تداعيات التقارب التركي مع نظام الأسد قبيل الانتخابات

05 فبراير 2023
خلال مظاهرة في إدلب ضد التقارب التركي مع النظام السوري في 6 يناير (فرانس برس)
+ الخط -

حتى الانتخابات التركية المقبلة في يونيو/ حزيران المقبل، التي قد يُلجأ إلى تقديمها قبل هذا الموعد، سيسير قطار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق بين تسارع وتباطؤ، بحسب المعطيات والمزاج السياسي في كل من العاصمتين، وما يحيط به من تدخل ومراقبة إقليمية لهذا المسار. 

ولا يزال التكهن سمة للمستوى الذي يمكن أن تصل إليه المحادثات التي تمضي تدريجياً بأفق محدد مسبقاً بلقاء الأسد وأردوغان، إذ بات الشك يسود حول التوصل إلى هذا اللقاء من الأساس. ففيما كان من المقرر أن يعقد وزيرا خارجية النظام فيصل المقداد ومولود جاويش أوغلو لقاءً بحضور روسي قبل لقاء الرئيسين، فإن هذا اللقاء لم يحصل، أو أُوجل لسبب ما، بعد الحديث عن عقده بداية الشهر الحالي.

وفي حال سير الخطة التدريجية التي تحدث عنها أردوغان، أي ترتيب اللقاءات على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات (حصل اللقاء في موسكو)، ومن ثم وزيرا الخارجية قبل لقائه مع الأسد، بالشكل المرسوم لها، تبقى الأسئلة مطروحة، عن السيناريوهات ما بعد التطبيع، وما هي مكاسب كل طرف، وكيف ستكون ردود الفعل العربية والإقليمية والدولية تجاهه.

تعزيز موقع أردوغان وحزبه بالانتخابات

بالنسبة إلى أردوغان وحكومة العدالة والتنمية، فلا شك أن أردوغان يسعى لتعزيز موقعه وحزبه في الانتخابات المقبلة، بعد أن كان التوتر الداخلي في تركيا سمة للموقف التركي الشعبي من اللاجئين السوريين، فأطلق أردوغان الوعود بالعودة الطوعية التي تناولها الإعلام التركي بكونها على رأس أولويات مباحثات أنقرة مع النظام.

كذلك سيكون ملف التنظيمات الكردية في الشمال والشمال الشرقي من البلاد، نقطة التقاء بين النظام وأنقرة، ولا سيما من خلال سعي الأخيرة لإبعاد خطر تلك التنظيمات عن حدودها بأي شكل، لكن أردوغان والسياسة في تركيا عموماً، تيقن تماماً أن حضور النظام على الحدود كبديل بعد العدائية الكبيرة التي خلفتها السنوات الـ 12 الماضية، جعلت الثقة بالنظام معدومة لجهة أن يكون شريكاً موثوقاً على الحدود.

وإن لم يلجأ النظام للعمليات الانتقامية باستغلال وقوفه عند الحدود لزعزعة أمن الداخل التركي، وهذا مستبعد، فإنه لن يفوت فرصة انكشاف أكثر من 900 كم من الحدود لتهريب أطنان من المخدرات التي باتت تصنع بكميات هائلة في سورية، وفي مصانع قوات الفرقة الرابعة و"حزب الله" تحديداً، وهذا ما تعرفه أنقرة جيداً.

الأسد لا يريد منح أردوغان حظوظاً أكبر بالانتخابات

بالنسبة إلى النظام والأسد، ربما كان من الطبيعي ألا يكون مهتماً بتطبيع العلاقات مع أنقرة، وإن كان قد يسير بخطواتها، فإن ذلك يأتي تلبية للرغبة الروسية. الأسد يدرك أن أردوغان يريد الاستفادة من التطبيع لتحسين حظوظه الانتخابية، ولا يريد منحه هذه الفرصة، لذلك جعل الإعلام المقرب منه يعلن أن اللقاء بينه وبين أردوغان، إن حصل، سيكون بعد الانتخابات التركية، لمعرفة كيف سيكون موقع أردوغان وحزبه في الحكومة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

أيضاً، يريد الأسد حالياً من أي دولة أو حكومة تفتح الأبواب للتطبيع معه، أن تساعده في أمرين: تقديم الأموال للبدء بعملية إعادة الإعمار، وفتح الطريق له نحو الغرب والولايات المتحدة تحديداً، وهما أمران لا يمكن أن تقدمهما أنقرة.

 ويعرف الأسد أن الأتراك لا يمكن أن يقدموا أي أموال لعملية إعادة الإعمار أو غيرها، على العكس، فإن الأتراك سيحاولون استغلال عملية إعادة الإعمار للاستفادة منها بتقديم الشركات التركية الحكومية والخاصة إليها وليس دعمها، كذلك إن العلاقة بين واشنطن وأنقرة غير المستقرة، لا تسمح للأخيرة التوسط لجعل الأسد مقبولاً عندها، على العكس، قد تكون ورقة تضعف الموقف التركي في واشنطن. وعليه، لا يزال الأسد يعتبر الخطوات التركية باتجاهه مراوغة انتخابية لا أكثر، ويتعامل معها بحذر وبكثير من عدم الجدية، إن لم يباركها المجتمع الدولي، وهذا مستبعد.

ارتباك المعارضة.. "الانتظار والمراقبة فقط"

بالنسبة إلى المعارضة، قد تكاد تكون في موقف لا يحسد عليه، وهي تراقب المباحثات والخطوات نحو التطبيع، إذ يسود الارتباك موقفها، ولا سيما بعد أن رمت بيضها كلها في السلة التركية منذ حوالى خمسة أعوام، وابتعدت شيئاً فشيئاً عن التواصل مع العرب، ولا سيما في الخليج، وبذلك فقدت دعماً سياسياً ومادياً ولوجستياً قوياً.

وكانت نتيجة هذا الخيار انتظار القطارة التركية لتقطر لها، فذهبت خيارتها بالتفاوض بالاتجاه الذي ترغب فيه أنقرة، ما جعل مسار التفاوض كارثة على المعارضة، نظراً للعلاقة الطيبة بين تركيا وروسيا، وتلك الأخيرة صنعت المسارات وتحكمت بها بمباركة تركية. 

ولا شك أن المعارضة في ظل خسارتها للكثير من حلفائها، أو ابتعادهم عنها في الغرب والشرق، ليس لها إلا الانتظار والمراقبة مع عدم قدرتها على تغيير الخيارات التركية، وعدم القدرة كذلك على التراجع نحو حلفاء نزحت عنهم وتخلوا عنها، أو أهملوها.

السعودية وقطر لم يبدلا موقفهما من النظام

بالنسبة إلى العرب والمحيط الإقليمي، قد يكون الجزم بأن الفاعلين الرئيسين في الملف السوري سابقاً، وبشكل أقل حالياً، السعودية وقطر، لم يبدلا موقفهما من النظام، ولا مؤشرات للتبديل، وتصرّ الرياض والدوحة على تطبيق القرارات الأممية للحل، ولا يزال وصف الأسد كمجرم حرب حاضراً على ألسنة مسؤولي البلدين.

ولا يتوقع أن تلقى الخطوات التركية نحو التطبيع أي مباركة من العاصمتين، هذا إذا كانتا تنظر إلى التطبيع على أنه مسعى جدي من النظام وتركيا وليس خطوة مرحلية لا يذهب نحو خيارات استراتيجية.

 أما مصر والجامعة العربية عموماً، فسيكون التطبيع محل قلق، ولا سيما أن التدخل التركي بالعموم في الشأن السوري مرفوض بالنسبة إليهما، حاله حال التدخل الإيراني، وهذا قد يكون نقطة الخلاف مع الأسد بالأساس، قبل أن يكون الموقف حاداً منه على تعامله الوحشي مع الحراك.

واشنطن لن تقبل النظام على الأقل بشكله الحالي

بالنسبة إلى المجتمع الدولي والغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، التي توجه بوصلته، فإن الثابت لديهم أنه مهما كانت البراغماتية سمة لتعاملها مع المنطقة، فإن النظام لن يكون مقبولاً على الأقل بشكله الحالي.

 ولا تزال واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون يصرون على تطبيق القرار 2254، وهو قرار يعرف أردوغان والأسد تماماً أن تطبيق نصف مخرجاته سيطيح حكم الأخير. وأخيراً جاء قانون مكافحة المخدرات الذي وقعته إدارة الرئيس بايدن، ليضع الأسد في مكان الملاحق والمتهم، ليس فقط كمجرم حرب، بل كمروج مخدرات في العالم، حتى باتت الخشية من أن تصل منتجاته إلى الشواطئ الأميركية بعد أن وصلت إلى الأوروبية.

وعلى هذا فإن إغلاق كل المنافذ على "الكبتاغون" السوري سيكون مسعى لمفاعيل القانون، وبالتأكيد لن تسمح واشنطن وأوروبا بوجود باب لتهريبه من تركيا عبر أوروبا.

المساهمون