تركيا والإمارات: اختبار للتقارب من بوابة التعاون الاقتصادي

24 نوفمبر 2021
من آخر لقاء جمع أردوغان وبن زايد في أنقرة مطلع 2012 (أوميت بكتاش/فرانس برس)
+ الخط -

من بوابة المصالح الاقتصادية المشتركة، وقراءة التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة، تتحضر تركيا والإمارات لمرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، تدشنها زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى أنقرة اليوم الأربعاء، حيث يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك بعد سنوات من الخلافات العميقة منذ بداية الثورات العربية، والتي تخللتها حملات سياسية وإعلامية متبادلة، ولا سيما خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا صيف عام 2016، وما عرفته الحرب الليبية من تجاذبات بين الطرفين. ولكن مع تعثر مسار الربيع العربي في كثير من الدول، والخضات الاقتصادية التي زادها تفشي وباء كورونا سوءاً، وبروز تقارب بين أطراف إقليمية، باتت الأجواء حاضرة لتقارب تركي إماراتي، عنوانه الأبرز راهناً الملف الاقتصادي، وخصوصاً مع مشروع طريق التجارة الذي يمر من الإمارات عبر إيران وصولاً إلى تركيا وأوروبا (المعروف بطريق الشارقة مرسين). وتعكس رغبة البلدين بالتقارب حاجتهما إلى تعاون اقتصادي، أخذاً بعين الاعتبار الظروف في البلدين، بما في ذلك اقتراب موعد الانتخابات التركية في 2023 (ما لم يتم الاتفاق على تبكير موعدها) ورغبة أبوظبي في التخلص من الأعباء الاقتصادية للانخراط الموسع في الصراعات الإقليمية.

كما لا يمكن فصل التقارب بين البلدين عن التحولات في المنطقة التي تبعت وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض وتبريد الأجواء مع إيران ومساعيه لتهدئة التوترات في المنطقة. ومع التوقعات أن ينعكس تحسن العلاقات بين البلدين على اقتصادهما بشكل مباشر، وأن يؤدي إلى خفض التوترات في المنطقة، إذ ينخرط الطرفان في أكثر من ساحة صراع، يبقى العنوان العريض للتقارب هو التعاون الاقتصادي، الذي سيتيح اختبار نوايا الطرفين ويمهد الطريق لاحقاً لترجمته إلى مستوى أفضل من العلاقات السياسية، في حال تحقيق أهداف البلدين منه.

وفي زيارة هي الأولى من نوعها خلال نحو 10 سنوات، يتوجه بن زايد إلى العاصمة التركية، اليوم الأربعاء، للقاء أردوغان، لأول مرة منذ عام 2012، وخلال هذه الفترة لم يكن هناك لقاء مباشر بين الرجلين. وأعلنت الإمارات، أمس الثلاثاء، أن بن زايد سيجري زيارة رسمية إلى تركيا يبحث خلالها العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية ودولية، تلبية لدعوة من أردوغان. وذكرت أنّ ولي عهد أبوظبي سيبحث خلال الزيارة "العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون والعمل المشترك بين البلدين في مختلف المجالات بما يحقق مصالحهما المتبادلة"، كما ستتناول المباحثات "مجمل القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية التي تهم البلدين".

الزيارة يتصدرها الملف الاقتصادي، خصوصاً المشروع الإماراتي لطريق التجارة الذي يمر عبر إيران وصولاً إلى تركيا

من جهته، أعلن مكتب دائرة الاتصال في الرئاسة التركية في بيان أن اللقاء سيعقد في العاصمة أنقرة، وسيتم خلاله بحث العلاقات الثنائية على كافة الأصعدة، والخطوات اللازمة لتطوير التعاون بين البلدين، بالإضافة إلى العلاقات الثنائية، كما سيتبادل الطرفان وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الحالية. كذلك قالت قناة "a خبر" (a haber) المقربة من الحكومة التركية إن الزيارة يتصدرها الملف الاقتصادي، خصوصاً المشروع الإماراتي لطريق التجارة الذي يمر عبر إيران وصولاً إلى تركيا وأوروبا لتقصير مدة الطريق التجارية البالغة 20 يوماً إلى 6-8 أيام. كما أن الإمارات مهتمة بالصناعات الدفاعية التركية، فضلاً عن التعاون في الملف الصحي.

وبدأت مؤشرات التقارب بين البلدين مع استقبال أردوغان في 18 أغسطس/ آب الماضي وفداً إماراتياً برئاسة مستشار الأمن الوطني في الإمارات طحنون بن زايد، قبل أن يتبعه في 31 أغسطس اتصال هاتفي بين أردوغان وبن زايد تم خلاله بحث العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية. وعقب زيارة الوفد الإماراتي، قال أردوغان في تصريحات له إن الإمارات ستقوم قريباً باستثمارات كبيرة في بلاده، وإنه التقى مستشار الأمن الوطني الإماراتي وبحثا موضوع الاستثمارات الإماراتية في تركيا، وناقشا خلال اللقاء مجالات ونوع الاستثمارات الممكن إقامتها. وتعليقاً على احتمال تحسن العلاقات الثنائية، قال "مثل هذه التقلبات يمكن أن تحصل وحصلت بين الدول، وهنا أيضاً حدثت بعض المواقف المماثلة"، معرباً عن تمنيه أن "تحل بعض المشاكل في المنطقة من خلال هذه اللقاءات".

وخلال السنوات العشر الماضية، شهدت العلاقات بين البلدين تراجعاً بشكل كبير في ظل خلافات متعددة، ووسط حملات إعلامية كبيرة متبادلة، وشكّلت ملفات إقليمية عديدة نقاطاً خلافية بين الطرفين، أبرزها التطورات في مصر وفي ليبيا.

ولفت الكاتب والباحث في مركز سيتا للدراسات في تركيا، عمر أوزكزلجك، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن المنافسة بين البلدين بعد ثورات الربيع العربي تسبّبت بتكاليف اقتصادية كبيرة على الإمارات التي يبلغ عدد القاطنين فيها 10 ملايين، من بينهم نحو 10 في المائة فقط من المواطنين الإماراتيين والبقية من المقيمين، ما أدى لصعوبات فيما يتعلق بالمصادر البشرية في الإمارات. وبرأيه فإن أبوظبي حاولت تعويض هذا النقص عن طريق الحاصل عبر ضخ أموال كبيرة لاستيراد هذه الموارد البشرية. ولكن في الفترة الأخيرة ومع تراجع المخاطر الناجمة عن حراك الشعوب العربية، ومع تضرر الإمارات من الوضع الذي كان قائماً في الفترة الماضية، برزت بيئة تسمح بتطبيع العلاقات بين البلدين. وبرأيه فإن زيارة بن زايد إلى أنقرة "عنوانها الأساسي العلاقات الثنائية والتطورات في المنطقة، ومواقف الطرفين في الفترة المقبلة ورؤيتهما، ومن المتوقع أن تكون هناك استثمارات اقتصادية إماراتية كبيرة في تركيا، وينتظر أن ينعكس تحسن العلاقات بين البلدين على اقتصادهما بشكل مباشر، وبشكل إيجابي على ملفات المنطقة الأخرى". واعتبر أن "توقف المنافسة بين البلدين سيؤدي إلى خفض التوتر في المنطقة بشكل كبير، لكن إذا استمرت الخلافات في ما يتعلق بوجهات النظر والسياسات الخارجية على المدى البعيد فإن العلاقات المتوترة ستتواصل مستقبلاً".

وأطلقت التطورات في المنطقة، لا سيما بعد تولي بايدن الحكم في الولايات المتحدة، مرحلة جديدة من العلاقات بين بلدان المنطقة، وجرت مصالحات على نطاق واسع، لتصدر مواقف تركية تجنح نحو فتح قنوات اتصال مع الدول الإقليمية. فبدأت تركيا التواصل مع مصر وعقدت جولتين استكشافيتين في مايو/ أيار وسبتمبر/ أيلول الماضيين، واتصالات أخرى مع السعودية عبر وزارة الخارجية، وجولات استكشافية مع اليونان ولقاءات مع دول الاتحاد الأوروبي. وجاء هذا الانفتاح التركي أيضاً قبل الانتخابات المقبلة في عام 2023، وفي ظل تأثيرات سلبية على الاقتصاد مع تراجع قيمة صرف العملة التركية، لتكون العلاقات مع الإمارات فرصة لمزيد من حلحلة المشاكل العالقة بينها وبين دول المنطقة، ولإعطاء مزيد من الدفع للاقتصاد عبر استقطاب استثمارات إماراتية.

تركيا تبدو منفتحة ومستعدة لتدشين المصالحات مع جميع الدول التي كانت على خلاف معها سابقاً

وتعليقاً على الزيارة والنتائج المتوقعة منها، قال الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إنها تأتي ضمن المؤشرات الإيجابية على الأرض التي تبشّر بكسر الجليد بين البلدين، مضيفاً "العامل الاقتصادي والمصالح المنتظرة في مقدمة الأسباب التي دفعت بتركيا إلى الجنوح نحو نوع من إرساء التوازن في العلاقات مع الإمارات". وتابع "يمكن القول إن المؤشرات الإيجابية في مسار العلاقات التركية-الإماراتية حدثت نتيجة الخطوات المتدرجة التي أقدمت عليها أنقرة خلال الأشهر الماضية، بعدما طرقت باب القاهرة أولاً لتطبيع العلاقات ومن ثم تواصلت مع الرياض وأبوظبي والمنامة لرأب الصدع في العلاقات معها، لتكون زيارة ولي عهد أبوظبي بمثابة استكمال لهذا التحرك، وهو أمر طبيعي في إطار السعي لتحقيق الاستدامة في تحسن العلاقات بين البلدين"، لافتاً إلى أن تركيا تبدو منفتحة ومستعدة لتدشين المصالحات مع جميع الدول التي كانت على خلاف معها سابقاً، خصوصاً الإمارات، وهو ما قد يصب في نهاية المطاف تحت عنوان عريض هو الاقتصاد، ويترجم لاحقاً إلى مستوى سياسي أفضل.

أما أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر علي باكير، فقال لـ"العربي الجديد" إن "الزيارة مهمة لأنها تقدّم فرصة لإعادة ترتيب العلاقات الإماراتية - التركية على أسس جديدة"، معتبراً أن "سياقها مرتبط بإجراءات خفض التصعيد التي اتخذتها الدول الإقليمية منذ وصول بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة، وأعتقد أن اختيار الاقتصاد والاستثمار كمدخل لتطبيع العلاقة هو خيار إيجابي في ظل غياب عامل الثقة بالسياسات الإماراتية". ولفت إلى أن "الشق الاقتصادي سيتيح اختبار نوايا الطرفين والعمل إذا كان بالإمكان على بناء علاقات صحية على أسس سليمة تتضمن آليات محددة لاحتواء الخلافات بحال حصولها"، مضيفاً "على الرغم من أن ما يجري هو تطور إيجابي في المنظور العام، إلا أنه يجب إبقاء التوقعات معتدلة بشأن مستقبل العلاقات، لاسيما على المستوى السياسي، بانتظار حصول المزيد من الخطوات المستقبلية أو التطورات على المستوى الإقليمي والدولي".

المساهمون