استمع إلى الملخص
- الكاتب محمد أرزقي فراد انتقد تصريحات تبون، مشددًا على ضرورة تجريم الاستعمار قانونيًا، وأشار إلى محاولات سابقة لتمرير قانون يجرم الاستعمار الفرنسي.
- بعض الآراء السياسية ترى أن تصريحات تبون قد تمنح فرنسا مكسبًا مجانيًا، مؤكدين أن التعويضات جزء من ثلاثية المطالب الجزائرية: الاعتراف، الاعتذار، والتعويض.
أثارت تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس الأحد، بشأن عدم مطالبة الجزائر لفرنسا بالتعويضات عن جرائم الاستعمار ردات فعل واسعة، معتبرة أنها "لم تكن موفقة، وأن التعويضات حق تاريخي ثابت للشعب الجزائري، يتوجب على فرنسا دفعها عن جرائم لا تسقط بالتقادم ولا بالتسوية السياسية".
وكان الرئيس تبون قد فاجأ الجزائريين بإطلاق تصريحات تحيّد مطلب التعويضات من لائحة المطالب التاريخية للجزائر تجاه فرنسا، المستعمر السابق، بشأن الجرائم وضحايا الفترة الاستعمارية، خاصة أن مطلب التعويض ظل قائماً ضمن ثلاثية "الاعتراف والاعتذار والتعويض" التي ترفعها الجزائر منذ عقود. وقال تبون في خطابه أمس أمام البرلمان "أنا لا أطلب من مستعمر الأمس التعويض المادي، ولكن نطلب الاعتراف بجرائمه"، وأضاف "الشهيد الجزائري لا تعادله ملايين الدولارات، ونحن لا نطلب التعويض المالي، نحن نريد التعويض المعنوي، نريد الاعتراف بالجرائم والإبادة". وحول التفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية قال أيضاً "لا تعطونا الأموال، لكن تعالوا ونظفوا لنا الأوساخ التي تركتموها".
من جانبه، قال الكاتب والمؤرخ محمد أرزقي فراد، خلال حديث مع "العربي الجديد"، إن الحديث السياسي عن التخلي عن التعويضات "فكرة غير موفقة"، وأضاف "أعتقد أن هذا موضوع أكبر من رئيس الجمهورية، وهذه مسألة أمة وشعب، وأختلف تماماً مع فكرة التخلي عن مطلب التعويضات، كما لا يحق لأي كان أن يتنازل عنها، هذا حق تاريخي ثابت للجزائريين، والتعويضات تبقى مسألة مفتوحة"، واستطرد قائلاً: "لا يمكن للجرائم ضد الإنسانية أن تتقادم، ولا تسقط استحقاقاتها في أي ظرف كان، ولا يمكن لأي طرف أن ينهي التاريخ بتسوية سياسية"، مضيفاً "يجب أن نبادر إلى تجريم الاستعمار بصورة قانونية، إذ كيف تريد من فرنسا أن تعتذر، بينما نحن عاجزون عن إصدار قانون يجرم الاستعمار".
وكان فراد قد قدم عام 2001، عندما كان نائباً في البرلمان، مقترح قانون يقضي بتجريم الاستعمار، إلا أن السلطة أحبطته حينها، قبل أن يُفاجأ الجزائريون في المقابل بمصادقة البرلمان الفرنسي عام 2005 على قانون تمجيد الاستعمار. وبعد انتخاب البرلمان الحالي، عاودت كتلة من نواب البرلمان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، طرح مقترح قانون ثان لتجريم الاستعمار، يشدد على تحميل الدولة الفرنسية مسؤولية جرائم الاستعمار، وإلزامها بالاعتذار الرسمي، وتقديم تعويضات مجزية عن الجرائم التي تكبدها الشعب الجزائري، وأن تتولى الدولة الجزائرية تفعيل كل قنواتها الدبلوماسية لإجبار فرنسا على تقديم تعويضات عادلة لضحايا التجارب النووية في الصحراء الجزائرية.
وفي السياق نفسه، قال زكرياء بلخير النائب الذي قدم القانون الأخير (ما زال القانون في أدراج البرلمان)، في تصريح لـ"العربي الجديد" تعليقاً على تصريحات الرئيس تبون أمس أمام البرلمان، إن "التنازل عن التعويض المادي الذي اعتبره لا يقدر بثمن مقابل حياة شهيد واحد، نقطة أثارت فعلاً نقاشاً واسعاً، بين أن تكون خطوة استدراجية لانتزاع الحقوق مفككة، وبين اعتبار ملف التعويض المادي، في المعتقد الوطني وفي الذاكرة التاريخية حقاً للأمة لا يمكن التنازل عنه، ولا اجتزاؤه من كل الحقوق من طرف هذا المستعمر البربري".
وأشار إلى أن ذلك لا يلغي الإشارة بإيجابية إلى الإصرار الذي أبداه الرئيس تبون بشأن "التعامل مع ما كان يسميها أكثر من مرة دولة مستعمر الأمس، التي لا تزال العلاقة معها تشهد تجاذبات مستمرة بين مد وجزر، منذ توليه سدة الحكم سنة 2019، وتمسكه بشدة، بحق الدولة الجزائرية في إلزام السلطات الفرنسية بالاعتراف والاعتذار للشعب الجزائري عن جرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر بأصنافها الخمس التي كنا قد فصلناها في مقترحنا الخاص بقانون تجريم الاستعمار، جريمة العدوان، جرائم الحرب، جرائم ضد الإنسانية، جريمة الإبادة الجماعية، جرائم ضد الهوية الوطنية، على أنها جرائم دولية غير قابلة للتقادم".
بعض القراءات السياسية تعتقد أن الحديث عن تخلي الجزائر عن مطلب التعويضات من المستعمر السابق، تحت أي سياق سياسي كان، خطوة غير موفقة، وأنه لم يكن جديراً بمنطق التفاوض السياسي والمناكفة القائمة بين البلدين بشأن ملف الذاكرة، وقد منح فرنسا مكسباً مجانياً بإعفائها من التعويضات، خاصة في خضم أزمة سياسية ودبلوماسية معقدة ومتفاقمة، وفي ظل مواقف مترددة لباريس من مسألة الاعتراف بجرائم الاستعمار، والاكتفاء بالاعتراف بالتقسيط ببعض الجرائم التي تخص شخصيات جزائرية معينة.
ووفق ما قال رئيس حركة النهضة، محمد دويبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، فإن "مثل هذا الحديث السياسي محمول على محاذير تفكيك وتجزئة ثلاثية المطالب الثابتة للجزائر، (الاعتراف والاعتذار والتعويض)، وهي تجزئة لا تخدم المصالح الوطنية الجزائرية والحقوق لا تسقط بالتنازل ولا بالتقادم"، فيما يرى أستاذ التاريخ في جامعة خميس مليانة، غربي الجزائر، أحمد بن يغرز، أن التعويضات حق للشعب والأجيال ولا يمكن التخلي عنه، وقال لـ"العربي الجديد"، "بالتأكيد فإن هذا التصريح كان مفاجئاً، ربما تكون لرئيس الجمهورية معطياته التي تفسر ما قاله.. مبدئياً لا يمكن لأي قيمة مالية أن تعوض دماء ملايين الشهداء، لكن مطلب التعويض مسألة أخرى، وهي في جوهرها امتداد لمطلب الاعتراف والاعتذار، كما أنها رسالة للمستقبل وليست للماضي، بمعنى أن مطلب التعويض هو إدانة لسلوك إجرامي برسم منع تكراره، وإشعار للمذنب بذنبه وتدفعيه الثمن المستحق". وأضاف "بغض النظر عن الضرورات السياسية التي قد تدفع صاحب القرار إلى خيار معين، لكن المسألة هي من الصلاحيات الحصرية للمتضرر بشكل مباشر وهو الشعب الجزائري بكل أجياله".