"تحرير الشام" تخرق معاقل للمعارضة السورية... وتخسر صندوقها الأسود

"تحرير الشام" تخرق معاقل للمعارضة السورية... وتخسر صندوقها الأسود

21 ديسمبر 2023
عنصر من "الجيش الوطني" في تل بطال، سبتمبر الماضي (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -

يعكس دخول مجموعات أمنية تابعة لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) أبرز معاقل فصائل المعارضة السورية، لاعتقال قيادي انشق عنها حديثاً، مدى نفوذ هذه الهيئة في عموم الشمال السوري، واختراقها الأمني لمناطق خاضعة لـ"الجيش الوطني" السوري المعارض، لا سيما منطقتَي "غصن الزيتون"، و"درع الفرات".

وقالت مصادر مقربة من "الجيش الوطني"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مجموعات عسكرية تابعة لـ"هيئة تحرير الشام" حاولت بمساندة مجموعات عسكرية أخرى عاملة تحت مظلة هذا الجيش،

القبض مساء الثلاثاء الماضي، على جهاد عيسى الشيخ المعروف باسم "أبو أحمد زكور"، وهو أحد أبرز القادة الذين انشقوا عن "هيئة تحرير الشام" في الأيام القليلة الماضية.

توتر في مدينة أعزاز

وجرى اشتباك مع مجموعاته العسكرية، في أحد المقارّ العسكرية الواقعة شرق مدينة أعزاز ضمن ريف حلب الشمالي، وفق المصادر التي أشارت إلى أن شقيق زكور أُصيب خلال الاشتباكات، بالإضافة إلى إصابة عنصرين اثنين كانا برفقته. وأكدت أن المنطقة تشهد حالة توتر بعد تدخل الجيش التركي ومنع مجموعات "تحرير الشام" من اقتياد أبو أحمد زكور إلى منطقة إدلب.

مصادر: لم يتم اعتقال الزكور من قبل مجموعات "هيئة تحرير الشام"

ونشر الجيش التركي دباباته على مداخل مدينة أعزاز، معقل المعارضة البارز في ريف حلب الشمالي، عقب انتهاء الاشتباكات، في ظل تحليق طائرة استطلاع تركية في أجواء المنطقة.

وقالت مصادر أخرى في "الجيش الوطني"، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه "لم يتم اعتقال الزكور من قبل مجموعات الهيئة"، بل طُوّق الأمر بعد "خرق سهلته أطراف باعت نفسها للشيطان"، بحسب وصفه.

انشقاق بسبب تغيير سياسة "هيئة تحرير الشام"

وكان "أبو أحمد زكور"، قد أعلن في بيان يوم الخميس 14 ديسمبر/ تشرين الأول الحالي، الانشقاق عن صفوف الهيئة، وذلك بعد تغيير سياستها، لا سيما في ما يخصّ العلاقات مع "الجيش الوطني" الحليف لتركيا، والعامل في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام"، شمالي وشمالي شرقي سورية.

ويُعتبر زكور من أبرز مؤسسي "جبهة النصرة" ذات التوجه المتشدد، والتي ظهرت في المشهد السوري في عام 2012، ثم أصبحت في ما بعد "هيئة تحرير الشام".

وشغل منصب عضو في مجلس الشورى، وكان أميراً على قطاع حلب، والمشرف على المحفظة الاقتصادية للهيئة في الخارج وأذرعها المالية. وكانت الولايات المتحدة وتركيا قد فرضتا عليه عقوبات في 2 مايو/أيار 2023.

وتعليقاً على ما حدث الثلاثاء في أعزاز، اعتبر الباحث السياسي ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مناطق النفوذ التركي في شمال سورية "ليست محكمة تجاه هيئة تحرير الشام"، مضيفاً أن "الخرق عادة يكون للشيء المحكم".

وتابع: "سبق للهيئة أن اعتقلت معارضاً لها في وسط أعزاز ومضت به عبر كل الحواجز إلى مناطق خاضعة لها في إدلب شمال غربي سورية"، إلا أن زكور "كان شخصاً مرموقاً من المقرّبين لأبو محمد الجولاني (قائد هيئة تحرير الشام)، فتدخلت القوات التركية حتى أوقفت سيارات الهيئة وأخذته منهم".

وأضاف أن ذلك "ليس منعاً لما قيل إنه اختراق؛ بل لخصوصية الرجل وكونه صندوقاً أسود إن بقي سالماً خارج قبضة الجولاني، ومن الممكن استثماره والاستفادة مما عنده، أو كورقة مساومة وضغط عند اللزوم".

تجنّب المزيد من الانقسامات في "هيئة تحرير الشام"

وفي السياق، أوضح الباحث وائل علوان، المواكب للمشهد الفصائلي في سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هيئة تحرير الشام سبق لها اختطاف شخصين اثنين من مدينة أعزاز وهما عصام الخطيب وأبو شعيب المصري".

علوان: "هيئة تحرير الشام" اطمأنت لوجود حلفاء عسكريين لها في شمال سورية

ورجّح أن تكون "هيئة تحرير الشام اطمأنت لوجود حلفاء عسكريين لها في شمال سورية قادرين على إدخال مجموعات أمنية للهيئة إلى مدينة أعزاز، لذا دخلت".

وتابع: "كان مهماً للهيئة إنهاء ملف أبو أحمد زكور كي لا تحدث انقسامات داخلية أعمق في صفوفها، وقد فشلت في ذلك"، معتبراً أنه "من الصعب توقع تداعيات لهذا الفشل، فهناك عدة سيناريوهات يمكن أن تحدث نتيجته".

وتُخضع "تحرير الشام" الشمال الغربي من سورية لسيطرتها، وحاولت أواخر العام الماضي التمدد على حساب مناطق فصائل المعارضة في منطقة "غصن الزيتون" (عفرين وريفها)، مستغلة خلافات داخلية بين هذه الفصائل.

وكادت أن تنجح في اقتحام ريف حلب الشمالي لولا التدخل التركي الذي أجبرها على الانسحاب من عفرين، إلا أنها احتفظت بنفوذ لها من خلال مجموعات وفصائل متحالفة معها.

وتدين بعض المجموعات في ريف حلب الشمالي بالولاء لـ"هيئة تحرير الشام" ومنها "حركة أحرار الشام - القاطع الشرقي"، وهو ما يمنح الهيئة نفوذاً في منطقة "درع الفرات" (ريف حلب الشمالي) التي تضم معابر ذات أهمية كبرى أبرزها معبر "الحمران" الفاصل بين مناطق خاضعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بريف منبج، والمناطق التي تخضع لـ"الجيش الوطني" بريف مدينة جرابلس، والذي تدخل من خلاله المحروقات من شرقي نهر الفرات.