يُجمِع متابعون قانونيون للتحقيقات في انفجار مرفأ بيروت على أنّ "شهر سبتمبر/أيلول قد يكون مفصلياً في ملفٍ بدأ يشكّل إزعاجاً جدياً للسياسيين وقلقاً من نيران قرارات المحقق العدلي التي لن يسمحوا بكلِّ ما أوتيَ لهم من مناوراتٍ احتيالية بأن تطرقَ أبوابهم".
وكثف أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت من اجتماعاتهم لوضع خارطة الطريق لتحركاتهم على ضوء التطورات لتقديم كامل الدعم للقاضي طارق البيطار ومنحه الثقة اللازمة لمواصلة عمله بشفافية وموضوعية وجرأة، وللوقوف بوجه أي مخطط يُعمَل عليه أو يسعى إليه المسؤولون لطمس الحقيقة والإفلات من العقاب ووضع اليد على الملف.
ويؤكد مصدر قانوني مطلع على التحقيقات لـ"العربي الجديد" أنّ "مذكرة التوقيف الوجاهية التي أصدرها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بحق عضو المجلس الأعلى للجمارك هاني الحاج شحادة، المدعى عليه بجناية القصد الاحتمالي وجنحة الإهمال والتقصير؛ ما هي إلا بداية لسلسلة مذكرات توقيفٍ ستطاول كل من يخضع للاستجواب هذه الفترة أو يتغيّب عن الجلسة، وليس مستبعداً أن تشمل رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، خصوصاً في حال تشكيل حكومة جديدة، والتي ستسقط معها أيضاً الحصانات النيابية، وهو ما سيشعل المعركة الكبرى، وسبق أن عايشنا جولة سريعة بحملات الدعم المرفقة بخطوط حمر من مرجعيات سياسية ودينية لعدم المسّ بالمدعى عليهم".
ويلفت المصدر إلى أنّ "شهر سبتمبر/أيلول مزدحم بجلسات الاستجواب والبتّ بالدفوع الشكلية، من بينها: الإثنين المقبل، وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس والمدير السابق للعمليات في مرفأ بيروت سامي حسين، والأربعاء مدير المخابرات السابق كميل ضاهر، ومدير إقليم بيروت في الجمارك السابق موسى هزيمة، والعميدان جودت عويدات وغسان غرز الدين في 10 و15 سبتمبر/أيلول، وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي في 13 سبتمبر/أيلول، ودياب في 20 منه".
ويؤكد المصدر أن "كل هذه الأسماء معرضة للتوقيف، ونظرية المؤامرة الطائفية والحزبية التي يلجأ إليها السياسيون وآخرها ربطاً بمذكرة إحضار دياب (من الطائفة السنية) وتوقيف شحادة المحسوب على تيار المستقبل (يرأسه سعد الحريري) ستسقط لأن الجميع سيأتي دوره عاجلاً أم آجلاً".
في المقابل، تشير أوساط قضائية لـ"العربي الجديد" إلى أن "المرحلة الآتية قد تشهد توقيفات وإخلاءات سبيل أيضاً للموقوفين بالمذكرات التي كان أصدرها المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوان، علماً أن عدد الموقوفين اليوم بات 18 بعد إصدار البيطار المذكرة بحق شحادة".
وكان المحقق العدلي استجوب الوكيل البحري لباخرة روسوس، مصطفى البغدادي، الذي نقل من المستشفى إلى منزله ويعاني من وضع صحي صعب، ويقول وكيله القانوني المحامي صخر الهاشم لـ"العربي الجديد" إن "البغدادي قدّم كل المعلومات المتوفرة لديه للقاضي البيطار وجاوب على الأسئلة التي طرحت من جانب نقابة المحامين وأصدر المحقق العدلي قراراً بمنعه من السفر".
ويعتبر الهاشم أن "الملف لن يسلك طريق النهاية لأسباب عدة، ونحن قادمون على أزمة كبيرة في القضية، إذ إن التوقيفات ستكرّ سبحتها لتنطلق منها محاولات العرقلة وربما الإطاحة، ولا أستبعد تقديم طلبات للتنحي أو الردّ خصوصاً في حال اتخذ البيطار قراراً بتوقيف دياب أو أمنيين".
على الصعيد نفسه، لا تخفي دوائر قانونية انزعاجها من أداء النيابة العامة التمييزية، التي "بدل أن تقوم بدورها لناحية الادعاء أو أقله تسهيل مهمة المحقق العدلي تعمد إلى إقفال أبوابها أحياناً والتأخير في تنفيذ طلبات البيطار والرد على الدفوع الشكلية في غالب الأوقات، عدا عن طريقة تعاطيها مع الأذونات بملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا".
وتلفت الأوساط إلى أن "النيابة العامة تخلّت عن دورها وصلاحياتها ولم تعد تمثل الحق العام، بل أصبحت بمثابة محامي دفاع عن الطبقة السياسية ومنحازة بشكل علني إليها ومعرقلة لعمل المحقق العدلي".
وفي هذا الإطار، تقدمت نقابة المحامين بدعوى ارتياب مشروع بحق المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري، وبهذه الخطوة ستتحول كل الملفات والطلبات إلى المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان إلى حين البتّ بالدعوى.
بدوره، يفنّد منسق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي لمحاربة الفساد" المحامي جاد طعمة في حديثه مع "العربي الجديد" الاحتمالات الواردة في الملف وخصوصاً في ما يتعلق بوضع دياب والوزراء السابقين، وبعضهم نواب حاليون، والقادة الأمنيين والعسكريين.
ويقول طعمة: "المحقق العدلي طلب الاستماع إلى دياب والوزراء السابقين الذين يحمل بعضهم صفة نيابية وقادة أمنيين وعسكريين كمدعى عليهم وليس بصفتهم شهوداً، وهذا الأمر ليس تفصيلاً سهلاً".
ويضيف: "المحقق العدلي سطّر مذكرة إحضار بحق دياب، أي "بالقوة" بواسطة الدرك لحضور الجلسة بعد دعوته أصولاً وعدم تلبيته الدعوة، وإن تكرر عدم حضور الجلسة حينها يحق للمحقق العدلي أن يصدر مذكرة توقيف غيابية بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال أو يسطّر مذكرة إحضار جديدة، علماً أن منطق الأمور يقول إن عليه أن يقطع له مذكرة توقيف غيابية".
ويرى طعمة أن "المأخذ على دياب أنه يتعاطى باستخفاف مع القضاء، بمعنى أنه لا يحترم السلطة القضائية حاله حال جميع السياسيين، إذ كان حرياً به إما حضور الجلسة والاستمهال لتوكيل محامٍ أو إرسال محاميه لتقديم مذكرة دفوع شكلية يفنّد فيها رأيه وموقفه لناحية مسألتي الصلاحية والاختصاص، فيعلن وجهة نظره التي ترى أن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو المختص بمحاكمته وأن لا صلاحية للمحقق العدلي للتحقيق معه، والأمر نفسه كان على المدعى عليهم القيام به بدلاً من سيل الإساءات وكَيل الاتهامات إلى القضاء وعدم احترام عمل المحقق العدلي".
ويشير إلى أن "هناك شدّ حبال مع مجلس النواب الذي يصرّ على وجهة نظره بأن القضية تدخل في اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وليست من صلاحية المحقق العدلي أي القاضي البيطار، وهذه طامة كبيرة ومسألة أثيرت لعرقلة التحقيقات"، لافتاً إلى أن "القاضي البيطار يتعرض لهجومٍ سياسي وتدخّل فاضح في ملف له وحده الصلاحية المطلقة للتحقيق فيه وتحديد وجهة سير التحقيقات، وآخر ذلك ما ورد على لسان رئيس البرلمان نبيه بري، وهذه الرسائل ليست بالسهلة على المحقق العدلي الذي يبدو أنه مصرّ على السير قدماً بتحقيقاته وفقاً لقناعاته".
ويتوقف طعمة عند تلطي سياسيين خلف شعارات المؤامرة والاستهداف المرفقة باتهامات حول انحياز المحقق العدلي لرئيس الجمهورية وفريقه، مشيراً إلى أن القاضي البيطار يتمتع قانوناً بالسلطة الاستنسابية والتقديرية حتى يقرّر مسار الاستجوابات والادعاءات، وله وحده أن يحدد بمن يبدأ، وحتماً لائحة المدعى عليهم لم تنتهِ بعد وستشمل كثيرين مع المستجدات والتطورات الحاصلة خلال السير قدماً بالتحقيقات، وهو الآن بمرحلة تكوين قناعته حول الملف"، مشدداً في السياق على أننا اليوم أمام معركة كبرى عنوانها فرض استقلالية السلطة القضائية أو التسليم بواقع التدخلات السياسية التي تجهض أي تحقيق جدي يمكنه أن يوصلنا إلى نتائج جدية تهدف إلى محاسبة المهملين والمقصرين من رجالات الصف الأول، السياسيين والأمنيين.