ترقيات ومناصب ترضية للأحزاب قبيل الانتخابات العراقية

24 سبتمبر 2021
وصل الكاظمي إلى السلطة باتفاق سياسي واضح (أيمن العامري/فرانس برس)
+ الخط -

تفيد مصادر سياسية وتقارير صحافية من العراق، بأن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي عمد خلال الأسبوعين الماضيين إلى منح شخصيات سياسية وأخرى من أبناء بعض المسؤولين والسياسيين المتنفذين مناصب هامة، تسمّى محلياً بـ"الدرجات الخاصة". وتكشف المصادر أن أكثر من ثماني شخصيات نالت منصب "مدير عام" في مؤسسات أمنية ومدنية. وأثار هذا الأمر استهجان بعض النواب، الذين اعتبروه تحدياً لرغبة العراقيين برفض منهج المحاصصة الحزبية والطائفية واستغلال موارد الدولة لتحقيق غايات انتخابية وسياسية. في المقابل، رأى آخرون في هذه التعيينات حلقة من مسلسل الترضية السياسية، التي يهدف الكاظمي من ورائها إلى إرضاء القوى السياسية قبل مغادرته المنصب، لكن مصادر مقرّبة منه نفت، بل وصفت التعيينات الجديدة بتطبيق "قرارات كانت مؤجلة".


وضعت الحكومة التعيينات في سياق تطبيق قرارات مؤجلة

وفي التفاصيل، أفادت صحيفة "العالم الجديد" العراقية، وهي صحيفة محلية تعنى بنشر التقارير والتحقيقات الاستقصائية في البلاد، بأن الكاظمي وقبل أسابيع من انتهاء صلاحياته بانتهاء فترة حكومته، عشية الانتخابات التشريعية المقررة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول، منح علي عبد الحليم جواد الزهيري، نجل القيادي في حزب الدعوة الإسلامية، عبد الحليم الزهيري، منصب المدير العام لدائرة التدريب والتطوير الاستخباري في جهاز المخابرات الوطني، وهو من مواليد 1994. قبل ذلك، حصل مسؤولون تنفيذيون ومستشارين للكاظمي، على مناصب رفيعة في الدولة. ويخطط رئيس الحكومة أيضاً لمنح أعضاء لجنة مكافحة الفساد برئاسة أحمد أبو رغيف، مناصب أمنية رفيعة أعلى من التي يشغلونها حالياً، وذلك تمهيداً لحل اللجنة. كما عيّن الكاظمي مستشاره لشؤون المحافظات كاظم السهلاني، مساعداً لرئيس جامعة الكرخ للعلوم والشؤون الإدارية.

وحول هذه التطورات، كشفت مصادر سياسية ونائب عراقي لـ"العربي الجديد"، أن التعيينات طاولت "وزارات الصحة والإعمار والإسكان والتخطيط، مع تعيين ستة مدراء جدد داخلها وغالبيتهم من التيار الصدري، إضافة إلى نقل واستبدال مدراء من المحافظات إلى العاصمة بغداد". واعتبرت أن الأمر يندرج "ضمن خطة لتوسيع عدد الدرجات الخاصة في بعض الدوائر الحكومية ببعض المحافظات الجنوبية والغربية، من دون التطرق رسمياً إلى ذلك". ووصفت هذه الخطوة بـ"توجّه يُفهم منه أنه ترضية حكومية لبعض الكيانات السياسية التي يشعر فريق الكاظمي، من مستشارين ومقرّبين، بالحاجة إلى الحصول على دعم منها في مرحلة ما بعد الانتخابات، وتشكيل الحكومة الجديدة".

وفي تأكيد ضمني لسلسلة التعيينات التي أقرها الكاظمي أخيراً على مستوى مناصب الدرجات الخاصة في الدولة، قال القيادي في تحالف "الفتح" رزاق الحيدري: يُعاب على هذه التعيينات صدورها عن حكومة الكاظمي، علماً أن الحكومة أعلنت سابقاً وقوفها ضد عُرف المحاصصة، لكنها تمارسه حالياً بشكل واضح". واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن التعيينات "تؤكد أمرين، الأول ضعف الحكومة أمام رغبات الأحزاب، والثاني أن الحكومة الحالية لم تختلف عن الحكومات السابقة في التعامل مع ملف الدرجات الخاصة".

ورأى الحيدري أن "جميع الحكومات العراقية منذ عام 2003 ولغاية حكومة الكاظمي، أُسست على مبدأ المحاصصة، وجميع الأحزاب تدعم هذا التوجه كونها المستفيد الأول والأخير منها. بالتالي لا غرابة من التعيينات التي سمعنا عنها في الإعلام لا بل أنها طبيعية، والكاظمي نفسه وفريقه بلغوا الحكم عبر اتفاقات سياسية واضحة، وهذا الأمر ليس سراً، كما أنه ليس طعناً بالحكومة الحالية، بل هذا واقع الحال في البلاد".

ولا يختلف النائب محمد اللكاش، عضو تيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، مع الحيدري، مؤكداً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "حكومة الكاظمي تسعى إلى أن تكون مغايرة في طريقة عملها وتعاملها مع الأحزاب، لكن ما يتسرب من قراراتها لا ينسجم مع حديثها عبر الإعلام، وإظهار نفسها على أنها أفضل من الحكومات السابقة". ورأى أن "الجديد في هذا الوضع، هو أن الأحزاب لم تختر فريق الكاظمي الذي بات حزباً جديداً".


يحاول الكاظمي تفادي خطأ علاوي والعبادي كي لا يُقصى سياسياً

وكشف اللكاش أن "ملف المناصب وتوزيعها على الأحزاب أو تعيين شخصيات سياسية في دوائر حساسة، لم يكن ضمن الاتفاق الذي عقدته الأحزاب مع الكاظمي قُبيل تنصيبه (6 مايو/أيار 2020)"، منوّهاً إلى أن "الاتفاق تمحور حول الالتزام بإجراء الانتخابات، والحفاظ على سيادة العراق ومنع تفشي السلاح الذي يقتل المتظاهرين والناشطين، بينما ما يحدث حالياً هو استغلال موارد الدولة".

وحول ذلك قال الباحث في الشأن السياسي العراقي عبد الله الركابي، إن "حكومة الكاظمي ورغم أنها بدت أكثر تمرداً ضد الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة في المشهد من الحكومات السابقة، إلا أن هذا التمرد لم ينجح في تخليص مؤسسات الدولة من الولاءات الحزبية". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن القرارات الأخيرة للكاظمي أوحت وكأنه يحاول عدم تكرار خطأ رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، الذي خضع لتوافق بين القوى الرئيسية بشأن إقصائه من المشهد التنفيذي بسبب مواقفه المعروفة، وهو ما حدث أيضاً لرئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي. وشدّد الركابي على أنه لم يعد ممكناً طرح اسمي علاوي والعبادي لمناصب تنفيذية بسبب "فيتو" القوى الرئيسية عليهما، لذا يمكن اعتبار قرارات الكاظمي مجاملة، أو ترضية، لترميم العلاقة المتوترة التي سادت خلال الفترة الماضية بينه وبين بعض تلك القوى.

لكن فريق الكاظمي ينفي وصف التعيينات بـ"الترضية"، واعتبر مسؤول في مكتب رئيس الوزراء، أن الأوامر الجديدة لتسمية شخصيات في مناصب خاصة داخل الوزارات صدرت بتوقيع من الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي، وهي قرارات مؤجلة". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "التعيينات ليست درجات وظيفية جديدة، بل تتمّ ضمن آلية الحذف والاستبدال، المتعلقة بالذين يبلغون السن القانوني للتقاعد أو المنقولين لمناصب أخرى، والأسماء التي جرى ترشيحها لشغل هذه المناصب تأتي ضمن التوازن الذي درجت عليه العملية السياسية في العراق".

تقارير عربية
التحديثات الحية