تحقيقات انفجار مرفأ بيروت: إصدار مذكرة توقيف غيابية بحق وزير سابق

16 سبتمبر 2021
مدعى عليه بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وجرح مئات الأشخاص" (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

أصدر المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، مذكرة توقيف غيابية بحق وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس بعد تغيّبه عن حضور جلسة الاستجواب التي كانت مقرّرة اليوم الخميس.

وردّ المحقق العدلي في مستهل الجلسة الدفوع الشكلية المقدمة من وكيلي فنيانوس، معتبراً أنّ تبليغه موعد جلسة الاستجواب تم وفق الأصول القانونية، في حين امتنع الوزير السابق عن المثول أمام القاضي البيطار لاستجوابه.

وكان وكيلا فنيانوس المدعى عليه بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وجرح مئات الأشخاص" قد تقدّما بمذكرة دفوع شكلية في الجلسة الماضية، انطلقت من أنّ صلاحية ملاحقة وزير الأشغال السابق تعود إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وكذلك من استئناف قرار نقابة المحامين في طرابلس التي أعطت الإذن بملاحقة فنيانوس، وهو أيضاً محامٍ، وذلك أمام محكمة الاستئناف في الشمال، ما دفع إلى إرجاء الجلسة حتى تاريخ اليوم.

ودافع رئيس "تيار المردة" (ينتمي إليه فنيانوس) سليمان فرنجية، عن عدم مثول الوزير أمام القضاء، وغرّد عقب الإعلان عن القرار كاتباً، "مع صدور خبر مذكرة التوقيف بحق الوزير يوسف فنيانوس نؤكد وقوفنا إلى جانبه مدافعاً عن نفسه وبحق ضمن القوانين مرعية الإجراء".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، ادعى المحقق العدلي السابق في قضية انفجار مرفأ بيروت، القاضي فادي صوان، على رئيس الحكومة السابق حسان دياب (كان وقتها رئيس حكومة تصريف أعمال) وثلاثة وزراء سابقين، هم غازي زعيتر، علي حسن خليل، ويوسف فنيانوس، بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وجرح مئات الأشخاص"، في قرار ساهم لاحقاً بكف يد صوان بدعوى "الارتياب المشروع" التي تقدّم بها زعيتر وخليل التابعان لـ"حركة أمل" (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري).

وأودى الانفجار الذي وقع في 4 أغسطس/آب 2020، في العنبر 12 بمرفأ بيروت، بحياة أكثر من 216 شخصاً وشرد الآلاف، بسبب 2750 طناً من مادة نترات الأمونيوم المخزنة منذ عام 2013 وكانت سبب الكارثة.

ويوضح المحامي هيثم عزو، لـ"العربي الجديد"، أنّ "مذكرة التوقيف الغيابية هي أمرٌ موجَّهٌ من القاضي إلى القوى الأمنية بالقبض على المدعى عليه المطلوب توقيفه وسوقه إليه للشروع بالتحقيق معه وفقاً للأصول القانونية، وهي تصدر قانوناً في حال تم إبلاغ المدعى عليه أصولاً موعد الجلسة ولم يحضر من دون أن يبدي عذراً مشروعاً يقدّره القاضي، وهذا ما حصل مع الوزير فنيانوس الذي تذرّع بعدم اختصاص المحقق العدلي في التحقيق معه بكونه وزيراً ويخضع بالتالي للمحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء".

ويبحث مجلس النواب برئاسة نبيه بري، المتهم بعرقلة التحقيقات، الردّ على التطورات الأخيرة، خصوصاً بحق رئيس الحكومة السابق حسان دياب الذي غادر إلى الولايات المتحدة الأميركية قبيل جلسة استجوابه الاثنين، والوزير فنيانوس اليوم، بكتابٍ سيوجهه إلى النيابة العامة والقاضي البيطار لإعادة التأكيد على أنّ المرجع الصالح هو المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وكان لافتاً اليوم تلقي بري اتصالاً هاتفياً من مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، جرى خلاله "التأكيد على ضرورة تطبيق القانون والدستور حفاظاً على الوحدة الوطنية"، وهو ما وضعه متابعون في سياق هجوم جديد يتحضر على المحقق العدلي من بوابة الحصانات السياسية والدينية والحزبية والمناورات الاحتيالية التي ستستكمل لتطيير القاضي البيطار الذي يصدر مذكرة توقيف هي الأولى من نوعها بحق وزير.

وهنا، يقول عزو "يوجد تضارب فقهي واجتهادي في هذا الشأن، ولكن الرأي الراجح يميل إلى بقاء القضاء العدلي مختصاً بمحاكمة الوزراء ورؤساء مجلس الوزراء من دون رؤساء الجمهورية، وذلك باعتبار أنّ الدستور ترك الصلاحية في ذلك على سبيل الجواز لمجلس النواب بملاحقتهم، وليس على سبيل الإلزام كما هو الحال بالنسبة إلى ملاحقة ومحاكمة رؤساء الجمهورية، وخاصةً أنّ القضاء العدلي يبقى هو القضاء الطبيعي المختص بالملاحقات والمحاكمات، ولا يخرج عن نطاق صلاحياته إلا ما استثنيَ منه بنص خاص على سبيل الإلزام لا تثار حوله الشكوك بنزع اليد عنه بصورة مؤكدة".

ويلفت عزو إلى أنّ "مجلس النواب يحاول الالتفاف على اختصاص القضاء العدلي لتمييع القضية والالتفاف على العدالة، خصوصاً أنه لم يقدم لغاية الآن على أي ملاحقة بل فقط يتذرع باختصاصه في هذا الشأن من دون حتى أي ممارسة لاختصاصه".

تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ فنيانوس (تولى وزارة الأشغال في عام 2016 وحتى 2019 ضمن حكومتي سعد الحريري)، وهو بمثابة اليد اليمنى لفرنجية، أدرج في سبتمبر/أيلول من العام الماضي على لائحة العقوبات الأميركية لتقديمه الدعم لـ"حزب الله"، وانخراطه في الفساد، وذلك إلى جانب وزير المال السابق علي حسن خليل، وكانت هذه العقوبات تشمل للمرة الأولى على صعيد المنصب السياسي الوزاري شخصاً من الطائفة المسيحية مقرباً من "حزب الله"، قبل أن ينضم إليه في فترة لاحقة صهر رئيس الجمهورية رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل.

أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت يحذرون من التصعيد

في الإطار، نفذ أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، اليوم الخميس، وقفة أمام قصر العدل لمواكبة جلسة استجواب فنيانوس، وشنوا هجوماً على المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري، وسألوه عن سبب تأخره في بت الدفوع الشكلية المقدمة من وكيلي وزير الأشغال السابق.

وأكد الأهالي، في كلمة ألقاها المتحدث باسمهم إبراهيم حطيط، أنّ "تصرفات النيابة العامة التمييزية مريبة ومشبوهة، ولا تقوم بدورها كجهة ادعاء لا بل تمارس المماطلة والتسويف في مسألة الدفوع الشكلية لتأخير حضور المتهمين من أجل إيجاد الذرائع".

ودعا حطيط النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، إلى التنحي عن الملف، وكذلك القاضي غسان الخوري الذي وصفه بـ"الذراع اليمنى لعويدات الذي هو على ارتباط بأحد المتهمين" (أي وزير الأشغال السابق المدعى عليه غازي زعيتر وينتمي إلى حركة أمل برئاسة نبيه بري).

وأعلن حطيط اللجوء إلى خطوات تصعيدية في المرحلة المقبلة، وستكون غير سلمية بسبب دموع الأهالي ووجعنا اليومي.

وأمس الأربعاء، دعا تحالف يضم 145 منظمة حقوقية لبنانية ودولية، بالإضافة إلى ناجين وعائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت، مجدداً، الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إيفاد بعثة للتحقيق في الانفجار الذي ما زال ملفه معطّلاً حتى اليوم.

وأدانت منظمة "العفو" الدولية، في تقرير، سلوك السلطات اللبنانية إزاء الملف، مبينة أنها "أمضت أكثر من عام في عرقلة مجرى العدالة بوقاحة عند كل منعطف، من خلال إعاقة سعي الضحايا إلى الحقيقة وحماية المسؤولين من الخضوع للتحقيق. حتى أنها لجأت إلى العنف ضد عائلات الضحايا الذين يقودون حملة لا تكلّ من أجل المساءلة".

وقالت المنظمة ومقرها لندن، في تقريرها، إنّ "على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الإصغاء لدعوتهم ووضع آلية تحقيق على وجه السرعة لتحديد ما إذا كان تصرف الدولة تسبّب أو ساهم بالحرمان التعسفي من الحياة، والخطوات المطلوب اتخاذها لضمان تقديم سبل إنصاف فعال للضحايا".

المساهمون