استمع إلى الملخص
- **الخسائر البشرية والمادية**: أسفر الهجوم عن مقتل 25 شخصاً وتدمير المركز بشكل كبير، مع تضرر مواقع للمليشيات والحرس الثوري الإيراني، مما يعكس تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران.
- **ردود الفعل والتداعيات**: رفضت إيران تأكيد الاستهداف ونددت بالهجمات، بينما أكدت المعارضة السورية خروج المركز عن الخدمة، مشيرة إلى أن الهجوم كان ضربة استباقية من إسرائيل.
استهدف الاحتلال الإسرائيلي أهم مركز لتطوير الأسلحة وخصوصاً الصواريخ والمسيّرات في وسط سورية في هجوم واسع النطاق، في سياق هجمات متواصلة على مدى سنوات، هدفها الحد من النفوذ الإيراني العسكري المتعاظم في سورية. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القصف الذي تم مساء أول من أمس الأحد كان على عدة جولات، استهدفت خصوصاً مركز البحوث العلمية في منطقة مصياف في ريف حماة الغربي وسط سورية وموقع حير العباس وموقعين آخرين بمنطقة الزاوي في ذات المنطقة، إضافة إلى هدف آخر في منطقة بانياس على الساحل السوري.
وسائل إعلام إسرائيلية: القصف هو الموجة الأكثر عنفاً منذ سنوات
وبحسب مصادر في المعارضة السورية، تضم منطقة الزاوي الواقعة على أطراف مدينة مصياف معامل إيرانية تصنع العديد من المواد والمنتجات المستخدمة في الصواريخ وكذلك المواد الكيميائية. وأسفرت الغارات عن تدمير مبانٍ ومراكز عسكرية، واندلاع حرائق في المناطق الحرجية على طريق مصياف - وادي العيون ومنطقة حير العباس. وبحسب المصادر فقد سقطت بعض صواريخ الدفاعات الجوية التابعة للنظام التي حاولت استهداف الصواريخ الإسرائيلية من دون جدوى في مناطق سكنية، ما أدى إلى أضرار مادية في القرى والمزارع المأهولة، منها قرية سمكة التابعة لناحية خربة المعزة بريف طرطوس وضاحية المجد.
وأشار المرصد السوري، في بيان أمس الاثنين، إلى أن الهجوم أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 25 شخصاً، من بينهم مدنيون وعسكريون من جنسيات مختلفة، مشيراً إلى أن الغارات دمّرت المركز المذكور بشكل كبير. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس إن الغارات "من أكبر الضربات وأشدّها" التي تنفذها إسرائيل في سورية. ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) التابعة للنظام عن مدير المستشفى الوطني في مصياف فيصل حيدر قوله إن "عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على عدة مناطق بريف مصياف ارتفع إلى 16، بينما هناك 36 جريحاً منهم 6 في حالة خطرة".
أعنف موجة هجمات على سورية
في المقابل، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن "الهجمات استهدفت معهد أبحاث ومواقع للمليشيات والحرس الثوري في حماة"، مشيرة إلى أن هذا القصف هو "الموجة الأكثر عنفاً منذ سنوات". ولا تعلن إسرائيل عادة بشكل رسمي، وقوفها وراء الهجمات الجوية على الأهداف الإيرانية في سورية. في حين قالت وسائل إعلام النظام السوري إن إسرائيل شنت نحو 15 غارة على المنطقة الوسطى. ودائماً ما يتوعد النظام السوري بالرد على الهجمات الإسرائيلية المتكررة إلا أنه يكتفي بالتنديد الإعلامي وتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
ولطالما كان مركز البحوث العلمية في منطقة مصياف وسط سورية والذي يشهد نشاطاً مكثفاً من قبل الحرس الثوري الإيراني منذ 2013، هدفا للهجمات الإسرائيلية خلال السنوات الفائتة، فهو من أهم المواقع التي تطوّر بها طهران أسلحة صاروخية دقيقة، وفق مصادر في المعارضة السورية. ووجّهت تل أبيب عديد الضربات لهذا المركز الذي يقع في ريف حماة الغربي والذي اغتيل مديره عزيز أسبر عام 2018، بتفجير استهدف سيارته في منطقة مصياف.
ورفض المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، تأكيد استهداف المركز، قائلاً: "إننا لا نؤكد استهداف مركز مرتبط بإيران أو مدعوم منها"، مندداً بالهجمات الإسرائيلية. وأضاف، في مؤتمر صحافي أمس الاثنين، أن "الكيان الصهيوني لا يعرف حداً لجرائمه ووضع على أجندته ارتكاب جرائم عابرة لفلسطين المحتلة"، داعياً داعمي الكيان إلى وقف تسليحه والمجتمع الدولي إلى "اتخاذ إجراء جاد ورادع" أمام مغامراته.
عبد السلام عبد الرزاق: تل أبيب قامت بضربة استباقية دمرت خلالها مركز البحوث العلمية
وتعليقاً على القصف الذي طاول مركز البحوث العلمية في مصياف وسط سورية أكد الرائد يوسف حمود، القيادي في فصائل المعارضة السورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المركز "خرج عن الخدمة"، مضيفاً: كان قصفاً غير مسبوق من حيث الشدة والتركيز استهدف منشآت تصنيع عسكري إيرانية ومستودعات أسلحة للحرس الثوري الإيراني. وتابع: النشاط العسكري الإيراني في سورية بات مكشوفاً لكل أجهزة الاستخبارات في العالم، فالواقع الأمني لدى النظام أصبح على درجة عالية من الميوعة، بسبب ارتباط شريحة واسعة من الضباط ورجال الأمن مع إيران وروسيا.
ضربة إسرائيلية استباقية
من جهته، قال المحلل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "إسرائيل ترصد دائماً التحركات الإيرانية في المنطقة طوال فترة التهديد الايراني بالرد على اغتيال إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران في 31 يوليو/تموز الماضي". وأعرب عن اعتقاده بأن الجانب الإسرائيلي رصد تحركات إيرانية "غير طبيعية" في منطقة مصياف غربي حماة عن طريق جواسيسه المنتشرين في المنطقة، ربما كانت تحضيراً للقيام بعمل عسكري ضد إسرائيل، مضيفاً: أعتقد أن تل أبيب قامت بضربة استباقية دمرت خلالها مركز البحوث العلمية الذي يعمل على تطوير أسلحة إيرانية وأخرجته عن الخدمة.
ولدى النظام العديد من المراكز العلمية العسكرية التي تولّت إنتاج البراميل المتفجرة رخيصة الثمن التي استخدمها النظام على نطاق واسع لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين في المناطق التي خرجت عن سيطرته خلال سنوات الثورة. كما أُنتجت في هذه المراكز غازات سامة استخدمها النظام على نطاق واسع في عمليات قصف مناطق سورية لعل أبرزها القصف الذي طاول الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق منتصف عام 2013، والذي أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين. ولم تستثن إسرائيل من الهجمات الجوية المتكررة طيلة سنوات أي مركز من مراكز البحوث العلمية التابعة للنظام، والتي باتت بحكم المؤكد تدار منذ عدة سنوات من قبل مستشارين إيرانيين بهدف تصنيع صواريخ أرض ـ أرض وطائرات مسيّرة.
واستهدفت تل أبيب عدة مرات مركز "جمرايا" والذي يقع خلف جبل قاسيون الشهير الذي يحد العاصمة دمشق من الناحية الشمالية، وتتموضع بالقرب منه العديد من القطع العسكرية، منها قيادة الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، والتي تعدّ الأكثر قسوة في التعامل مع السوريين. وللنظام السوري مركز أبحاث ودراسات علمية هو الأكبر لجهة المساحة في منطقة السفيرة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة حلب بنحو 10 كيلومترات، يطلق عليه تسمية المعهد أربعة آلاف. وتعرض هذا المركز، الذي يُعتقد أنه يضم العديد من الخبراء الأجانب، للقصف أكثر من مرة.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ مطلع العام الحالي 64 مرة قامت خلالها إسرائيل باستهداف الأراضي السورية، 47 منها جوية و17 برية. وأسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 140 هدفاً ما بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات، فضلاً عن مقتل المئات من عناصر المليشيات الإيرانية المساندة للنظام.