أقرّت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، مساء أول من أمس الجمعة، مشروع قانون يتعلق بسبل مكافحة صناعة المخدرات من جانب نظام بشار الأسد في سورية، وتهريبها إلى العديد من دول العالم.
ويطالب مشروع القانون الذي قدمه عضو المجلس من الحزب الجمهوري فرنش هيل، الحكومة الفيدرالية بوضع استراتيجية مشتركة بين الوكالات الأميركية المعنية لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها والشبكات المرتبطة بنظام بشار الأسد.
المرحلة التالية من التحرك الأميركي
وقال الناشط السياسي السوري أيمن عبد النور، على موقعه في "فيسبوك"، إن المرحلة التالية هي تصويت مجلس النواب على المشروع، وإذا ما تمت الموافقة عليه يتم إرساله لمجلس الشيوخ، الذي إما يوافق عليه بصيغته المقترحة، وإما يتم تقديم مشروع موازٍ ويتم التوصل إلى صياغة مشتركة يقرها المجلسان.
وذكر عبد النور أنه التقى هيل في واشنطن قبل 3 أسابيع وقدم له عرضاً مفصلاً عن صناعة وتجارة نظام الأسد بالمخدرات، ومصادر المواد الأولوية لهذه الصناعة، وأماكن تصنيعها، وبعض الطرق المستخدمة في عمليات التهريب.
على إدارة بايدن تقديم استراتيجيتها لمكافحة الكبتاغون
ويطالب المشروع إدارة الرئيس جو بايدن بأن تقدم للكونغرس استراتيجية في مدة لا تزيد عن 80 يوماً بعد إقراره، تتضمن تقديم الدعم للحلفاء من دول المنطقة الذين تتوجه إليهم عمليات تهريب الكبتاغون (الأردن، ودول الخليج العربي)، إضافة إلى توظيف نظام العقوبات بشكل فعال بما فيها عقوبات "قانون قيصر" لاستهداف شبكات المخدرات التابعة لنظام الأسد.
وتشمل الاستراتيجية حملة علنية لتسليط الضوء على علاقة نظام الأسد بالاتجار غير المشروع بالمخدرات، ولائحة بالدول التي تتلقى شحنات كبيرة من الكبتاغون، إضافة إلى تقييم قدرات هذه الدول على وقف عمليات التهريب.
ويدعو الولايات المتحدة لتوفير المساعدة وبرامج تدريبية لهذا الدول لتعزيز قدراتها على التصدي لعمليات التهريب. وفي حال تم إقرار هذا القانون، فإنه سيطلب من وزارات الدفاع والخارجية والخزانة، وإدارة مكافحة المخدرات، ومكتب المخابرات الوطنية، والوكالات الفيدرالية الأخرى، تزويد الكونغرس باستراتيجية لتعطيل وتفكيك شبكات إنتاج وتهريب المخدرات في سورية.
وكان هيل قد ذكر في 22 يوليو/ تموز الحالي أنه "بالإضافة إلى انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب بانتظام ضد شعبه، أصبح نظام الأسد في سورية الآن دولة مخدرات"، مشيراً إلى أن إنتاج وتجارة المخدرات وحبوب الكبتاغون "ليس فقط شريان حياة مالي حاسم لنظام الأسد، ولكنه يعمل على تقويض الأسر والمجتمعات المحلية، ويموّل الجماعات المدعومة من إيران في المنطقة"، وفق ما نقل عنه موقع "ريبون أدفانس"، المتخصص بتشريعات النواب الأميركيين.
وذكر الموقع أن الرسالة التي وجّهها المشرعون الأميركيون إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن في 15 يوليو الحالي، تشير إلى أن أحدث تقرير للبيت الأبيض، لم يدرج سورية من بين 22 دولة تم تحديدها على أنها بلد عبور رئيسي للمخدرات، أو دول رئيسية منتجة للمخدرات.
ووفق الرسالة التي وقّعها إضافة إلى هيل كل من السيناتور الجمهوري روجر مارشال، والديمقراطي برندان بويل، وآخرين، فإنهم "شهدوا أيضاً زيادة مقلقة في صادرات الكبتاغون من الشبكات التابعة لنظام الأسد، بالتزامن مع زيادة مضبوطات الكبتاغون المرتبطة بسورية على مستوى العالم".
وأشارت الرسالة بشكل خاص إلى أن الأردن مهدد بشكل متزايد من خلال تدفق الكبتاغون عبر حدوده، ويعاني من مواجهات خطرة مع مهربي المخدرات على حدوده مع سورية، كما تتعرض السعودية إلى تدفق الكبتاغون السوري، وعمدت إلى زيادة الموارد الأمنية لتعزيز جهود التصدي لهذا الخطر.
ووفقاً للرسالة، فإن "الاتجار بالكبتاغون هو سبب لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وله نتائج سلبية على الأمن القومي الأميركي وحلفاء الولايات المتحدة وشركائها".
وأشار الموقّعون على الرسالة إلى أن تجارة الكبتاغون تنامت بشكل كبير في الشرق الأوسط، واقتربت القيمة المحتملة لتهريب الكبتاغون في عام 2021 من 6 مليارات دولار، ما يشكل مصدراً مهماً محتملاً للدخل غير المشروع لنظام بشار الأسد والمليشيات المرتبطة به، وهو ما يقوض تأثير العقوبات الأميركية والدولية التي تستهدف الضغط على النظام لتغيير سلوكه، ويمكنه من تهديد أمن العديد من شركاء واشنطن في المنطقة.
ووفق دراسة صدرت مطلع العام الحالي عن مركز "جسور" للدراسات بعنوان "المخدرات في سورية"، فإن تصنيع وتجارة المواد المخدرة تزايدت في سورية بشكل ملحوظ بعد عام 2011 ارتباطاً أولاً بتقديم المواد المخدرة للمقاتلين التي تمنحهم شعوراً بالقوة والنشوة، وصولاً إلى تحوّلها لتكون مصدر دخل رئيسي للنظام والمليشيات المرتبطة به.
وأوضحت الدراسة أن مصنّعي حبوب الكبتاغون يقومون بإدخال تعديلات على المادة الأصلية التي تستخدم أصلاً في علاج الاضطرابات النفسية. وإلى جانب الكبتاغون هناك أيضاً مادتا الحشيش والكريستال المخدرتان.
وأحصت الدراسة العديد من مصانع الكبتاغون المنتشرة خصوصاً في أرياف حلب واللاذقية ودمشق والجنوب السوري، وتشرف عليها مجموعات مرتبطة بالنظام السوري.
كذلك رصدت أبرز خطوط التهريب الداخلية والخارجية من مناطق سيطرة قوات النظام باتجاه سيطرة فصائل المعارضة في الشمال السوري، وسيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في شرق البلاد، إضافة إلى الحدود مع الأردن والعراق وتركيا، فضلاً عن الموانئ البحرية باتجاه أوروبا أو الخليج.
فرنش هيل: أصبح نظام الأسد في سورية الآن دولة مخدرات
كما لفتت الدراسة إلى أهداف اقتصادية وأمنية وعسكرية للنظام السوري وإيران من هذه التجارة، تتمثل في توفير موارد مالية لتمويل مليشياتهم، وحتى إجبار تجار المخدرات على تمويل بعض صفقات الغذاء والمستوردات الأخرى للنظام.
كما يعمد النظام إلى توزيع الكبتاغون على بعض قواته قبل العمليات العسكرية لما تمنحه للعناصر من شعور بالشجاعة والنشاط، إضافة إلى تجنيد عملاء في مناطق المعارضة و"قسد"، بعد توريطهم بالمخدرات.
ويساعد تفشي المخدرات على إشغال الناس بالمشكلات الناتجة عنها، بدل المطالبة بالحقوق السياسية.
استراتيجية إيران في استخدام المخدرات
وعلى صعيد دول المنطقة، فإن إغراقها بالمخدرات استراتيجية محددة للنظام وإيران كما تقول الدراسة، منذ عام 2018 على الأقل، إذ إن إغراق دول الخليج بالمخدرات يقوض مجتمعاتها المحلية، وقد يؤثر على سياساتها الخارجية، في حال ارتفاع نسبة الخطورة.
ورأى الباحث شادي عبد الله، في حديث مع "العربي الجديد"، أن النظام العالمي تساهل بشكل لافت مع تجارة المخدرات التي يديرها نظام الأسد وإيران و"حزب الله"، على الرغم من المخاطر الجسيمة لها على أمن المنطقة والعالم، ربما لأن سورية بعيدة عن الولايات المتحدة، ولا تصل هذه المنتجات تالياً إلى الأراضي الأميركية.
وأضاف عبد الله أن الإجراء الهزيل الوحيد الذي اتخذه المجتمع الدولي حيال هذا النشاط الخطير لنظام الأسد تمثل في موافقة الإنتربول (الشرطة الدولية) قبل أيام على إشراك النظام في جهوده لتعطيل تجارة الكبتاغون في الشرق الأوسط، علماً أن هذا التعاون يسمح للنظام بالحصول على معلومات عن خطط الإنتربول، ما يتيح له الإفلات من المصيدة.