دخل الجيش الأوغندي أخيراً، على خطّ العنف المتفاقم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وسط أفريقيا، وتحديداً في شرقها، الحدودي مع أوغندا ورواندا وتنزانيا، بعد تصاعد الاعتداءات على أراضي هذا البلد، من قبل الجماعات المسلحة التي تتخذ من شرق الكونغو الديمقراطية مقراً لها. وعلى الرغم من إعلان تنظيم "داعش" (ولاية وسط أفريقيا)، مسؤوليته عن اعتداءين وقعا في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، في أوغندا، بعدما كانت مليشيات "القوات الديمقراطية المتحالفة"، الناشطة في شرق الكونغو الديمقراطية، قد أكدت ولاءها له في 2019، إلا أن العنف المتصاعد في المنطقة يرتبط بجملة عوامل، أبرزها تطوير الجماعات المسلحة في المنطقة لأدواتها القتالية، وحركة انتقال مصادر تمويلها، وانضمام مقاتلين جدد إليها. ويأتي ذلك خصوصاً مع تفشي الفساد في دول منطقة البحيرات الكبرى، والصراعات الإثنية، وتراجع الاهتمام الأميركي خلال السنوات الأخيرة بالمنطقة، وهو ما قد تبدله واشنطن بعد تصنيفها لـ"القوات الديمقراطية المتحالفة" جماعة إرهابية أخيراً.
استنفار للصين
واستنفرت الأحداث الأخيرة أيضاً الصين، التي لها مصالح استثمارية كبيرة في الكونغو الديمقراطية الغنية بالمعادن، ومنها عقود ضخمة وقعت في عهد الرئيس السابق جوزيف كابيلا. وبعد تعرض مواطنين صينيين لعمليات اختطاف وهجمات في مقاطعات جنوب وشمال كيفو وإيتوري شرق البلاد، متكررة خلال الشهر الماضي، حثّت الصين، عبر سفارتها في كينشاسا، أمس الأربعاء، مواطنيها على مغادرة هذه المناطق، بالإضافة إلى مقاطعات بونيا ودجوغو وبيني وروتشورو وفيزي وأوفيرا وموينغا، وذلك إلى مناطق أكثر أماناً في الكونغو الديمقراطية. وقالت السفارة: "نطلب من جميع المواطنين الصينيين والشركات ذات الاستثمار الصيني في الكونغو إيلاء اهتمام وثيق للظروف المحلية، وزيادة الوعي بالسلامة والاستعداد للطوارئ، وتجنب السفر الخارجي غير الضروري". وكانت السفارة الصينية قد ذكرت الشهر الماضي أن 5 مواطنين صينيين اختطفوا خلال عملية تعدين في جنوب كيفو.
صنّفت واشنطن أخيراً الجماعات المسلحة بالمنطقة إرهابية
وعلى الرغم من عدم إعلان كينشاسا وكمبالا بعد رسمياً عن انطلاق الحملة البرّية المشتركة لمحاربة المجموعات المسلحة الناشطة في شرق الكونغو الديمقراطية تحت مسمى "القوات الديمقراطية المتحالفة"، إلا أن الجنود الأوغنديين قد بدأوا فعلاً خلال اليومين الماضيين بدخول أراضي الدولة المجاورة، فيما نفّذ الجيش الأوغندي ضربات جوية في شرق الكونغو الديمقراطية.
الجيش الأوغندي يعبر الحدود
وأكدت مصادر عدة لـ"فرانس برس"، دخول القوات الأوغندية الأراضي الكونغولية، وأظهرت تسجيلات فيديو التقطها شهود عند الحدود الشرقية للكونغو الديمقراطية وتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، قوات مسلّحة بالزي العسكري الممهور بالعلم الأوغندي، تتقدم سيراً تحت أنظار أبناء المنطقة. وأكد مصدر في الأمم المتحدة للوكالة أن "طلائع القوات الأوغندية دخلت الكونغو الديمقراطية" عند معبر نوبيلي الحدودي في ولاية شمال كيفو، مشيراً إلى توجه الجنود إلى منطقة كامانغو التي تبعد 8 كيلومترات عن الحدود. وقال مصدر دبلوماسي أوروبي: "لقد أبلغنا عبر قنواتنا التقليدية أن الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي قد سمح للجيش الأوغندي بدخول البلاد، لمطاردة المسلحين".
من جهتها، تطرقت المتحدثة باسم الجيش الأوغندي، فلافيا بييكواسو، إلى مجريات الحملة الجوية فقط، حيث أعلنت أول من أمس الثلاثاء أن "الأهداف ضربت بدقة" في قصف وقع اليوم ذاته، وأكدت أن "العمليات ضد الإرهابيين ستتواصل، حيث يجري البحث عن أهداف أخرى". كما أكدت أن "الضربات الجوية ستليها عمليات ميدانية"، تشارك فيها قوات برّية.
وكان مستشار لرئاسة جمهورية الكونغو الديمقراطية، قد أكد الأحد الماضي، للوكالة، أن الرئيس فيليكس تشيسكيدي قد تحدث عن خيار السماح للجيش الأوغندي بعبور الحدود، لكنه لفت إلى أن هذه القوات "لن تعبر الحدود الليلة (الأحد) أو الإثنين، إذ إن هناك إجراءات يجب احترامها، ومنها طلب موافقة البرلمان وقيادة الجيش". وقالت وزارة الاتصالات الكونغولية الثلاثاء إنه "لا توجد قوات أوغندية" في الكونغو الديمقراطية، ولكن تمّ "اتخاذ إجراءات مستهدفة ومنسقة مع الجيش الأوغندي لضرب إرهابيي القوات الديمقراطية المتحالفة، عدونا المشترك".
وقال مصدر في حكومة كينشاسا إن قوات البلدين تعمل منذ وقت يومياً في إطار مركز العمليات المشتركة لتبادل المعلومات الاستخبارية". وأعرب المصدر عن "سعادته" لأن الرئيس "قد نفّذ وعده، وأنصت لأكثر من 80 في المائة من سكان المنطقة، وهم الضحايا المباشرون لاعتداءات المسلحين ومجازرهم". وكانت مقاطعتا شمال كيفو وإيتوري، في شرق الكونغو الديمقراطية، وهما مسرح العمليات الأساسي لنشاط الجماعات المسلحة، قد خضعتا لحصار نفّذته القوات الحكومية منذ شهر مايو/أيار الماضي، وذلك تحضيراً لعملية عسكرية ضد المسلحين. لكن جان كلود كاتنادي، وهو رئيس مجموعة "أسادهو" (مجموعة حقوقية)، اعتبر في حديث لوكالة "فرانس برس"، أن دخول القوات الأوغندية "يعني اعترافاً بفشل الحصار".
دعت الصين مواطنيها إلى مغادرة شرقي الكونغو الديمقراطية
وكان 22 مدنياً قد قتلوا يوم الأحد الماضي، في هجوم على مخيم للنازحين في إيتوري، بعد أسبوع واحد على مقتل 29 شخصاً في مخيم مجاور. ووجهت السلطات أصابع الاتهام في المجزرتين إلى عناصر مليشيوية تابعة لـ"تعاونية تنمية الكونغو" (كوديكو) التي تدعي منذ ظهورها في عام 2017، الدفاع عن مصالح إتنية ليندو المقيمة في المقاطعة.
عقود من العنف
لكن تدخل القوات الأوغندية، لا يأتي تلبية لطلب الدعم من الكونغو الديمقراطية. إذ إن هجمات المسلحين التي كانت قد وفّرت أوغندا منذ فترة طويلة، عادت لتستهدف هذا البلد، بهجمات طاولت العاصمة. ويرى متابعون أن عودة الهجمات إلى أوغندا مرتبطة بالمسألة الجغرافية وقرب الحدود خصوصاً. وتربط القوات الأوغندية عدداً من الهجمات الجديدة داخل أراضيها، بمهدي نكابولو، وهو أحد قادة "القوات الديمقراطية المتحالفة"، المتواجد في شرق الكونغو الديمقراطية، لكنه من أصول أوغندية، ويطلق عليه اسم "المعاقب".
علماً أن "القوات الديمقراطية المتحالفة" كانت قد برزت في تسعينيات القرن الماضي، وضمّت في الأساس حينها مجموعات أوغندية مناهضة للرئيس يوري موسوفيني، لكنها انتقلت إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في 1995، حيث اتخذت من جبال رونزوري في شمال كيفو مركزاً لها. وفي إبريل/نيسان 2019، بدأ "داعش" يتبنى اعتداءات تنفذها "القوات الديمقراطية المتحالفة" على وسائل التواصل الاجتماعي، معرفاً عن المجموعة بأنها ذراعه الإقليمية، تحت اسم "داعش - ولاية وسط أفريقيا"، فيما أدرجت واشنطن في مارس/آذار الماضي المنظمة في قائمتها "للجماعات الإرهابية" المرتبطة بـ"داعش".
وعلى الورق، فإن الكونغو الديمقراطية، وهي ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة، يجب أن تكون من أغنى دول العالم، قياساً بوفرة مخزونها من الموارد الطبيعية، والمياه الطبيعية، والغابات الاستوائية. لكن عقوداً طويلة من الاستغلال الاستعماري، والتي تلتها سنوات طويلة من الحكم الديكتاتوري، والصراعات المسلحة، والناجم بعضها عن انفلاش الحروب في الدول المجاورة لها (رواندا)، ما جعل المراقبين يطلقون على حروبها اسم "الحرب العالمية الأفريقية"، قد أبقت هذا البلد إحدى أفقر دول العالم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن شرق الكونغو الديمقراطية الذي يستضيف قوات أممية مهماتها من الأكبر بين المهمات العسكرية للمنظمة، يعيش أيضاً تحت وطأة كارثة إنسانية، تتمثل بالعدد الكبير من مخيمات اللاجئين الموجودة فيه (1.7 مليون نازح بحسب تقدير أخير للأمم المتحدة)، والتي هي حصيلة تراكم سنوات طويلة من الحروب والصراعات في منطقة البحيرات الكبرى، بالإضافة إلى ما يعانيه من تفشي وباء إيبولا. هكذا أصبحت المنطقة أرضاً خصبة لنمو وازدهار الجماعات المسلحة، التي تعتاش على القتل وتنفيذ المجازر والسرقة.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)