ترامب نحو النجاة ثانيةً: الجمهوريون يحمون الرئيس السابق في الكونغرس

27 يناير 2021
سلّم 10 مشرعين اللائحة الاتهامية بحق ترامب لمجلس الشيوخ (تاسوس كاتوبوديس/Getty)
+ الخط -

بين البعد الوطني والأخلاقي والسياسي الذي يحاول الديمقراطيون إضفاءه على محاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب بتهمة التحريض على اقتحام أنصاره الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني الحالي، وبين نظرية المؤامرة المهيمنة على فريق ترامب من الموالين له، والتي ترى في المحاكمة محاولة جديدة لتصفية الملياردير الشعبوي سياسياً، يبدو الحزب الجمهوري في موقع لا يحسد عليه، بانتظار حسم أعضائه في مجلس الشيوخ قرارهم بتبرئة ترامب أو إدانته، بعدما أصبحت محاولة عزله الثانية في يدهم، وإن كان خيار التبرئة الأكثر ترجيحاً بحسب المعطيات.
من جهته، سعى الرئيس جو بايدن، أول من أمس، إلى إبراز الجانب التاريخي من المحاكمة. لكن بايدن استبعد، في تصريحات لـ"سي أن أن"، أن تجد محاكمة ترامب 17 سيناتورياً جمهورياً مؤيداً لعزله، ما يعني أن الصفحة طويت عملياً قبل أن تبدأ. أما محصلتها الفعلية، فقد تجد صداها قريباً، عبر تصميم ترامب على الانتقام من أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين صوتوا في مجلس النواب لإقرار المحاكمة، والذين أبدوا تجاوبهم معها في مجلس الشيوخ، وقد يصوتون لاحقاً لإدانته. ولم تهبط شعبية ترامب لدى القاعدة الجمهورية إلى دون الـ40 في المائة، رغم كلّ تداعيات الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقبلها عاصفة وباء كورونا. ويُبقي ذلك "فزاعة" ترامب قائمة لدى الحزب الجمهوري، لا سيما لجهة ولادة حزب "ماغا"، أو أي حزب مستمد من شعار ترامب "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، في أي وقت. وسيكون هدف هذا الحزب، إذا تم المضي به من قبل ترامب، الانتقام من الجمهوريين، والتأكيد على أن قاعدة أميركية واسعة لم تعد تؤمن بالحزبين التقليديين، لكن تأثيره في المقابل سيكون إيجابياً على الحزب الديمقراطي، الذي يزيد من خلال المحاكمة، عن سابق تصور وتصميم، في تخبط الحزب المحافظ وانقسامه.

جو بايدن يستبعد عزل سلفه: المحاكمة تبقى ضرورية

في الأثناء، برز تطور لافت، أول من أمس الإثنين، تمثل بإنهاء المحكمة العليا الأميركية التي يهمين عليها المحافظون، دعاوى قضائية تتهم ترامب بانتهاك بنود مكافحة الفساد في الدستور الأميركي، باحتفاظه بملكيته لإمبراطورية أعماله أثناء توليه الرئاسة. وتجاهل قضاة المحكمة أحكام محاكم أقل درجة سمحت بقبول هذه القضايا، إحداها رفعتها مقاطعة كولومبيا (واشنطن)، وولاية ماريلاند، وأخرى رفعها مدعون، منهم مجموعة مراقبة. كما رفض قضاة المحكمة العليا، كذلك، نظر استئناف ترامب على هذه الأحكام، وأمروا المحاكم الأقل درجة برفض القضايا بسبب إنهاء الخلاف بتركه السلطة.

وسلّم مشرعون ديمقراطيون، أول من أمس الإثنين، اللائحة الاتهامية لمحاكمة ترامب إلى مجلس الشيوخ، للبدء بجلسات المحاكمة في الأسبوع الثاني من فبراير/ شباط المقبل. وحمل 9 "مدعين" من مجلس النواب، أو مدراء المحاكمة، كانت رئيسة المجلس نانسي بيلوسي قد عينتهم، وعلى رأسهم جايمي راسكين من ماريلاند، القرار الاتهامي بـ"التحريض على التمرد" بحق ترامب، بهدف عزله، إلى مجلس الشيوخ، بمسيرة مرّت في الأروقة التي "احتلها" أنصار ترامب لبعض الوقت في 6 يناير. وبحسب "أسوشييتد برس"، فإن معلومات أفادت، أول من أمس، بأن رئيس المحكمة العليا جون روبرتس لن يرأس جلسات المحاكمة، تماماً كما فعل خلال محاكمة ترامب الأولى بقضية "أوكرانيا غيت" في فبراير الماضي، وهذه المرة بحجة التزام البروتوكول، لأن ترامب لم يعد رئيساً، ما قد يضعف المحاكمة. وسيبقى الحرس الوطني مكثفاً انتشاره أمام مبنى الكابيتول، حتى منتصف فبراير، لحماية الكونغرس وأعضائه.
من جهتهم، يسعى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون إلى خفض الانتقادات بحق ترامب، والتي كانت قد تعالت في صفوفهم إثر "غزوة الكونغرس". كما يُقلل هؤلاء من أهمية الدعوات التي تطالب بإدانته لدوره في التحريض على الاقتحام. ويقدم عدد منهم مجموعة من الحجج القانونية لنقض شرعية المحاكمة، وما إذا كانت طلبات ترامب إثر إعلان نتائج رئاسيات 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وفوز بايدن، بالانقلاب عليها، ترقى إلى مستوى التحريض.
وتقف خلف هذه الحجج خشية الحزب الجمهوري من الرئيس السابق وأنصاره، الذين يشكلون كتلة انتخابية وازنة. وتساءل السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس جون كورنين، عما إذا كان الكونغرس قد بدأ فعلاً بمحاكمة الرؤساء السابقين. وقال: "هل علينا أن نحاكم باراك أوباما؟"، معتبراً أن ترامب نال جزاءه، إذ إنه "في نظامنا، تتم معاقبتك عبر خسارة الانتخابات". بدوره، رأى السيناتور راند بول (كنتاكي)، أنه من دون رئاسة رئيس المحكمة العليا لجلسات المحاكمة، فستكون الإجراءات بمثابة "العار". وقال السيناتور جوني إرنست، من أيوا، إن "ترامب أظهر قيادة ضعيفة، لكن من يتحمل مسؤولية اعتداء الكونغرس هم الذين اقتحموه". وأكد السيناتور تومي توبرفيل، من ألاباما، أن ترامب هو سبب فوزه بمقعد في "الشيوخ"، وهو "فخور بفعل كل ما يلزم من أجله". وأكد السيناتور ليندسي غراهام أن الجمهوريين الذين سيصوتون لإدانة ترامب في مجلس الشيوخ لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، وهؤلاء يتقلصون أيضاً. ومن المعروف أن السيناتور ميت رومني سيصوت لصالح الإدانة. وكان زعيم الأقلية ميتش ماكونيل قد أعلن أنه سيفكر في التصويت لإدانة الرئيس السابق. ورأى السيناتور رون جونسون، من ويسكونسن، أن الديمقراطيين سيكونون الفائزين الوحيدين من العزل. ويفترض أن يكون ترامب قد تسلمّ، أمس، استدعاء رسمياً من المجلس في إطار محاكمته، علماً أن ماكونيل ورومني والسيناتور روجر مارشال (كنساس)، هم فقط الذين كانوا من الجمهوريين داخل قاعة مجلس الشيوخ لدى تسليم الديمقراطيين للقرار، الإثنين. ومن الأسماء التي قد تصوت أيضاً لإدانة ترامب ليزا موركوفسكي وسوزان كولينز وبن ساسي.

أنهت المحكمة العليا الأميركية دعاوى قضائية تتهم ترامب بانتهاك بنود مكافحة الفساد في الدستور الأميركي

ويسعى الجمهوريون إلى الموازنة بين المانحين الذين يريدون أخذ مسافة من ترامب، وبين تحذيرات بعض هؤلاء من مغبة قيام الأخير بشق الحزب، وبين القاعدة الجمهورية التي تضع ترامب بمرتبة "الأيقونة". ووصل الأمر ببعض الجمهوريين في الكونغرس إلى الإعلان عن عدم ترشحهم للانتخابات النصفية في 2022. وقال السيناتور روب بورتمان، من أوهايو، إنه لن يسعى لتجديد مقعده بعد عامين "بسبب الجو السياسي شديد الاستقطاب". وكان مجلس النواب الأميركي قد وافق على المضي بإجراءات محاكمة ترامب، في 13 يناير، مع دعم حصل عليه من 10 نواب جمهوريين، أبرزهم ليز تشيني وآدم كينزينغر وجون كاتكو.
وكان بعض السياسيين الجمهوريين الذين أدلوا بإدانات لترامب، قد تعرضوا لتهديدات وترهيب من قبل مجهولين، يرجح أنهم من أنصار ترامب من اليمين المتطرف.
ودخل الرئيس جو بايدن، أول من أمس، على خطّ المحاكمة، إذ نقلت عنه شبكة "سي أن أن" اعتقاده بأنه لن تكون هناك أصوات كافية لإدانة سلفه في مجلس الشيوخ في إطار مساءلته. وقال بايدن في مقابلة مع الشبكة، إن المحاكمة يجب أن تحصل، مقراً بأنها قد تؤثر على أجندته التشريعية، ولكن الأمر سيكون أسوأ "إذا لم تحصل". واستبعد الرئيس الأميركي أن يجد المجلس 17 سيناتوراً جمهورياً مؤيدين للعزل.
ومع المحاكمة، تعود ملامح الحرب المستعرة بين ترامب وأعدائه داخل الحزب الجمهوري إلى الواجهة، وتبرز معها فرضية تأسيس ترامب لحزب جديد، منشق عن الحزب المحافظ. ورأى جون بولتون، مستشار ترامب السابق للأمن القومي، في مقال في "ناشونال ريفيو"، أن المحاكمة "ستخدم ترامب، وليس من يريد تصفيته سياسيا". وبحسب "واشنطن بوست"، فإن فريق ترامب يخطط لإجراء استطلاعات إضافية خلال الأيام المقبلة، ممولة من لجنة العمل "أميركا أولاً"، لتحذير أعضاء مجلس الشيوخ من العواقب السياسية التي قد تنجم عن تصويتهم لإدانته. وكانت الصحيفة قد ذكرت في وقت سابق أن ترامب أمضى عطلة نهاية الأسبوع يخطط لكيفية الانتقام، وأنه قال إن تهديده بإنشاء حزب جديد، من شأنه منع الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ من التصويت لإدانته، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" أكدت أنه تراجع عن الفكرة، لكنه سيظلّ يبحث عن كيفية معاقبة من وقفوا ضدّه، لا سيما في تمهيديات الحزب المقبلة.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية
المساهمون