تقود رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية جورجيا ميلوني ووزير خارجيتها أنطونيو تاياني حملة قوية ومريبة لصالح السلطات التونسية، ويشارك في الحملة أيضاً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونائبة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف، ونواب في البرلمان الأوروبي.
وتنذر الكلمات التي تم تداولها على لسان عدد من كبار المسؤولين الدوليين خلال الأسبوع الماضي بشأن تونس بأزمة وشيكة في البلاد، فيما تركز التصريحات والاجتماعات الدولية المكوكية المكثفة على ثلاثة محاور أساسية؛ مخاوف الهجرة المكثفة في حالة الانهيار، والأزمة الاقتصادية المالية، إضافة إلى تخوّف الإيطاليين بالذات من عودة الإسلاميين إلى الحكم.
وبحسب الصحافة الإيطالية، فإن ميلوني أصبحت مهووسة بالملف التونسي، مشددة على أنها لم تترك أحداً إلا وتحدثت معه بشأن الأزمة التونسية التي تستوجب تمويلاً سريعاً؛ تحدثت مع صندوق النقد الدولي وقادة عرب وحتى مع إسرائيل، بحسب توصيف الصحافة الإيطالية.
وأمس الإثنين، قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني إن "الكل يتحرك، دعونا لا نرتكب خطأ ترك تونس للإخوان المسلمين، الاتحاد الأوروبي يتحرك أيضاً". وأضاف بحسب ما نقلته وكالة أنسا الإيطالية للأنباء "نحن نؤيد التوصل إلى حل وسط، أي تقديم دعم أولي لأن التونسيين يجادلون بأنه بدون المال لا يمكنهم تنفيذ الإصلاحات".
وكان الرئيس الفرنسي، ماكرون، قال خلال مؤتمر صحافي، إثر قمة أوروبية، الجمعة، إن "التوتر السياسي الكبير جداً في تونس والأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستعرة، في ظل غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مقلقة للغاية".
وأضاف أن ذلك "يؤدي إلى زعزعة كبيرة للغاية لاستقرار البلاد والمنطقة وإلى زيادة ضغط الهجرة على إيطاليا والاتحاد الأوروبي"، داعياً إلى "العمل معاً" على المستوى الأوروبي لمساعدة تونس والسيطرة على الهجرة.
ولم يقتصر النشاط الدبلوماسي على هؤلاء، فقد شمل أيضاً اتحاد الشغل التونسي، حيث التقى الأمين العام نور الدين الطبوبي، الأربعاء الماضي، مع السفير الإسباني بتونس فرانشيسكو خافي بويغ سورا، ومع وفد عن سفارة النرويج بالجزائر ترأسه نائبة السفير النرويجي فيقديس كريستوفولي.
وأمس الإثنين، كان المفوض الأوروبي باولو جينتيلوني في تونس، وبحث الملف الاقتصادي أساساً مع المسؤولين التونسيين، وكذلك ملف الهجرة، معرجاً سريعاً، بحسب بيان مقتضب له، على قيم الديمقراطية ودولة القانون.
حراك بمعزل عن الجانب التونسي
ويتبيّن أن أغلب التحركات الدولية تتم بمعزل عن الجانب التونسي، وهو ما يثير الاستغراب والدهشة.
ويعتبر الوزير الأسبق ومدير المعهد العربي للديمقراطية خالد شوكات أن "تونس تعيش عزلة إقليمية ودولية بلا شك، وهذا يظهر بوضوح في انكفاء القيادة السياسية للبلاد على نفسها وغرقها في الأزمة الداخلية التي لا يظهر لها حلّ في الأفق والمنظور، فالرئيس سعيد لا يكاد يغادر البلاد نحو أي جهة، والخارجية التونسية تقوم بدور دفاعي محض في رد الاتهامات الموجّهة إلى تونس من عدة أطراف.
ويعتبر شوكات في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "بسبب هذه العزلة، والمواقف السلبية التي أظهرها شركاء تونس الرئيسيون، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والرفض المتكرر لهؤلاء للسياسات المتبعة من قبل الرئيس سعيّد وحكومته، فقد أصبح النقاش الدولي حول تونس يكاد يجري بمعزل عن قيادتها، وهو أمر عادة ما يسلك مع الدول التي يصنفها الغرب مارقة".
أما بخصوص بروز الدور الإيطالي بشكل لافت في الملف التونسي، فيرى شوكات أن ذلك "مردّه في رأي القيادة الفاشية لهذا البلد الأوروبي، تلك التي تشكلت عقب الانتخابات الأخيرة التي فازت فيها أحزاب اليمين المتطرف، والمعروف عن الفاشية أنها إحدى مدارس الشعبوية".
وأضاف "لا ترى (أحزاب اليمين المتطرف في إيطالية) في تونس إلا حارساً للحدود الجنوبية من أمواج المهاجرين غير النظاميين، والحرص على عدم انهيار تونس اقتصادياً، هو حرص على حارس يجب أن يبقى واقفاً على رجليه حتى يقوم بوظيفته في الحراسة".
ويضيف "أما الإشارة إلى الإسلاميين، فهي إشارة غير مستغربة من تيار يميني فاشي لطالما صعد بفضل النفخ في رهاب الإسلام أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا".
من جهته، يعتبر الباحث في العلاقات الدولية بشير الجويني أن "الحراك الدبلوماسي الكبير وهذه المخاوف الدولية يأتيان في إطار الأهمية التي تكتسيها تونس في سياقاتها المختلفة؛ المغاربي والمتوسطي والأفريقي والدولي".
وتابع "من الطبيعي أن يكون هناك اهتمام للجوار أو الدول التي تصنف كشريك تقليدي بهذا الشأن وبهذا التركيز، ولكن غير الطبيعي هو السياق الداخلي للبلاد والمتمثل في إرسال إشارات متضاربة، فدخول تونس إلى الفضاء الديمقراطي بعد الثورة مكنها من كسب عدة حقوق، ولكنها مرفقة كذلك بالعديد من الواجبات".
وأشار الجويني لـ"العربي الجديد إلى أنه "تم توجيه عدة تنبيهات شديدة اللهجة لتونس في الفترة الأخيرة، من الاتحاد الأوروبي، وكذلك التصريحات الأميركية الأخيرة واجتماع وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وكل هذا يبيّن كمية القلق الذي يصدّره الواقع التونسي، وهو ما أصبح يُنظر له بعين الريبة والقلق، وهو تعبير دبلوماسي عن مخاوف هذه الدول عموماً وعن مصالحها في تونس، وكل الانعكاسات الممكنة لما يحصل في البلد في هذه الفترة الأخيرة".
وبيّن الجويني أن "القلق لا يتوقف في حقيقة الأمر على الجوانب الأمنية فقط، كما يعتقد البعض بعد التصريحات الفرنسية والإيطالية، وإنما كذلك بالمراهنة التي كانت كبيرة على التجربة الديمقراطية التونسية، والتي تراجعت بعد الحكم الفردي والانقلاب الذي حصل على المنظومة الديمقراطية، والشعبوية التي تتحرك فيها السلطة الآن، وعندما يقترن كل هذا بأزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة وتوقعات بالأسوأ، فإنه من الطبيعي أن تتصاعد هذه المخاوف".
واستدرك الجويني بأن "المحيّر في الأمر أن الإجابة التونسية على كل هذا مرة أخرى هي إجابة خارج الموضوع وغير متناسقة مع التحديات الكبرى التي يواجهه البلد، ونحن هنا نتحدث عن المعاهدات المالية مع الدول والأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين وغيرها، ولكن السلطة تواجهها بمزيد من الشعبوية والهروب الى الأمام".
وفيما يتعلق بتضارب المواقف الدولية بين تشديد على المسائل الحقوقية والأمنية والاقتصادية، قال الجويني إن "الحديث عن الحقوق والحريات هو باب يُدخل منه للمقايضة، سواء من الشريك الأوروبي أو من غيره، حيث يتم في هذا الموضوع نوع من المقايضة بين الجانب الاقتصادي والجانب الحقوقي".
وتابع "يبقى الطرف المؤثر في الواقع التونسي هو الشعب التونسي الذي يجب أن يراهن بنفسه على الديمقراطية ويواجه موجة الشعبوية وكل ما جاء به هذا الانقلاب".
واختتم "صحيح أن الموقف الخارجي مهم ولكن المتضرر الرئيس هو الشعب التونسي الذي يجب أن يستفيق اليوم حتى لا يشمل هذا الضرر الأجيال المقبلة، لأنه في نهاية الأمر، كل هذه المشاكل التي تمر بها البلاد اليوم سببها حكم الفرد والانقلاب على الشرعية الدستورية، وهو ما يولد الاستبداد والشعبوية والتي هي المأساة الحقيقة، وهي أم الشرور كما يصنفها علماء الانتقال الديمقراطي".