اختار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي يواجه إمكانية إدانته في قضية التحقيق بـ"رشوة الصمت" المشتبه في أنه دفعها إلى ممثلة إباحية، توقيتاً "مشبوهاً" السبت الماضي، ومكاناً يحمل رمزية لليمين المتطرف الأميركي، لإقامة أول تجمع انتخابي رسمي له كمرشح للرئاسة العام المقبل، واتسم بعودته إلى استخدام التطرف كسلاح لشدّ عصب قاعدته، بعد عدد من الخطابات التي ألقاها خلال الفترة الماضية، وحاول فيها الظهور بمظهر رجل دولة.
تجمع لترامب بذكرى "حصار واكو" الدموي
فمن منطقة واكو في ولاية تكساس التي تصوّت للجمهوريين، خرج ترامب ليهاجم الإدارة الأميركية الديمقراطية، ومنافسه الجمهوري الأول المحتمل في الانتخابات التمهيدية لحزبه، حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، وذلك في منتصف ذكرى ما يعرف بـ"حصار واكو"، عندما حاصرت قوات إنفاذ القانون الأميركية مجمعاً في واكو كان مقراً لمجموعة من "الطائفة الدافيدية"، من 28 فبراير/شباط إلى 19 إبريل/نيسان 1993، وهو حصار انتهى بمقتل 82 شخصاً من الطائفة، بينهم 28 طفلاً.
علماً أنه بعد عامين، نفّذ الجندي الأميركي السابق تيموثي مك فاي، في 19 إبريل 1995، تفجير أوكلاهوما الإرهابي، بركنه سيارة مفخّخة أمام مبنى فيدرالي في المدينة، ما أدّى إلى مقتل 168 شخصاً، واعترف مك فاي الذي كان يحمل كراهية شديدة للحكومة الفيدرالية، وأفكاراً يمينية شديدة التطرف، بأنه قام بالتفجير انتقاماً لحصار واكو.
هاجم ترامب إدارة بايدن التي تعج بـ"المجرمين والسفاحين" وديسانتيس
وعلى الرغم من تأكيد حملة ترامب أن توقيت تجمعه الأول ومكانه لم يحملا أي دلالة، إلا أن منطقة واكو كانت تتحضر للتجمع منذ أيام، حيث أكد مناصرون لترامب وفدوا إلى واكو لحضور التجمع، لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن ترامب محاصر في مكان إقامته في مارآلاغو بولاية فلوريدا، وتلاحقه الحكومة، تماماً مثل حصار واكو ومؤسسة مجموعة الدافيديين، ديفيد كوريش، في 1993.
وهاجم ترامب في كلمته التي ألقاها في التجمع، إدارة الرئيس جو بايدن، التي قال إنها تعج بـ"المجرمين والسفاحين" الذين أقاموا "عرضاً من الرعب على طريقة الستالينية"، باستخدامهم العدالة كسلاح سياسي، مخصصاً حيّزاً كبيراً أيضاً من الخطاب لمهاجمة منافسه المحتمل ديسانتيس، الذي قال ترامب إن الأخير بكى ترجياً له من أجل دعمه في انتخابات حاكمية فلوريدا في 2018، ما يرسم صورة استباقية عمّا يمكن أن يواجه حاكم فلوريدا إذا ما قرّر فعلاً الترشح للرئاسة.
وعادت استطلاعات الرأي الجمهورية لتمنح ترامب تقدماً وازناً في نوايا الناخبين الجمهوريين، وهو ما وضعته صحيفة "واشنطن بوست" في إطار عودة قاعدته لدعمه، متناسية إخفاقه في الانتخابات النصفية الخريف الماضي، وذلك فيما تراه ملاحقاً بقضايا عدة، يتهم فيها ترامب الدولة العميقة والديمقراطيين ببنائها لمنع عودته إلى البيت الأبيض.
يرى فريق ترامب منفعة سياسية من إمكانية إدانته
وكان ترامب قد عاد إلى استخدام لغة تحريض مناصريه على العنف، بعد خروج أنباء عن قرب انتهاء محكمة في مانهاتن من التحقيق في شبهة دفعه رشوة للممثلة الإباحية ستورمي دانييلز، لشراء سكوتها عن إقامته علاقة معها، وذلك حين كان مرشحاً للرئاسة في 2016، واحتمال إدانته في القضية.
وعشية تجمع واكو، حذّر ترامب على منصته "تروث سوشال"، من "الدمار والموت المحتمل"، إذا ما تمّت إدانته، بعدما كان حثّ أنصاره على النزول للشارع والتظاهر إذا ما أدين. وهتف ترامب أمام أنصاره السبت: "عندما يلاحقوني، فإنهم يلاحقونكم"، مؤكداً أنه ضحية "تحقيق زائف تلو الآخر".
وبينما هاجم ترامب بشدّة ديسانتيس، رأت "واشنطن بوست" أن الحضور كان أكثر حماسة، حين كان ترامب يشدّ عصبه ضد "الأخبار الزائفة" وبايدن و"الأيديولوجيا الجندرية" و"القوى الشيطانية". وقال ترامب لجمهوره الحاضر: "إلى أولئك الذين تعرضوا للخيانة وظلموا، سأكون المنتقم لكم". واستمع الحضور لموسيقى قدّمها مؤلِّف قال إنه يعارض إرسال الأموال إلى أوكرانيا، فيما اختتم التجمع بنشيد يعدّ نشيداً لجماعة "كيو آنون" اليمينية المتطرفة. وقال مشاركون كثر لـ"واشنطن بوست" إن ترامب سيعود إلى البيت الأبيض لأن "يد الله عليه".
تكتيكات معتادة للتشتيت عن الملاحقة
ويشي تجمع تكساس، بأن ترامب قرّر إطلاق حملته الانتخابية رسمياً باستخدام تكتيكاته المعتادة المشتّتة، لمواجهة فصل قضائي أكثر تهديداً له.
وقال مساعدون ومستشارون لترامب حاليون وسابقون، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إنه لمواجهة التحقيقات، يعتمد ترامب على فريق من المحامين والمستشارين مبعثرين، ومن دون استراتيجية منسقة، سوى مهاجمة المدعين العامين ومحاولة تأخير المحاكمات ومواصلة تصوير نفسه بأنه ضحية "مطاردة الساحرات"، وأكدت المصادر أن فريق ترامب القانوني، تماماً كما كان الوضع خلال رئاسته، يعاني من الخلافات الداخلية.
على المقلب الآخر، قال مستشارون لترامب لـ"وول ستريت جورنال"، إن فريقه يعتبر أن التحقيقات تحمل صبغة سياسية، فيما يرى محاموه أنها تمثل تحدياً كبيراً وسط حملة رئاسية، لكنهم غير قلقين من تأثيراتها القانونية على الرئيس السابق. وباعتقادهم، أنه حتى لو تمّت إدانة ترامب بقضية ستورمي دانييلز، فإنه لن يواجه عقوبة السجن، أما العقوبات المحتملة في قضايا أخرى، فلا تزال غير واضحة. ورأى حلفاء ترامب، بحسب الصحيفة، منفعة سياسية من أي إدانة محتملة، وهم يأملون أنها ستحشد الجمهوريين حوله.
من جهته، يتجه ديسانتيس بحسب "واشنطن بوست"، لدخول السباق الرئاسي رسمياً، لكن ذلك لن يحصل قبل مايو/أيار المقبل. وبحسب الصحيفة، فإن بعض مساعدي ديسانتيس السياسيين قد عدّلوا من طريقة تفكيرهم بالمسابقة، فبينما كان بعض حلفائه يتحدثون عن "تتويج"، في إشارة إلى أنه سيحقق فوزاً ساحقاً في السباق، ومن دون منازع، بحسب وصف شخص لتفكير المقربين من ديسانتيس، فإن كثراً من هؤلاء أصبحوا يشددون اليوم على أن حاكم ولاية فلوريدا يحتاج إلى أن يخوض قتالاً شرساً سيمتد على جميع الولايات.
واعتبر ناشط في الحزب الجمهوري يعمل من ولاية أيوا، أنه "من دون شك، فإن الرئيس السابق ترامب يملك منظمة جاهزة للعمل والتحرك، لكن العديد من الناخبين في تكساس لا يزالون منفتحين على مرشحين آخرين، لكن على هؤلاء العمل كثيراً".
(العربي الجديد)