تتكثّف الاتصالات السياسية بين الجزائر والولايات المتحدة الأميركية في الفترة الأخيرة وبشكل لافت، إذ جرت لقاءات ومكالمات هاتفية بين كبار المسؤولين من البلدين، لمناقشة عدد من القضايا المركزية في منطقة الساحل، تزامناً مع التحضير لعقد دورة جديدة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين مرتقبة الشهر المقبل في واشنطن.
في أحدث هذه اللقاءات، جرت محادثات بين الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية لوناس مقرمان ونائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، جوشوا هاريس، مساء أمس الأحد، في سياق جولة يقوم بها هاريس إلى المنطقة.
وبحسب البيانات الأميركية والجزائرية، فإن جولة هاريس موجهة بالأساس، إلى "دعم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لتحقيق حل سياسي لقضية الصحراء، إلى جانب مستجدات الأوضاع في منطقة الساحل الصحراوي، لا سيما في سياق الأزمة التي تشهدها جمهورية النيجر".
وأفاد بيان للخارجية الجزائرية أنه جرى خلال اللقاء، مناقشة الملفات المتعلقة بالعلاقات الجزائرية الأميركية، تحضيراً للدورة المقبلة للحوار الاستراتيجي بين البلدين المزمع عقدها شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، والتي ستعقد في واشنطن، وسيرأسها وزيرا خارجية البلدين.
وبعد هذا اللقاء والاتصال السياسي المباشر، الثالث من نوعه في الأيام الأخيرة بين كبار المسؤولين في الحكومة الجزائرية، مع نظرائهم في الإدارة الأميركية، إذ كان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد زار واشنطن منتصف شهر أغسطس/ آب الماضي.
والتقى عطاف خلال زيارته وزير الخارجية أنتوني بلينكن وعدداً من المسؤولين الأميركيين، بينهم منسق الأمن القومي في البيت الأبيض بريت ماكغورك، ومساعد كاتب الدولة، ديريك شولي، الذي يتأهب لشغل منصب نائب كاتب الدفاع.
وتبع ذلك اتصال هاتفي الخميس الماضي، بين عطاف ومساعدة كاتب الدولة الأميركي المكلفة بالشؤون الأفريقية مولي في، خصصت لاستعراض تطورات الأزمة في جمهورية النيجر.
وأطلع عطاف المسؤولة الأميركية على المبادرة الجزائرية لحل الأزمة، والحاجة إلى التنسيق بين الجزائر والولايات المتحدة، للمساهمة في ترقية وتفعيل حل سياسي للأزمة.
وتحيل كثافة اللقاءات والمشاورات بين الجزائر وواشنطن، إلى أن العلاقات بين البلدين لم تتأثر بمواقف الجزائر التي بدت انحيازاً إلى موسكو، خاصة في حرب أوكرانيا، ومن خلال الزيارات الكثيفة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موسكو وبكين وتصريحاته المناوئة للغرب، ومهاجمته النظام العالمي الذي تقوده واشنطن، ومعاكسته الصريحة مساعي التطبيع التي تشنها الإدارة الأميركية.
بالنسبة لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف فإن هذه الزيارات والاتصالات، مؤشر ودلالة على ما يصفه، في تصريح لصحيفة "واشنطن بوست" قبل أيام، بـ"جودة العلاقة والحوار السياسي بين البلدين هذا العام فقط".
ويضيف عطاف: "زار الجزائر العديد من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، وهذا يعني أن الجزائر والولايات المتحدة لديهما الكثير من الملفات للمناقشة، ويمكن تفسير ذلك بسهولة.. هناك حلقة من النار تمتد من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي، من السودان وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي إلى الصحراء".
ويعتقد مراقبون أن "كثافة الاتصالات الجزائرية الأميركية الأخيرة، تعطي مؤشراً على رغبة واشنطن في إعادة تقدير علاقاتها مع الجزائر، ومنع موسكو من الانفراد بالدولة الأكبر والأهم في منطقة شمال أفريقيا والساحل، خاصة بسبب الأهمية التي باتت تكتسبها الجزائر في مجال محاربة الإرهاب، والمبادرة إلى إحلال السلم في منطقة الساحل، ولكون الجزائر أبدت استعدادها الدائم لإقامة علاقات متوازنة مع واشنطن، ومع كل الأطراف الفاعلة في المنتظم الدولي".
وتذهب بعض التفسيرات الدبلوماسية كثافة الاتصالات الأخيرة، بأنها ذات صلة بوجود وزير الخارجية أحمد عطاف الذي عين شهر مارس/ آذار الماضي، والذي يتبنى مقاربة متوازنة لعلاقات الجزائر الخارجية، ويتبنى فكرة "إبقاء النوافذ" مفتوحة مع الغرب، والحفاظ على توازن في العلاقات مع كل المحاور، وفقاً للمصالح الحيوية للجزائر.
ويؤكد الخبير في العلاقات الدولية والجيوسياسية سيف الدين قداش في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "العلاقات الجزائرية الأميركية، تبدو علاقات معقدة ومتناقضة في مظهرها ونسقها العام، لكنها علاقات متميزة وجيدة في أبعادها العملية، حيث يجري دورياً رغم أجواء التوتر أو التناقض، تبادل الزيارات على مستوى وزراء الخارجية ومساعديهم، خاصة أن هناك العديد من الملفات والتحولات الإقليمية والدولية التي تشمل الجزائر وواشنطن، أبرزها ملف مكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون الاقتصادي، كما أن الجزائر مهمة لأوروبا والغرب لتوفير إمدادات الغاز، خاصة أن الشتاء على الأبواب".
وبحسب الباحث، فإن الزيارات الأخيرة المتبادلة ذات مستوى عال "وتكشف عن طموحات لتطوير الشراكات الاقتصادية لميادين جديدة، بما يشير إلى إدارة الجزائر علاقاتها مع واشنطن ببراغماتية وواقعية غير تقليدية مع الفاعلين الاقتصاديين الكبار عالمياً، كما أن المجالات التقليدية للاستثمار تنتعش بين الجزائر وواشنطن مثل الاستثمار في الطاقة".