعه أمام هذه القوات.
ويقع مطار الجراح بين مطار كويرس العسكري في شرقي حلب، والذي يعد أكبر المطارات في سورية، ومطار الطبقة شرقاً الذي كان "داعش" سيطر عليه منتصف العام 2014 بعد معارك مع قوات النظام، ثم سيطرت عليه "قسد" في الربع الأول من عام 2017، ليتحول إلى قاعدة مهمة لها على الأطراف الشمالية للبادية السورية.
ولا يبتعد مطار الجراح كثيراً عن أماكن سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، سواء غربي نهر الفرات حيث مدينة منبج وبعض ريفها، أو شرقه حيث ريف حلب الشمالي الشرقي.
وفي السياق، أوضح العقيد الطيار مصطفى بكور (منشق عن قوات النظام)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مطار الجراح العسكري يقع على الضفة الغربية لنهر الفرات بالقرب من مدينة مسكنة في أقصى ريف حلب الشرقي.
قاعدة تجمع للقوات الروسية
ولفت إلى أن مطار الجراح يعتبر من أكبر المطارات الموجودة في تلك المنطقة، ويمكن أن يكون قاعدة تجمع للقوات الروسية أو لقوات النظام. وبيّن أن "القوات الموجودة فيه تستطيع التحكم بطريق حلب ــ الرقة الدولي الذي يقطع ريف حلب الشرقي، كما يمكن أن يشكل خطراً على مناطق شرق الفرات، باعتباره قاعدة انطلاق متقدمة قريبة من مناطق التحالف الدولي بقيادة أميركا وقسد".
وأشار إلى أن مطار الجراح "ليس بعيداً عن الحدود السورية التركية، ومن ثم فهو قريب من المنطقة الآمنة التي تطالب بها تركيا في شمال سورية".
ويسيطر النظام بشكل كامل أو جزئي على عدة مطارات في شمال وشمال شرقي سورية، أبرزها مطار كويرس، الذي لم يفقد السيطرة عليه طيلة سنوات الحرب، رغم محاصرته من فصائل المعارضة السورية أو تنظيم "داعش".
ويعد أكبر مطار من حيث المساحة في سورية، ويضم مقرات وأبنية ومنشآت الكلية الجوية في وزارة الدفاع في حكومة النظام. وفكت المعارضة الحصار عن هذا المطار الواقع الى الشرق من حلب في العام 2015، بعد عامين من حصاره.
وللنظام مطار عسكري آخر بالقرب من مدينة حلب، وهو النيرب، الذي تحوّل مطلع العام الماضي إلى قاعدة للمليشيات الإيرانية في سياق خطة بعيدة المدى لإحكام السيطرة على كامل حلب، كبرى مدن الشمال السوري.
حمود: أهمية "الجراح" تكمن بقربه من مناطق سيطرة "قسد"
وقلل يوسف حمود، الرائد الطيار المنشق عن قوات النظام، في حديث مع "العربي الجديد" من أهمية مطار الجراح كونه "لا يبعد كثيراً عن مطار الكلية الجوية (كويرس)"، مضيفاً أن "مطار الكلية أكبر لجهة الاستيعاب وجاهزية المهبط للإقلاع والهبوط. في مطار الكلية الجوية كل شيء جاهز ومؤهل".
"الجراح" قريب من مناطق "قسد"
وأوضح أن مطار الجراح "كان مطار تدريب للطلاب الضباط على طائرات أل 39، أي تابعا لمطار الكويرس"، مضيفاً أن أهمية المطار تكمن في قربه من مناطق سيطرة "قسد" في منبج وفصائل المعارضة السورية شمال شرقي حلب.
وبيّن أن الترميم الذي قام به الجانب الروسي للمطار "لم يتضمن تجهيزه لعمليات الإقلاع والهبوط لطيران مقاتل وأبراج المراقبة ومحطات اللاسلكي".
ولفت إلى أن الروس وضعوا فيه قاعدة بانتسير وبوك وهي منصات دفاع جوي لحماية العناصر الموجودين داخل المطار.
ويعتقد حمود أن التحرك الروسي في مطار الجراح "جاء رداً على تحركات مماثلة للجانب الأميركي في شرقي نهر الفرات في ظل الحديث عن إقامة قواعد جديدة من قبل الأميركيين"، مضيفاً: أعتقد أن ترميم الحراج رسالة من الجانب الروسي أنهم موجودون في المنطقة.
ويشترك النظام مع "قسد" في السيطرة على، والتحكم في مطارين، الأول هو "منّغ" في ريف حلب الشمالي والقريب من الحدود السورية التركية وعلى خطوط التماس مع فصائل المعارضة السورية، المدعومة من أنقرة، والثاني "الطبقة" الواقع على بعد نحو 50 كيلومتراً غرب مدينة الرقة.
وكانت "قوات سوريا الديمقراطية" أبرمت أواخر عام 2019 اتفاقاً مع الجانب الروسي للحيلولة دون اتساع نطاق عملية "نبع السلام" التركية في شرقي الفرات، سمحت بموجبه لقوات النظام بالتجمع في مطار الطبقة قبل نقلها إلى مواقع لها شرقي نهر الفرات، على خطوط التماس مع فصائل المعارضة الموالية لتركيا.
وكانت قوات النظام والمليشيات الإيرانية أرسلت تعزيزات الى مطار منغ باتفاق مع "قسد" منتصف العام الماضي، مع تصاعد التهديد التركي بشن عملية برية واسعة النطاق في ريف حلب الشمالي.