استمع إلى الملخص
- شخصية مثيرة للجدل: يُعرف ميرز بتصريحاته المستفزة ومواقفه المثيرة للجدل، مثل استخدامه طائرة خاصة خلال أزمة الطاقة ووصفه اللاجئين الأوكرانيين بـ"سائحي الرعاية الاجتماعي"، مما جعله عرضة للانتقادات.
- أولويات سياسية: يركز ميرز على سياسات هجرة صارمة وإصلاحات اقتصادية، مع تعزيز الدفاع الألماني وزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، دون إحداث تغييرات جذرية، مما دفع البعض لاعتباره "دونالد ترامب ألمانيا".
يتأهب المحافظ الكاثوليكي من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا (يمين وسط)، فريدريش ميرز للحفاظ على تقدم الحزب في الاستطلاعات بنحو 32%، على أمل إزاحة مرشح الحزب الاجتماعي الديمقراطي (يسار الوسط)، المستشار الحالي أولاف شولتز في الانتخابات التشريعية المقبلة في 23 فبراير/ شباط.
انتظر ميرز (اسمه الكامل يواكيم فريدريش مارتن جوزيف ميرز، مواليد 1955)، عقدين للحظة اقتناص فرصة أن يكون المرشح الأوفر حظاً لمنصب المستشارية في ألمانيا، بعد التربع على عرش الحزب المحافظ، بعد خروج أول سيدة وصلت إلى المنصب، المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، التي اختلف معها كثيراً، وتحوّل منذ 2002 إلى خصم لدود لها. اختلاف ميرز مع ميركل قام على رفضه فرضها ما يسمّى "الوسطية السياسية"، وذلك بعد أن حوّلت المشهد السياسي إلى مشهد منفتح تتعاون فيه مختلف التيارات السياسية، بعيداً عن الجنوح نحو يسار ويمين متشددين.
على تلك الخلفية، أزيح فريدريش ميرز في 2002 من طريق "موتي" (ميركل، كما أطلق عليها شبيبة المحافظين)، فخسر رئاسته لمجموعة "المسيحي الديمقراطي" في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ). عقدان مرّا قبل أن يستعيد تألقه ومكانته في الحزب، وترشحه لأهم مناصب السياسة الألمانية.
سياسي مثير للجدل
رغم ابتعاده عن المشهد لسنوات، لم يتحول ميرز إلى شخصية هامشية على الساحة السياسية المحافظة. فهذا الكاثوليكي المولود ثرياً، على عكس ميركل البروتستانتية المكافحة منذ أيام ألمانيا الشرقية، ظل مثيراً للجدل، حتى إن بعض الصحافة ووسائل الإعلام في بلده تصفه بأنه "مناضل صلب" وخطيب مفوه، لكنه كثيراً ما يتصادم مع الصحافة ومع الانتقادات الموجهة إليه.
عرّضته تصرفاته وتصريحاته، الموصوفة بالمستفزة، لانتقادات كثيرة لم يأبه لها. فعلى سبيل المثال، اختار في ذروة أزمة الطاقة، مباشرة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الانتقال صيف 2022 بطائرة خاصة لحضور حفل زفاف وزير المالية المقال كريستيان ليندنر، ما أغضب الرأي العام الألماني، وأثار جدلاً بسبب وصفه اللاجئين الأوكرانيين بأنهم "سائحو الرعاية الاجتماعي".
فريدريش ميرز البالغ 69 عاماً، يُصنّف سياسياً ثرياً، وهو القادم أصلاً من أسرة ثرية لها باع طويل في مجال شركات المحاماة. اختار في عمر 21 سنة دراسة القانون، ليصبح في تسعينيات القرن الماضي مستشاراً في شركة المحاماة الدولية ماير براون. وبين 2016 و2020، أصبح رئيساً للفرع الألماني لبلاك كروك العالمية لإدارة الأصول. دخل المليونير ميرز الحياة السياسية في عام 1989، عضواً في البرلمان الأوروبي عن "الديمقراطي المسيحي" في ولاية شمال الراين ويستفاليا. في تلك الولاية، نشأ شقيقاً أكبر لأربعة أشقاء، وهو نفسه أب لثلاثة. في عام 1994 انتُخب عن حزبه لعضوية البوندستاغ.
وفق تقديرات الصحافة ومتابعي سيرة ساسة ألمانيا، فإن الكاثوليكية المحافظة تلعب دوراً في تكوين أفكار ميرز، متعارضة مع البروتستانتية ميركل، ليصبح الاتحاد الديمقراطي المسيحي كأنه في اتجاهين مختلفين. لم يرُق ميرز أخذُ ميركل في 2005 الحزب المحافظ إلى الوسطية. الاختلاف يعود أيضاً إلى قضية حساسة طُرحت في 1997، حيث صوّت ميرز ضد اقتراح تجريم الاغتصاب في إطار الزواج، على قدم المساواة مع حالات اغتصاب أخرى، كما اقترحت وأيدت ميركل. تحت وقع الخلافات، ترك الرجل السياسة في 2009، والحجة "استئناف الحياة المهنية"، باعباره محامياً. لكن موقفه من قانون الاغتصاب لم يُنسَ، بل عاد بقوة خلال الفترة الأخيرة، وخصوصاً بين الناخبات الألمانيات. وفي عام 1967، قضت أعلى محكمة في ألمانيا على الزوجات "واجب ممارسة الجماع"، وزعم العديد من المحافظين أن قانون تجريم الاغتصاب "من شأنه أن يقوّض مؤسسة الزواج".
مع ذلك، على الرغم مما يثيره من جدل، استطاع ميرز إزاحة آرمين لاشيت عن هرم "الديمقراطي المسيحي"، منتخباً لزعامته، ثم مرشحاً اليوم على أمل انتزاع الحكم من قبضة يسار الوسط وتحالفاته في فبراير/ شباط المقبل، بتحوله إلى المستشار الألماني العاشر لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ترتيب أولويات وليس تغييراً جذرياً
شكّل فريدريش ميرز في الفترة الأخيرة معارضة قوية ومؤثرة في وجه حكومة إشارة المرور بقيادة شولتز (انفرط عقدها بعد أن شكلت على مدار نحو 3 سنوات ائتلافاً بين أحزاب الخضر والاجتماعي الديمقراطي والديمقراطي الحر الليبرالي). ويبرز توعده بسياسات هجرة أكثر صرامة ومحافظة من السابقة، وكأنه قريب من طرح الحزب اليميني القومي المتشدد، البديل لأجل ألمانيا، رغم تعهده بألّا يتعاون مستقبلاً معه.
وإذا كانت مسألة الهجرة واللجوء نقطة جاذبة لرفع شعبية معسكر المحافظين، مقابل تراجع يسار الوسط بصورة غير مسبوقة إذا صمدت الاستطلاعات بنحو 14 إلى 16%، بينما يسبقه حزب البديل لأجل ألمانيا المتشدد بتوقع تحقيقه نحو 19%، فإن ميرز يعد أيضاً بإصلاحات على مستوى الاقتصاد. فالبلد أصلاً يعاني من أزمات سياسية واقتصادية واضحة بالنسبة إلى الناخبين. شعبية ميرز في الاستطلاعات التي تفضله مستشاراً تصل إلى 44%، بينما لا يفضل سوى 39% استمرار أولاف شولتز في منصبه.
شعبية ميرز تلك، رغم ما تثيره مواقفه وتصريحاته من سجال ورفض، تدفع الأمين العام للاتحاد المسيحي الديمقراطي كارستن لينمان إلى اعتبار أن "قدوم دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يحتاج إلى زعيم ألماني واضح"، مشدداً على أن ميرز الشخص المناسب لقيادة بلاد مضطربة. هذا بالطبع دون إغفال اعتبار معارضي انتخابه أنه بمثابة "دونالد ترامب ألمانيا".
ووفقاً لمجلة دير شبيغل الألمانية، فإن فريدريش ميرز قد لا يقوم بتغيير جذري لسياسات برلين، لكنه سيغير الأولويات في مجالات عدة، وبينها تلك المتعلقة بتكثيف خطط الاستثمار في العسكرة وقضايا الدفاع، وهو يعتقد أن "فترة السلام القصيرة نسبياً في أوروبا قد انتهت، ولهذا هناك حاجة إلى دفاع ألماني قوي"، على ما نقلت الصحيفة عنه في اجتماع للحزب أخيراً.
وبالنسبة إلى فريق ميرز، فإن أولوية تعزيز الدفاع تدفعه (أي الفريق)، حتى قبل التيقن من فوزه، إلى دراسة إنشاء صندوق عسكري بقيمة 300 مليار يورو، بالإضافة إلى زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا. كذلك، يريد ميرز الحد من تدفق المهاجرين، والتركيز على ترحيل المرفوضين، والتشدد في مسائل الإسلام بألمانيا، وهو من دعاة الطاقة النووية.