تحفظ أميركي على تعويم النظام السوري... وشروط للانخراط

13 يونيو 2023
بلينكن في الرياض، 8 يونيو الحالي (فرانس برس)
+ الخط -

تصرّ الولايات المتحدة، والغرب عموماً، على عدم "هضم" الخطوات العربية للتقارب مع النظام السوري، لا سيما بعد إعادته للجامعة العربية، وتفعيل العلاقات الثنائية مع دمشق من قبل بعض الدول العربية، وإن كان بشكل حذر. وعبّرت واشنطن عن رفضها للتقارب مع النظام بالتزامن مع الخطوات العربية في اتجاهه، أي بالتزامن مع اجتماعي جدة (15 إبريل/ نيسان الماضي) وعمّان (الأول من مايو/ أيار الماضي) الوزاريين، ثم الاجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية الذي أفضى إلى صدور القرار 8914 القاضي بعودة سورية إلى شغل مقعدها في الجامعة العربية، ثم مشاركة رأس النظام السوري بشار الأسد في قمة الجامعة على مستوى القادة في 19 مايو. 

وجددت واشنطن تحفّظها على هذه الخطوات، بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية الأسبوع الماضي، ومشاركته اجتماعاً مع نظرائه في مجلس التعاون الخليجي، وفي اجتماع التحالف الدولي لمحاربة "داعش" الذي استضافته الرياض. 

واشنطن تشكّك في التزام النظام شروط التقارب

التحفّظ الأميركي ربطه بلينكن من الرياض بالنتائج التي يمكن أن تخرج عن هذا التقارب. ففي حين شدّدت الدول العربية التي شاركت في اجتماعات جدة وعمّان على ضرورة التواصل المباشر مع النظام لإيجاد حلّ للقضية السورية التي طالت وطاولت تداعياتها الخطيرة المنطقة عبر تهديد أمنها (زيادة التوغل الإيراني، صناعة وتجارة المخدرات، أزمة اللاجئين)، فإن الولايات المتحدة لا تنظر بجدية إلى كون النظام سيستجيب للمبادرة القائمة على مبدأ "خطوة مقابل خطوة" للحل، لكنها عبّرت من خلال بلينكن عن إمكانية التماشي مع رغبة "الحلفاء" وانتظار النتائج. 

ربط بلينكن التحفظ الأميركي بالنتائج التي يمكن أن تخرج عن التقارب مع النظام

وقال بلينكن، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، في ما يتعلق بالتطبيع مع النظام السوري، إن كلّاً من واشنطن والرياض "لديهما نفس الأهداف عندما يتعلق الأمر بما نحاول تحقيقه". لكنه ركّز على موقف بلاده بالقول: "موقفنا واضح جداً، لن نكون جزءاً من عملية تطبيع العلاقات مع الأسد، مع هذا النظام، لأنه لم يستحق بعد الحصول على خطوة نحو الاعتراف به أو نحو القبول به"، وأضاف: "ولكن لأن الأهداف متشابهة بشكل كبير، سنرى ما إذا كان بإمكاننا تحقيق تقدّم". 

وأشار الوزير الأميركي إلى أننا "كلنا نريد التوصل إلى حلّ في سورية ينسجم مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254"، مشيراً إلى أن "من ضمن الأهداف أيضاً توسيع نطاق المساعدات الإنسانية والتأكد من عدم قدرة تنظيم داعش على استعادة نشاطه وتهيئة الظروف للسماح بعودة اللاجئين السوريين ومكافحة تجارة الكبتاغون التي تسبب ضرراً كبيراً للمنطقة والحدّ من النفوذ الإيراني". 

وحول نقاشه مع نظره السعودي، أوضح بلينكن: "ما سمعناه وما سمعته للتوّ مرة أخرى من وزير الخارجية، هو نية شركائنا استخدام التواصل المباشر مع نظام الأسد للمطالبة بمزيد من التقدم في هذه المجالات وغيرها من المجالات خلال الأشهر المقبلة". غير أنه شكّك في نوايا النظام قائلاً: "يجب أن أعترف أننا نشكك في استعداد الأسد لأخذ الخطوات الضرورية، لكننا نتفق مع شركائنا على تحديد هذه الخطوات وعلى الأهداف الكبرى". 

وكان البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الوزاري المشترك بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة في الرياض قد أكّد "الالتزام بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، بما يحفظ وحدة سورية وسيادتها، ويلبّي تطلعات شعبها، ويتوافق مع القانون الإنساني الدولي، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (2015)".

ورحّب البيان "بالجهود العربية لحل الأزمة بشكل (خطوة مقابل خطوة) بما يتوافق مع القرار 2254، على النحو المتفق عليه خلال اجتماع عمّان التشاوري لفريق الاتصال الوزاري العربي المعني بسورية في 1 مايو 2023". 

وشدّد بيان الوزراء "على ضرورة تهيئة الظروف الآمنة لعودة آمنة وكريمة وطوعية للاجئين والنازحين داخلياً، بما يتفق مع معايير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأهمية تقديم الدعم اللازم للاجئين السوريين والدول التي تستضيفهم".

إليزابيث ستيكني لـ"العربي الجديد": الخطوات الموثوقة لتحسين الوضع الإنساني والحقوقي والأمني للسوريين يجب أن تكون محور الانخراط

كذلك أكّد الجانبان الأميركي والخليجي مجدداً دعوتهما لوقف إطلاق النار، ورحّبا بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لتجديد تفويض مجلس الأمن لمدة 12 شهراً لتشغيل الآلية العابرة للحدود، وأعربا عن دعمهما إدراج جميع المعابر الحدودية المفتوحة حالياً (باب الهوى وباب السلام والراعي) في قرار لمجلس الأمن سيصدر في يوليو/ تموز المقبل". 

وناقش الوزراء بحسب البيان مسألة المعتقلين تعسفياً والمفقودين، على النحو الوارد في بيان عمّان وقرار مجلس الأمن 2254، وبالتنسيق مع الأطراف المعنية كافة. 

شروط أميركية للانخراط مع نظام الأسد

من جهتها، علقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، إليزابيث ستيكني، في حديث مع "العربي الجديد"، على موقف بلادها الذي عبّر عنه الوزير بلينكن من الرياض، بالقول إن الولايات المتحدة "لن تقوم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد ما لم يحدث تقدم حقيقي نحو حل سياسي للصراع الأساسي". وأضافت ستيكني: "لقد أكدنا للشركاء الإقليميين المنخرطين مع النظام السوري أن الخطوات الموثوقة لتحسين الوضع الإنساني وحقوق الإنسان والأمن للسوريين يجب أن تكون محور ذلك الانخراط".  

وأضافت: "ما زلنا نعتقد أن الحل السياسي على النحو المبين في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 يظلّ السبيل الوحيد القابل للتطبيق لحل النزاع، ونحن نعمل مع حلفائنا وشركائنا الذين يشاطرونا هذا الرأي، ومع الأمم المتحدة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254". 
وتابعت: "نحن نتفهم أن شركاءنا يعتزمون استخدام التواصل المباشر مع نظام الأسد للضغط والمطالبة بإحراز تقدم في هذه المجالات، لكن نحن متشككون في استعداد الأسد لاتخاذ الخطوات اللازمة لحل الأزمة السورية، لكننا نتفق مع شركائنا العرب في الأهداف النهائية". 

من جهته، رأى المحلل السياسي، باسل معراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "واشنطن لم تعارض جدياً التقارب العربي مع الأسد طالما أنه تحت رقابتها، ولن يتعدّى حدوداً أو سقوفاً وضعتها، ولكنها كانت تصرّ على أخذ شيء من الأسد مقابل ذلك، كما قالتها بصراحة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف". ومن هذه الأشياء، برأيه، "الإفراج عن معتقلين وقبوله بالقرارات الدولية"، لافتاً إلى أنه "كان واضحاً حجم التحدي السعودي للإدارة الأميركية بدعوة الأسد شخصياً، إذ كانت واشنطن تفضّل تمثيلاً أدنى للنظام بشخص وزير الخارجية أو سفير". 

باسل معراوي: الدول العربية حصلت على تنازل أميركي لغضّ الطرف

ولفت معراوي إلى "كلام بلينكن الناعم تجاه الوزير بن فرحان بخصوص الملف السوري وتوجيه اللوم بلغة دبلوماسية كون الوزير الأميركي جاء إلى السعودية حاملاً ملفات أهم، ولا يريد تعكير الأجواء، لكنه أشار في ثنايا كلامه إلى أن التطبيع العربي مع الاسد أتى مجاناً، ولم يقدم النظام أي خطوة مما طلبه العرب منه، بل كان خطاب بشار الأسد في القمة مخيباً لكل الآمال". 

وأشار المحلل السياسي إلى أن الوزير بلينكن "تحدّث بالعموميات بإشارته إلى الاتفاق مع الجانب السعودي بالأهداف الكبرى تجاه الملف السوري"، مذكراً بأن "الدول العربية كانت قد حصلت على تنازل أميركي (كما يقال) لغضّ الطرف الأميركي عن مساعدات إنسانية بعينها تقدم للنظام وأيضاً تقديم أموال لمنع تهريب الكبتاغون". وبرأيه، فإنه "عدا ذلك فإن العين الأميركية تراقب تدفق الأموال ولن تسمح بالتجاوز على قانون قيصر أو العقوبات الأخرى". 

وأشار معراوي إلى أن "بلينكن نال في المقابل بالبيان الختامي موقفاً خليجياً جيداً، حيث عبّر الوزراء الستة عن دعمهم الجهود الأميركية بمحاربة الإرهاب في سورية وأثنوا على القوات الأميركية وطالبوا بعدم التحرش بها لحرفها عن إتمام أهدافها". واعتبر أنه "بذلك فقد تم إزعاج الأسد وإيران، اللذين يطالبان باعتبار القوات الأميركية قوات احتلال، وبالتالي وجودها غير شرعي". وبرأيه، فإن "النظام كان يأمل بموقف عربي مساند له، استغلالاً للعلاقات المتردية بين بعض دول الخليج والولايات المتحدة".

 

المساهمون