أحدث قرار هيئة المحلفين بتوجيه تهمة جنائية إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، أمس الخميس، هزّة قوية في واشنطن، على الرغم من أنّ القرار كان متوقعاً، فالمسألة لا سابقة لها، إذ يعتبر ترامب أول رئيس أميركي يواجه تهماً من هذا النوع.
حتى لو حكمت المحكمة ببراءة ترامب في نهاية المطاف، فإن يوم أمس 30 مارس/ آذار سيبقى وصمة في تاريخ الرئاسة الأميركية، خصوصاً أنّ القرار بحد ذاته "فضيحة معيبة للمنصب وصاحبه، وإنّ كان انتصاراً لمبدأ أنّ لا أحد فوق القانون"، حسب ما تكاد تجمع الردود على تصنيفه.
وحدهم الجمهوريون من أنصاره يعتقدون أنّ القرار جاء نتيجة عملية مسيّسة لحسابات انتخابية لا غير، في حين يقول خصومه الذين رحبوا بالتهمة إنّ القضية وإنّ كانت مشحونة بالسياسة إلا أنّ "حيثياتها القانونية" المتماسكة فرضت توجيه التهمة. وبذلك توسّع الشرخ والجدل، مع احتمال كبير بالتصعيد مع اقتراب موسم الحملة الانتخابية لانتخابات 2024، خاصة إذا صدرت قرارات لاحقة من هذا النوع في قضايا أخرى ضد ترامب ما زالت قيد التحقيق، منها قضية الوثائق السرية التي صودرت من منزله، وأيضاً ملف اقتحام الكونغرس في يناير/ كانون الثاني 2021 المشتبه فيه كمحرض أساسي عليه.
معظم التهم الموجهة إلى الرئيس السابق، إن لم تكن كلها، تهدد بقرارات من هذا الصنف، كما ستكون نتيجتها الدخول في منازعات قضائية طويلة أمام المحاكم. والخشية أنّ يساهم ذلك في المزيد من شحن الأجواء المتوترة أصلاً، التي قد تجرّ الوضع إلى اهتزازات أمنية لا تُخفي الجهات المعنية تخوفها منها. ومثل هذا الاحتمال بدأت تتبدى ملامحه في وسائل التواصل الاجتماعي، التي بدأت بضخ التهديدات من جانب أنصار الرئيس ترامب ضد الجهات القضائية والمؤسسات الرسمية، ولا يستبعد المتخوّفون حصول خضات أمنية تبدأ منذ اليوم وحتى الثلاثاء المقبل 4 أبريل/ نيسان، المتوقع أنّ يقوم فيه ترامب بتسليم نفسه إلى القضاء، حسب ما ذكر فريق المحامين الناطقين باسمه.
المشهد آنذاك قد يثير ردات فعل عنيفة من مؤيديه، حيث سيظهر ترامب مكفوف اليدين بعد أمر القاضي بتوقيفه، علماً بأن التوقيف رمزي وآني، إذ سيُطلق سراحه بانتظار المحاكمة التي لا يتوقع الخبراء افتتاح جلساتها قبل مرور 12 إلى 15 شهراً، لكن مع ذلك، سيثير هذا التطور نوعاً من الاستنفار الأمني بصورة استثنائية، على أقل تقدير حتى يوم الثلاثاء المقبل، مع أنّه ليس من المؤكد حتى الآن أن يضع ترامب نفسه في تصرف القضاء، وقد لا يفعل ذلك، إذ إنّه "لم يكن يتصور أنّ يطاوله القانون في يوم من الأيام"، لكنه هدد الأسبوع الماضي "بالموت والدمار" لو صدر بحقه قرار من هذا النوع.
لكن، بحسب محاميه، يبدو أن خطابه بدأ يتغيّر، فالتمرد على قرار الهيئة اصطدام مباشر مع القانون، وقد لا يحظى سوى بمساندة قاعدته من المحافظين، التي لا تزيد عن ثلث قاعدة الحزب الجمهوري، ثم إنّ رصيده هابط حسب الاستطلاعات الأخيرة في صفوف المستقلين من ذوي الميول نحو الجمهوري، كذلك الأمر في الكونغرس، إذ يقتصر تأييده على فريق "اليمين المتطرف" في مجلس النواب، بالإضافة إلى عدد قليل من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، أما البقية فتتعاطف ضمناً مع الاتهام من باب أنّه يضعف ترشيح ترامب ويفسح المجال لمرشح بديل أو أكثر من المحسوبين على الخط التقليدي للحزب الجمهوري وقيادته، وورطة ترامب القانونية تصب ضمناً في صالح هذا الفريق في معركة 2024.
يقف ترامب الآن أمام هذه التهم، فيما يدعي البعض أنّه وضع نفسه في قفص الاتهام، فالشارع هو أقوى أوراقه، لكن هذه الورقة سبق له أن لعبها في 6 يناير/ كانون الثاني من عام 2021، وكانت النتيجة أنّ ارتدت عليه بالوقوع في شِباك القانون، فلولا تلك المغامرة غير المحسوبة ما كان عليه مواجهة سيل القضايا والتحقيقات التي يواجهها الآن. إلا أنّ ما يزيد من ورطته أن هناك دفعاً قوياً باتجاه مواصلة محاسبته "ليكون درساً لغيره من الرؤساء القادمين" وليس تبرئته من دفع الثمن، كما جرى مع الرئيس السابق ريتشارد نيكسون الذي شفع به عفو رئاسي (من الرئيس السابق جيرالد فورد) وأنقذه من السجن، خاصة أنّ مثل هذه المحاسبة القانونية تعرض لها في السابق مسؤولون كبار من حكام ولايات (12) وأعضاء في مجلس الشيوخ (11) وغيرهم الكثير من المسؤولين الفيدراليين والمحليين. ومنهم من دخل السجن، مثل حاكم ولاية إلينوي قبل سنوات قليلة. الآن، شبح هذا التاريخ يحوم فوق ترامب بعد قرار اليوم.