قال مسؤولان عراقيان مطلعان على مجريات عمل لجنة التحقيق بملف اغتيال معاون مدير شعبة المراقبة السرية في جهاز المخابرات العراقي العقيد نبراس الفيلي، الذي جرى استهدافه الأسبوع الماضي شرقي بغداد، إن المعلومات المتوفرة حتى الآن تشير إلى تورط كتائب حزب الله في عملية اغتيال الضابط، التي جاءت بعد سلسلة تهديدات وجهتها جماعة مسلحة لعدد من ضباط الجهاز، واضطر كثير منهم لتغيير مكان سكنهم وسياراتهم وأرقام هواتفهم.
وفي السابع من يونيو/ حزيران الحالي، هاجم مسلحون يستقلون سيارتين الفيلي، بعد خروجه من منزله شرقي بغداد متوجهاً إلى مقر عمله. ووفقاً لبيان السلطات الأمنية العراقية، فإن الفيلي واجه المسلحين، وتبادل إطلاق النار معهم، قبل أن يتمكنوا من قتله ومغادرة المكان.
مسؤول أمني: تم رصد دخول السيارتين اللتين شاركتا بالهجوم إلى جرف الصخر التي تسيطر عليها كتائب حزب الله
وتعد حادثة اغتيال ضابط رفيع المستوى في الجهاز الأمني المعروف بقربه من الولايات المتحدة، وما زال يديره رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لغاية الآن، الثانية من نوعها. وكان مسلحون قد اغتالوا ضابطاً بارزاً في جهاز المخابرات، نهاية مارس/ آذار الماضي، في حي المنصور، وسط بغداد، وذلك بالتزامن مع حملة إعلامية واجهها جهاز المخابرات من قبل فصائل مسلحة نافذة تتهمه بالمشاركة، من خلال التعاون مع القوات الأميركية، في عملية اغتيال زعيم "فيلق القدس" قاسم سليماني، والقيادي في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، مطلع يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، في غارة قرب مطار بغداد الدولي.
ووفقاً لمعلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، من خلال مسؤول أمني بارز في بغداد، فإن "لجنة التحقيق بحادثة اغتيال الفيلي توصلت لنتائج مهمة، تؤكد ضلوع فصيل مسلح بارز في عملية اغتيال الضابط، بعد فحص كاميرات مراقبة ومكالمات هاتفية وإفادات شهود عيان كانوا في مكان الهجوم". وأكد أن "السيارتين، اللتين شاركتا بالهجوم، جرى رصد دخولهما منذ يوم الاغتيال إلى بلدة جرف الصخر التي يسيطر عليها فصيل كتائب حزب الله، ولم تخرجا لغاية الآن". وحول الفصيل المتورط بالعملية، قال إن "المعلومات تؤكد وقوف كتائب حزب الله وراء الهجوم، لكن لغاية الآن رئيس الحكومة يشدد على استكمال التحقيق ومفاتحة القضاء، تجنباً لتكرار ما حصل عقب عملية اعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح".
وأكد هذه المعلومات مسؤول آخر في مكتب الكاظمي، قائلاً إن "الضابط كان يعمل على رأس فريق تحقيق لمتابعة خلايا الكاتيوشا، التي تقف وراء عمليات القصف المتكررة في بغداد وتحركاتها، وكان قد حقق تقدماً في التحقيقات الجارية". واعتبر أن "هذا هو السبب الرئيسي الذي يقف وراء اغتياله، وهناك رسائل تهديد وردت لضباط أمن واستخبارات عبر هواتفهم، واتخذوا إجراءات مشددة، منها تغيير (مكان) سكنهم وسياراتهم، وبعضهم يضطر للمبيت داخل دائرته، ولا يعود إلى منزله إلا مرة أسبوعياً". ووفقاً للمسؤول، فإن "عملية استهداف الضباط أخيراً لا تحمل شبهات إرهابية لتنظيم داعش". وكان الكاظمي قد زار منزل العقيد نبراس الفيلي، والتقى بأطفاله وزوجته ووالدته. ووصف، في بيان صدر عن مكتبه، الجهات التي تقف وراء اغتياله بأنها "غادرة، وجبانة".
ويؤكد مراقبون عراقيون أن عمليات استهداف ضباط في جهاز المخابرات، الذي يرأسه الكاظمي، تأتي كمرحلة جديدة من التصعيد الحاصل منذ فترة، من قبل فصائل مسلحة، حليفة لإيران، ضد جهاز المخابرات. وقال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان عبد الخالق العزاوي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "التحقيق في عملية اغتيال الضابط في جهاز المخابرات العراقي مستمر، ويجري بسرية تامة، لمنع تسرب معلومات تؤدي لفرار المشتبه بهم". وأكد أن "نتائج التحقيق في النهاية يجب أن تعرض بشكل شفاف أمام العراقيين، لمعرفة الجهة التي تقف وراء استهداف الضباط داخل بغداد".
غيث التميمي: الجماعات المسلحة التي تقف خلف عمليات القصف تحاول عرقلة إكمال التحقيقات
وبين العزاوي أن "العراق يعاني دائماً من قضية عدم تنفيذ نتائج بعض التحقيقات. فالتحقيق دائماً ما يتوصل إلى نتائج ومعلومات مهمة، لكن تبقى مشكلة التطبيق، بسبب ضغوط داخلية أو خارجية تعيق تفعيل نتائج التحقيقات". وحذر من أن "عدم كشف الجهة التي تقف خلف عمليات اغتيال ضباط جهاز المخابرات العراقي، ومحاسبة تلك الجهة، سيدفعها إلى الاستمرار في تصفية ضباط الجهاز والشخصيات الأمنية والعسكرية الفاعلة في كشف ومواجهة العصابات والتنظيمات الإرهابية. ولهذا يجب الإسراع في التحقيقات ومحاسبة تلك الجهة، أياً كانت، ومهما كان لها من حماية من أطراف داخلية أو خارجية".
إلى ذلك، قال السياسي العراقي غيث التميمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "السلطات الأمنية في بغداد تعلم من هي الجماعات المسلحة التي تقف وراء مسلسل اغتيال الضباط في جهاز المخابرات، وتعرف جيداً أسباب هذه العمليات، خصوصاً بعد سعي الجهاز إلى كشف خلايا الكاتيوشا والطيران المسير المفخخ". وأضاف: "بلا شك، فإن الجماعات المسلحة، التي تقف خلف عمليات القصف الصاروخي واستخدام الطيران المسير، هي التي تقف خلف عمليات اغتيال الضباط في جهاز المخابرات، لعرقلة إكمال التحقيقات في كشف كافة تفاصيل تلك الجماعات". واعتبر أن "جهاز المخابرات مطالب بتكثيف التحقيقات بشأن خلايا الكاتيوشا والطيران المسير المفخخ، لكشف عناصرها، ومن يقف خلفها، رغم أن هذا الأمر معلوم لدى الجميع. فكشف هذه الخلايا سيساهم في الإطاحة بقتلة الضباط، وكذلك منع أي عمليات اغتيال، ربما قد تنفذها هذه الخلايا ضد ضباط آخرين في قادم الأيام، كجزء من استهداف أي جهة أو شخص يتوصل إلى معلومات مهمة وخطيرة حول عمل وتفاصيل هذه الخلايا، التي هي على ارتباط مباشر مع الحرس الثوري الإيراني".
وتتهم واشنطن مليشيات مدعومة من طهران بشن هجمات تستهدف المصالح الأجنبية، وخصوصا الأميركية، في المحافظات العراقية. وكانت ما تعرف بـ"تنسيقية المقاومة العراقية" قد أصدرت بياناً، أواخر الشهر الماضي، هددت فيه بتصعيد هجماتها ضد المصالح الأميركية في العراق. وتُعتبَر "تنسيقية المقاومة العراقية" بمثابة ائتلاف مكون من مليشيات مرتبطة بإيران، وتشكلت بعد نحو أسبوع من اغتيال الولايات المتحدة سليماني والمهندس. وأبرز هذه المليشيات "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"النجباء"، و"كتائب الإمام علي"، و"البدلاء"، و"الطفوف"، وسرايا الخراساني"، و"كتائب سيد الشهداء".