بعد 16 عاماً على انتخابه للمرة الأولى رئيساً لتركمانستان في عام 2006، أطلق الرئيس قربان قلي بردي محمدوف عملية نقل السلطة في بلاده إلى "القادة الشباب"، في الجمهورية السوفييتية السابقة الغنية بموارد الطاقة، والشبيهة بأنظمة الحكم الدكتاتورية المغلقة مثل كوريا الشمالية.
وقبل نحو سنتين من انتهاء فترته الرئاسية الثالثة، كشف محمدوف في جلسة استثنائية يوم الجمعة الماضي لمجلس الشعب (خلق مصلحات)، عن نيّته التخلي عن منصب الرئيس، لكنه أكد استمراره في توظيف "خبراته السياسية كرئيس لمجلس الشعب".
وبعد عرض المناصب التي جمعها طيلة العقد ونيّف بالإضافة إلى كرسي الرئاسة، وهي رئاسة مجلس الشعب، ورئاسة مجلس الوزراء، ورئاسة مجلس أمن الدولة، والقائد العام للجيش والقوات المسلحة، قال إنه يؤيد فكرة "فتح الباب أمام القادة الشباب الذين نشأوا في بيئة روحية تتناسب مع المتطلبات العالية للعصر الحالي لتولي الإدارة في مرحلة جديدة من تنمية بلدنا".
وعلى الرغم من محاولته لإضفاء صبغة صوفية على قراره، حين أشار إلى أنه بلغ قبل عامين العمر الذي توفي فيه النبي محمد، ولهذا بدأ التفكير في "القرار الصعب"، بدا واضحاً أن محمدوف اختار التوقيت لتسريع عملية انتقال السلطة وإتمامها تحت إشرافه الكامل إلى ابنه الوحيد سردار، وضمان استمرار حكم العائلة من دون أي مفاجآت غير سارة.
ويحاول الاستفادة من فشل نموذج الرئيس الكازاخستاني السابق نور سلطان نزارباييف في نقل السلطة إلى شخص موثوق مع الحفاظ على الحصانة مدى الحياة، وضمان مصالح العائلة الاقتصادية.
الانتخابات الرئاسية في 12 مارس
وأول من أمس السبت، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية في تركمانستان، إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في 12 مارس/آذار المقبل، ما يشي بانطلاق مرحلة انتقال السلطة من الأب إلى الابن، بانتظار الترشح الرسمي للانتخابات.
وعلى الرغم من إقرار قانون للأحزاب في 2008، فإن تركمانستان تحتل المراتب الأخيرة في سلم الديمقراطية إلى جوار كوريا الشمالية، ولا توجد أي أحزاب مستقلة خارجة عن سيطرة السلطة، ولا توجد وسائل إعلام مستقلة في البلاد، وتفرض السلطات قيودا مشددة على الانترنت.
ومن المؤكد أن تجربة محمدوف الشخصية في الوصول إلى الحكم كانت درساً مهماً استفاد منه، لعدم ترك أي تفاصيل للحظ الذي رافقه في مسيرة الصعود الكبير في حقبة "تركمان باشي" أو "أبي الأمة" الرئيس الراحل صابر مراد نيازوف الذي توفي في نهاية عام 2006.
بدأ عهد محمدوف في عام 2006 بعد وفاة نيازوف
محمدوف المولود في عام 1957، عمل طبيباً للأسنان، قبل أن يحالفه الحظ بأن يصبح طبيبا خاصاً لنيازوف، ليصعد بعدها بسرعة في سلم المناصب الحكومية ويصبح وزيراً للصحة ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، ويقفز بعد إلى حكم البلاد بصورة غيرة متوقعة إثر توليه اللجنة الحكومية لمراسم دفن وتشييع نيازوف، ويتولى قيادة البلاد مؤقتاً بعد فتح تحقيقات مفاجئة واعتقال رئيس البرلمان حينها أوفيزغيلدي أتاييف والذي كان من المفترض بحكم الدستور أن يتولى القيادة مؤقتاً.
وفي 11 فبراير/شباط 2007، حصل محمدوف على 89 في المائة من أصوات الناخبين، وأعيد انتخابه في عام 2012 وحصل على 97.1 في المائة.
وبعد تعديلات دستورية مددت فترة الحكم إلى سبع سنين، فاز محمدوف في 2017 بالانتخابات بنحو 98 في المائة.
وعلى عكس ظهوره الحزين في نهاية 2006 على شاشة التلفزيون الحكومي حين أعلن أن "تركمانستان باتت بلداً يتيماً" بعد وفاة نيازوف، فإن ظهوره الجمعة الماضية جاء للإعلان عن ميلاد "زعيم" جديد، بات واضحاً وإن لم يكشف عن اسمه، وهو ابنه سردار، الذي تعني الترجمة الحرفية لاسمه من التركمانية الزعيم أو القائد.
وبعد إتمامه سن الـ40 في سبتمبر/ أيلول الماضي، بات بإمكان سردار بردي محمدوف الترشح لمنصب الرئاسة وفق الدستور التركماني. وبدأ إعداد "الزعيم" الجديد باكراً بعد تولي والده منصب الرئاسة.
فالشاب الذي درس الهندسة في جامعة عشق أباد، اخترق فجأة عالم الدبلوماسية، وعيّن مستشاراً في السفارة التركمانية لدى روسيا. وحسب سيرته الذاتية فقد استغل وجوده للحصول على تحصيل علمي يتوافق مع مستقبله الجديد كابن لرئيس دولة في آسيا الوسطى، وحصل على شهادة في العلوم السياسية من الأكاديمية الدبلوماسية في روسيا.
ولاحقاً عمل مستشاراً في بعثة بلاده للأمم المتحدة في جنيف. أثناء هذه المهمة أنهى برنامج الاستماع لمحاضرات مركز جنيف للسياسة والأمن في موضوع "الأمن الأوروبي والعالمي".
وفور عودته إلى البلاد عيّن رئيساً لدائرة أوروبا في وزارة الخارجية التركمانية. ولاحقاً تبوأ منصب مسؤول الإعلام في وزارة الخارجية.
أدوار سردار محمدوف
ومن أجل معرفة دقيقة لسير الأوضاع في أهم مصادر دخل البلاد، وبالتوازي مع عمله في الخارجية، عيّن سردار نائباً لرئيس الهيئة الحكومية لإدارة الثروات النفطية، وفي أثناء ذلك حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم التقنية في 2015.
وفي 2016 انتقل إلى العمل البرلماني بعد فوزه بمقعد في المجلس، وترأس لجنة القوانين، وفي 2017 منح لقب جنرال. ولم يمنع تمثيله في الهيئة التشريعية من شغل منصب نائب وزير الخارجية في 2018 على الرغم من أن الدستور يمنع الجمع بين عضوية البرلمان والعمل الحكومي أو التجارة.
وفي بداية 2019 عُيّن نائباً لحاكم ولاية أخانسك الغنية بمخزونات الغاز الطبيعي، ولاحقا حاكماً للولاية. وفي فبراير 2020 بدأت مرحلة جديدة بتعيينه وزيراً للصناعة في تركمانستان، وبعدها بعام رُقّي إلى منصب نائب رئيس الحكومة، أي نائباً لوالده الذي زاد من الاعتماد عليه في مهمات داخلية وخارجية.
وفي الشهر الماضي أنهى سردار جولة زار ضمنها إيران وأوزبكستان بصفته مبعوثاً خاصاً للرئيس واستقبله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
تكشف السيرة الذاتية لسردار أن والده بدأ التحضير لتوريثه الحكم منذ سنوات طويلة
وتكشف السيرة الذاتية لسردار أن والده بدأ التحضير لتوريثه الحكم منذ سنوات طويلة، ولكن الإسراع في العملية جاء لأسباب تتعلق بصحة الوالد الذي اضطر في الأشهر الأخيرة للظهور إعلامياً في عدة مناسبات كرد غير مباشر على شائعات موته.
ومن المؤكد أن قربان قلي بردي محمدوف استفاد من أحداث كازاخستان الأخيرة الشهر الماضي، ولم يرد ترك أي تفاصيل صغيرة قد تعطل عملية نقل السلطة في داخل العائلة.
ومن المرجح احتفاظه بمنصب رئيس مجلس الشعب، الذي تولاه على الرغم من حظر الدستور في الفقرة 73 الجمع بين منصبي رئاسة البرلمان والدولة، حتى إتمام عملية نقل السلطة في شكل كامل إلى ابنه سردار.
وبعدها يمكن الانسحاب تدريجياً من الحياة العامة لإفساح المجال أمام "الزعيم" الجديد للأمة. وفي حال إتمام عملية نقل السلطة بسلاسة، يستطيع الزعيم الأوحد الحالي للبلاد مواصلة هواياته المتعددة ومنها الاستمرار في توسيع كتاب "النباتات العلاجية في تركمانستان" متعدد الأجزاء، والذي يعاد إصداره في كل عام بإضافات.
كما يمكنه إعداد كتب جديدة في تصنيف أنواع الكلاب والخيول، أو إثبات حسه الأدبي الرفيع بإصدار عدد جديد من الروايات، ودواوين الشعر حول الخيول والحب، وليس أقلها أداء أغنيات الراب مع حفيده، وقيادة السيارات في الصحراء.
وإضافة إلى ابتكار "التبخير"، والكتب في مختلف العلوم والأدب، برزت عبقرية "القائد الملهم" في تأليف الشعر، وأداء أغاني الراب مع حفيده. ونظراً لشغفه بالخيول الأصيلة، فقد أطلق أغنيات عدة حول الفروسية.